سجل يوم أمس استحقاقان مهمان على صعيد استكمال المقومات الأساسية للتحقيقات في جريمة اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري والجرائم الأخرى ذات الصلة. الأول، دخول التمديد للجنة التحقيق الدولية المستقلة في الجريمة لسنة جديدة حيز التنفيذ، والثاني، بدء العمل أيضاً بالتجديد لولاية رئيسها القاضي سيرج براميرتس لفترة ثلاثة أشهر تنتهي في كانون الأول المقبل من قبل مجلس الأمن الدولي.
وفي موازاة استكمال مقومات التحقيق من جانب الأمم المتحدة، تتجه الأنظار الى الخطوات العملية، التي ستؤثر في كشف الحقيقة في تلك الجرائم. فهناك الجهود الكبيرة التي باشر الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون القيام بها لتشكيل المحكمة ذات الطابع الدولي وفقاً للقرار 1757، والتحضيرات التي يقوم بها براميرتس لرفع تقريره المرحلي ما قبل الأخير مبدئياً الى الأمين العام في 17 تموز المقبل وهما خطوتان وإن انفصلتا في الشكل إنما تتوازيان من حيث ضرورة أن يتلازم التقدم الحاصل في التحقيق مع التقدم المطلوب في مجال التحقيق ومع التقدم المطلوب في مجال تشكيل المحكمة. فعلى صعيد تشكيل المحكمة، بان كي مون يقوم بمشاورات دولية مكثفة بغية الطلب رسمياً الى الدول الراغبة، في تقديم اقتراح لأسماء قضاة دوليين، أن يبلغوا الأمانة العامة بها، وذلك لتوفير القضاة المطلوبين للمحكمة في المرحلتين الأولى والثانية، استناداً الى نظامها الأساسي. كما تتناول مشاوراته الدولية في السياق نفسه السعي لاختيار مدعٍ عام للمحكمة مع العلم أن براميرتس أبلغ الأمم المتحدة أنه لا رغبة لديه في تسلم هذا المنصب.
وعلى درجة واحدة من الأولوية، يولي كي مون اهتماماً لتوفير مقر المحكمة، وإيجاد التمويل لها والأسماء المطروحة كمقر هي قبرص ومالطا ولاهاي. إلا أن تحديد الاختيار لا يزال عرضة للتعديل فقبرص القريبة من موقع الجريمة، والأدنى من حيث التكلفة المالية لإقامة المحكمة، تشير أوساط ديبلوماسية، الى أن صعوبة اختيارها تكمن في القلق الناجم عن اعتبارها مخترقة مخابراتياً من جهات عديدة. إذ تلقى على عاتقا الأمم المتحدة والدولة المضيفة للمحكمة، مسؤولية كبيرة، وهي مسؤولية أمن المحاكمة في شتى تفاصيلها، وهي مسألة ليست سهلة ويجب خلالها تدارك كافة المحاذير، بحيث يكون الاختيار موازياً لسلامة المحاكمة من مدعي عام وقضاة وتحركاتهم، وسلامة المتهمين والشهود والموقوفين والحضور.
أما لاهاي، الخيار الثاني، فلم يسجل بعد وجود استعداد نهائي بالنسبة الى استضافتها. ويعود السبب الى استضافة هذه العاصمة لمحكمة العدل الدولية، ولمحكمة قضية لوكربي الليبية.
أما الخيار الثالث، فهو جزيرة مالطا، حيث سجل استعداد لاستضافة المحكمة، لكن ذلك تتم دراسته بين الطرفين في كافة التفاصيل. ولا تزال مسألة المقر تحتاج الى تشاور وهي غير محسومة. ويبقى حسمها رهن استعدادات الدول والضمانات الأمنية التي يقتنع الأمين العام بوجودها لحسن سير المحاكمة.
وعلم أن المنسق الخاص للأمين العام للسلام في الشرق الأوسط المعين حديثاً مايكل وليمز، والذي يزور بيروت غداً في إطار التحضير لتقرير كي مون حول الـ1701، كما كان يفعل خلال وجوده في منصبه السابق كمستشار سياسي خاص له، سيستفيد من فرصة وجوده في بيروت للتأكيد أمام رئيس مجلس الوزراء فؤاد السنيورة والمسؤولين الآخرين الذين سيلتقيهم، على الإصرار الدولي على تشكيل المحكمة والإسراع في ذلك قدر الإمكان.
والخطوة الثانية، هي تقرير براميرتس المرتقب بعد نحو شهر تقريباً من الآن. وتشير المصادر، الى أن التقرير لن يختلف كثيراً عن سابقاته، إذ لا أسماء، إنما مزيداً من الوصف للمعطيات الجديدة التي تعبر عن تقدم التحقيق. ويرتقب أن يكون تقريره في كانون الأول المقبل هو الأخير، خصوصاً إذا ما شكلت المحكمة من الآن وحتى ستة أشهر، أو على الأقل إذا ما تم إنشاء مكتب المدعي العام، فعند ذلك يتزامن صدور التقرير في كانون الأول الى مجلس الأمن من دون أسماء مع صدور القرار الاتهامي مرفقاً بالأسماء، الى المحكمة، التي تستكمل التحقيق بدورها إذا ما كان هناك حاجة لذلك. ولن يرغب براميرتس في التمديد له مرة جديدة بعد كانون الأول، وهذا ما أبلغه الى الأمم المتحدة حيث سينصرف الى مهمة أخرى، ويكون بالتالي قد عمل رئيساً للجنة لمدة عامين. وإذا ما انتهى التحقيق في كانون الأول المقبل، يكون قد استغرق سنتين ونصف السنة. لذلك إن تشكيل المحكمة سينقل التحقيق ومساره الى صيغة أخرى، وهذا ما سيؤشر إليه تقرير كي مون منتصف أيلول المقبل حول ما حققته مشاوراته لإنشائها.
يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.