عندما تضافرت الجهود الدولية لإقرار المحكمة ذات الطابع الدولي في جريمة اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري وتوّجت بإصدار القرار 1757، كانت الأجواء الدولية تؤشر الى أن المرحلة التالية في الاهتمام الدولي من مسار الملف اللبناني ستكون لضبط الحدود اللبنانية ـ السورية.
وبالتالي، لم يكن مستغرباً لدى أوساط ديبلوماسية رفيعة المستوى أن يوصي تقرير اللجنة الدولية المستقلة للحدود الى مجلس الأمن بنشر خبراء دوليين على طول هذه الحدود والتي تمتد مسافة 310 كلم. ولم يكن مستغرباً، أيضاً، تركيز التقرير الأخير للأمين العام للمنظمة الدولية بان كي مون، حول مجريات تنفيذ القرار 1701 على ضبط هذه الحدود ودعوة سوريا إلى اتخاذ إجراءات من جانبها لتحقيق منع تهريب السلاح والمسلحين الى الأراضي اللبنانية.
وتغدو مسألة التوصل إلى حل لمنع تسيّب الحدود أولوية دولية في الوقت الحاضر. وبحسب الأوساط، فإن هذه المسألة لن تمر بسهولة، وإن هناك إصراراً لدى الأمم المتحدة، وكل من الولايات المتحدة وفرنسا بشكل خاص، على توفير السبل الكفيلة بمنع تهريب السلاح والمسلحين من سوريا الى لبنان، وإن المواقف الدولية ولا سيما للدول الخمس الدائمة العضوية في مجلس الأمن، لم تكن في تقويمها الذاتي لوضع الحدود بعيدة عن الاستنتاج الذي توصل إليه تقرير اللجنة الدولية المستقلة، الأمر الذي سيحفّز أعضاء المجلس لدعم توصية نشر الخبراء على الحدود من دون تردّد خلال مناقشتهم للتقرير في مطلع شهر تموز المقبل في الجلسة ذاتها التي ستكون مخصصة لمناقشة التقرير الأخير حول تنفيذ القرار 1701.
ومنذ صدور تقرير اللجنة، تدور مشاورات دولية على أعلى مستوى للاتفاق على الطرق الفضلى لبلورة توصية اللجنة بإرسال الخبراء الى الحدود، وسط شبه إجماع دولي على وجوب التعامل مع هذه التوصية بإيجابية، خصوصاً أنه ليس من مهمة الخبراء المشاركة في أي عمل دفاعي أمني أو أيّ تدخل مشابه، إنما مهمتهم ستكون محصورة في تعزيز الرقابة على طول الحدود والتثبت من التوصل الى مرحلة من توقف تهريب السلاح والمسلحين، ومساعدة القوى الشرعية اللبنانية على تطوير قدراتها في هذا المجال.
والعامل الأساسي وراء تحفيز الدول للحصول على موافقتها على التوصية، هو العمل الإرهابي الذي تعرّضت له "اليونيفيل" وما أدى إليه من قلق دولي من الاستمرار في استهداف قوة حفظ السلام في الجنوب، فضلاً عن الإرهاب الذي يكافحه الجيش اللبناني في أكثر من منطقة منذ اندلاع حربه على "عصابة العبسي" في الشمال، إضافة الى استمرار أعمال الاغتيالات السياسية في لبنان، والتفجيرات الإرهابية المتنقلة ضد المواطنين، وما يعني ذلك من خطة لضرب الاستقرار والأمن الداخلي.
لذلك، فإن الأوساط تشير الى دعم دولي لقضية وجود خبراء دوليين على الحدود قد يكون في عدادهم خبراء عرب. وهي مسألة ناقشها أكثر من مسؤول دولي مع الأمين العام لجامعة الدول العربية عمرو موسى لدى وجوده في باريس مطلع هذا الأسبوع ومشاركته في المؤتمر حول دارفور.
وتجرى التحضيرات الدولية في مجلس الأمن لدى انعقاده لبحث التوصية، لدراسة الإطار القانوني الدولي لنشر هؤلاء الخبراء على الحدود اللبنانية مع سوريا، لكن على الأراضي اللبنانية. وهناك تشاور مستمر بين لبنان والأمم المتحدة لبلورة هذه المسألة على الأرض، بالإضافة الى الاتصالات التي تقوم بها الحكومة اللبنانية مع الدول الشقيقة والصديقة للبنان لدعم أي إجراء من شأنه تعزيز الأمن والاستقرار والسيادة الوطنية على كل الأراضي اللبنانية. فالولايات المتحدة تساعد لبنان في تقديم التمويل لتطوير القدرات الأمنية والعسكرية، مع العلم بأنها غير مشاركة في "اليونيفيل". وبريطانيا ليست مشاركة في "اليونيفيل" لكنها تساهم في دعم الموقف السيادي والاستقلالي للحكومة، وفرنسا تساهم في دعم الموقف السيادي من دون أي تعديل أو تغيير بعد تسلّم نيكولا ساركوزي الرئاسة خلفاً لجاك شيراك، كما تساهم في "اليونيفيل" وتدعم مالياً واقتصادياً وثقافياً ومن حيث تقريب وجهات النظر بين الفرقاء اللبنانيين. وهذه الدول ستدعم توصية اللجنة حول الخبراء، وستدعمها أيضاً روسيا الاتحادية التي تساهم في "اليونيفيل" بكتيبة هندسية، وكذلك الصين لديها كتيبة في القوة الدولية في "اليونيفيل" وهناك دعم شامل للهدف الذي وجدت "اليونيفيل" من أجله ولكل عناصر القرار 1701 وضبط الحدود اللبنانية ـ السورية من بينها، فضلاً عن حصرية السلاح بيد الدولة، وقواتها الأمنية الشرعية. مع العلم بأن مهمة اللجنة انبثقت من مستلزمات تنفيذ البيان الرئاسي الأخير لمجلس الأمن حول التقرير ما قبل الأخير للأمين العام في نيسان الماضي حول تطبيق القرار 1701.
ومن المقرّر أن يرافق خطوة إقرار إرسال الخبراء تجهيز كلّ السلطات الأمنية والحدودية اللبنانية بتقنيات مراقبة ورصد متطورة وشاملة وعميقة في استكشافاتها، لإظهار أي تسلل أوتهريب للأشخاص والسلاح، كما أنه تدرس فكرة الرصد التقني من أجهزة خاصة في طائرات هليكوبتر تحلّق بصورة دورية فوق الحدود وفي محيطها، يتم تزويدها لبنان.
يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.