لاحظ أكثر من مسؤول لبناني ان هناك نقاط تشابه في المسار الذي يعتمده السفير الفرنسي المكلف تنفيذ المبادرة التي تقوم بها بلاده حول الوضع اللبناني جان كلود كوسران في مساعيه لإنجاحها، مع المسار الذي يعتمده الأمين العام لجامعة الدول العربية عمرو موسى في تحقيق مبادرته العربية التي تتوازى مع تلك الفرنسيّة.
وأبرز النقاط هي ما يتعلق بالاتصالات الاقليمية المطلوبة لتذليل الصعوبات من أمامهما، إذ تُعتمد في المبادرتين نظرية "الطوابق" التي أطلقها موسى في كانون الأول الماضي على مبادرته السابقة، والتي أكدتها مساعيه المستمرة.
وتكشف مصادر ديبلوماسية رفيعة المستوى في العاصمة الفرنسيّة، ان كوسران سيزور واشنطن لشرح المبادرة في مرحلة لاحقة ربما تكون بعد زيارة وزير الخارجية الفرنسي برنار كوشنير إلى لبنان في 28 تموز الجاري، كما أنه يرتقب أن يزور مساعد وزيرة الخارجية الأميركية ديفيد ولش باريس للاطلاع على تطورات الموقف في شأنها.
وأوضحت المصادر ان فرنسا مرتاحة للحياد الأميركي الإيجابي حيال مبادرتها مع الإشارة إلى انّ واشنطن تدعم الحوار بين اللبنانيّين.
إلاّ انّ زيارة كوسران إلى دمشق تطرح أكثر من علامة استفهام حول المتغيّرات لدى الإدارة الفرنسيّة الجديدة في التعامل مع سوريا، إذ أكدت المصادر ان كوسران حمل رسالة فرنسية واضحة إلى دمشق، حول وجوب تعاونها مع المجموعة الدوليّة حول الملف اللبناني من أجل أن تتمكن هذه المجموعة من الاتصال بسوريا والحوار معها. والرسالة الفرنسيّة لا تتضمن تفاوضاً مع دمشق بل طلباً واضحاً بالتعاون الجدّي، والطلب إلى أصدقائها في لبنان التعاون الجدّي مع المبادرة واستئناف الحوار الداخلي. إلا انّ الرسالة تضمّنت موقفاً فرنسياً مفاده انّ على سوريا أن تشجع بدورها الإيجابي الديبلوماسية لحلّ القضايا العالقة في لبنان، وأن أي عدم تعاون لن يشكّل عامل ضغط على فرنسا أو المجتمع الدولي للجوء إلى التفاوض والمساومة، وبالتالي فإنّ فرنسا تدرك جيداً اللغة الإيجابيّة، وتجيد التعامل معها، كما أنها تدرك الأداء واللغة الأخرى، وتحسن التعامل معها أيضاً.
وإذ أكد كوسران في دمشق النجاح الذي حققه لقاء سان كلو، والإيجابيّة التي تميّز الأصداء التي تركها لدى فرنسا، ما يجعل السعي لاستثماره لمصلحة الوفاق اللبناني أمراً حتمياً.
وأفادت المصادر ان ما تغيّر لدى الإدارة الجديدة برئاسة نيكولا ساركوزي هو الموقف تجاه سوريا، بمعنى أن فرنسا تبدي استعداداً لمنح سوريا فرصة للخروج من السياسة التي تنتهجها حالياً في شأن الملف اللبناني واللجوء إلى خيارات أخرى تؤكد التعاون الإيجابي والجدّي مع استقلال لبنان وسيادته واستقلالية قراره السياسي والسيادي، وهي تنتظر منها تحقيق ما تحاول التأشير إليه من انها لا تتدخّل في الشؤون اللبنانية، وأنها تترك للبنانيين التوافق على قضاياهم الداخلية. وهي حاولت التأشير إلى ذلك من خلال خطاب الرئيس بشار الأسد أول من أمس، والذي لم يتناول كالخطابات السابقة موقفاً تفصيلياً من المواضيع الداخلية اللبنانية، وهو أمر لافت ومقصود. إلا انّ المصادر ترى ان الالتزام الجدّي بهذا الموقف بدلاً من ممارسة ضغوط لاستعمال الورقة اللبنانية أمنياً وسياسياً للتدليل على انّ الحلّ اللبناني لن يكون إلا بموافقة سوريا وعبر دورها ونفوذها لدى أطراف المعارضة، هو ما ترغب فرنسا وأكثر من دولة فاعلة التأكد من وجود قناعات فعلية حوله.
وتبعاً لذلك، فإنّ السياسة التي تنتهجها فرنسا حيال سوريا حالياً، وعبر إيفادها السفير المكلف بمتابعة تنفيذ المبادرة الفرنسيّة إلى دمشق، لا تعني انه سيتم تطبيع العلاقات معها، وإنما فتح جسور كانت موصدة، مع وجود استثناءات في عقد لقاءات سرّية قليلة لم يعلن عنها أيّ من الطرفين. والآن تبدي فرنسا استعداداً للحوار مع سوريا، شرط أن تقوم الأخيرة بأداء ملموس وواقعي حول الموضوع اللبناني. وفي اعتقاد فرنسا، ان إقرار المحكمة في جريمة الرئيس الشهيد رفيق الحريري والجرائم الإرهابية الأخرى في مجلس الأمن الدولي، أفسح في المجال للبحث في حلول وتسويات تدعمها فرنسا بقوة من أجل التوصل إلى أقصى ما يمكن من اتفاق واسع وشامل بين اللبنانيّين.
وترى فرنسا ان جهودها الاقليمية التي تهدف إلى إعادة تفعيل الحوار الجدّي بين اللبنانيّين، وتنفيذ ذلك على الأرض، يشكل إنجازاً في حدّ ذاته، وأنّ مسعاها في مرحلته الأولى، عبر انعقاد لقاء سان كلو، لم يكن حواراً حول كيف يرى كل طرف لبناني لبنان كبلد مثالي، ولم يكن في الوقت نفسه حواراً أكاديمياً صرفاً، إنما جمع ما بين الخطين، وأكد من جديد ان كافة الفرقاء يعون مسؤولياتهم الوطنية. وقد حقق لقاء سان كلو فرصة استطاعت فرنسا من خلالها، العمل لاستكمال جهودها لخلق حوافز جديدة للبنانيين للتحاور في ما بينهم، وهذا العمل يجب تكامله بالتشاور والتعاون مع كل من واشنطن وإيران وسوريا، والمملكة العربية السعودية، ومصر.
واستناداً إلى المصادر، فإن أيّ طرف محلي أو اقليمي يثبت عدم تعاونه مع المبادرة الفرنسيّة، سيدفع فرنسا إلى إعادة النظر في علاقتها معه التي لا بد أنها ستتأثر، وستُبقي باريس على التواصل الدائم مع مختلف الأطراف الاقليميين والولايات المتحدة، حتى ما بعد زيارة كوسران للبنان نهاية الأسبوع الجاري لتأمين النجاح للمبادرة.
وتبقى زيارة كوسران لإيران محتملة في أي وقت خصوصاً ان طبيعة العلاقات بين البلدين تجعل من الزيارة واردة وغير معقدة في ظروفها.
يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.