تعدّد مصادر ديبلوماسية غربية بارزة الأسباب الكامنة وراء إصرار الإدارة الأميركية على عدم إدراج الملف اللبناني على طاولة أي بحث بينها وبين أطراف إقليميين ولا سيما إيران وسوريا، بدءاً مما حصل على هامش أعمال المؤتمر الدولي حول العراق في شرم الشيخ الأسبوع الماضي، وما قد يستتبعه من خطوات حوارية محتملة في المرحلة المقبلة، وتكمن هذه الأسباب في ما يلي:
ـ ان لدى الإدارة توجهاً يقضي بتحييد ملف لبنان عن أي نقاش أو حوار أميركي ـ إقليمي من هذا النوع، ان كان مباشراً أو عبر دول عربية محورية، خصوصاً إذا ما كان محور النقاش العراق، أو الملف النووي الإيراني. وقد أعاد موقف وزيرة الخارجية الأميركية كوندوليزا رايس حول ما هو مطلوب من سوريا لتصبح داخل المجموعة الدولية، تثبيت المفهوم الأميركي حيال حدود التعاون السوري وأبعاده، والتأكيد عليه مجدداً. ما يعني، بالنسبة إلى المصادر، ان هناك فرصة إضافية منحت للحوار في دمشق وطهران، لكن لتطبيق المطالب الدولية من البلدين وفقاً للقرارات الدولية ولمقتضيات السلم والأمن الإقليميين، انطلاقاً من الملف العراقي. وتلفت المصادر إلى ان تقارير ديبلوماسية غربية، أفادت ان دمشق، أحرزت تعاوناً واضحاً في مسألة ضبط حدودها مع العراق وتهريب المسلحين، وقد انخفض عدد هؤلاء وتشهد الحدود مزيداً من الاستقرار والهدوء في حين ان تقارير الأمم المتحدة الأخيرة، حول تطبيق القرارين 1559 و1701، تناولت موضوع تهريب السلاح إلى لبنان من سوريا، وطالبت سوريا بضبط حدودها مع لبنان لمنع تهريب السلاح إليه منها، ومن إيران أيضاً، تطبيقاً للقرار 1747، وللقرارين المذكورين حول لبنان. وسيحضر إلى الحدود قريباً فريق الأمم المتحدة المكلف وضع تقرير إلى مجلس الأمن حول تهريب السلاح لتقصي الحقائق واستطلاع الوضع. وبالتالي ان أي رسائل سورية حول استمرارها باتباع المسار عينه مع لبنان لن يلقى تجاوباً أميركياً، الأمر الذي جعل رايس تقول، ان العلاقة مع سوريا، تتوقف علي مدى تعاونها في لبنان والعراق، أي ليس فقط في العراق، وبالتالي، لن يكون لبنان موضع مساومة على أي تعاون آخر مطلوب إقليمياً.
وتبعاً لذلك، لن يكون هناك أي مقابل ولا سيما في الملف اللبناني، نتيجة أي تعاون سوري أو إيراني محتمل، وان واشنطن هدفت من جرّاء ايفاد نائب الرئيس الأميركي ديك تشيني إلى العراق وإلى بعض الدول المجاورة للعراق تحديداً، إلى تحريك دور هذه الدول مجدداً في الضغوط على سوريا، وإيران لتحقيق المطالب الدولية منهما.
ـ تؤكد المصادر ان حصول خرق جوهري في العلاقات الأميركية مع كل من إيران وسوريا لا يزال مستبعداً. وما اللقاءات في شرم الشيخ سوى خطوة رمزية لمعرفة مدى استعدادات البلدين للتعاون الإيجابي والجدي. انما حصول خرق كبير في العلاقات لا يزال يتطلب مزيداً من الوقت والجهد، وانه في أحسن الأحوال سيتحقق تمهيد أو تحضير لحوار ليس أكثر على ان يبقى فيه الملف اللبناني غائباً وغير خاضع لأي مساومات. لكن المصادر، توضح ان إمكانات التمهيد لحوار ستحمل معها إنعكاسات إيجابية على لبنان، بصورة غير مباشرة، مثلما ان تصاعد المواقف الأميركية ـ الإقليمية، يترجم على الساحة اللبنانية عبر تباعد المواقف. وترغب الولايات المتحدة والأمم المتحدة أيضاً، في التأكد من أن التأثير الذي يعكسه النفوذين السوري والإيراني في لبنان، لن يشكل خطراً على لبنان، ولن يؤدي إلى تقويض بناء الدولة القوية والقادرة والسيدة والحرة والمستقلة، وانه سيمتنع عن ان يكون عامل تخريب للاستقرار اللبناني، وعامل للتهديد بخلط الأوراق الأمنية والسياسية مجدداً على الساحة الداخلية. بحيث ان على كافة الأطراف اللبنانيين ان يسيروا في اتجاه مصالحهم الوطنية العليا، وان الحاجة إلى علاقات جيدة بين لبنان وسوريا، أمر يرتبط بالبلدين، وليس لأي طرف دولي ان يقرر ذلك عنهما. إلا ان كل الموفدين العربيين الذين تباحثوا مع دمشق حول تطبيق القرارات الدولية حول لبنان، إضافة إلى الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون خلال زيارته إليها قبل 3 أسابيع تأكد لهم انه لا يوجد أي تغيير، ولو بسيط، في الموقف السوري. ومع ذلك، سعت دمشق لتكون أكثر استعداداً لفتح حوار مع واشنطن، مقارنة مع الاستعدادات الإيرانية التي تقول المصادر، ان الإدارة تتأكد من انها ستتخذ منحى جديا أم لا. لكن دمشق سعت إلى إحداث إيجابية واضحة في الأجواء التي سادت العلاقات مع واشنطن منذ صدور القرار 1559، ومنذ جريمة اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري. مع الإشارة إلى ان العلاقات الديبلوماسية بينهما لم تنقطع، على الرغم من ان الإدارة سحبت سفيرتها مارغريت سكوبي آنذاك من دمشق، وأبقت على معدل منخفض من التمثيل الديبلوماسي.
ان الإدارة الأميركية لن تنقض الإنجازات التي حققتها على صعيد سيادة لبنان واستقلاله، وعلى صعيد معرفة الحقيقة في جريمة الحريري، ومقاضاة المجرمين أمام العدالة، والمحكمة التي يتم الآن الإعداد الأميركي ـ الفرنسي لصياغة مشروع قرارها تحت الفصل السابع. كما ان الإدارة لن تقوم بإضاعة مسألة كون لبنان بات في صلب استراتيجيتها، وكونه عامل استقرار في المنطقة برمتها. لذلك لا حوار حول لبنان مع سوريا أو مع إيران من شأنه ان يشكل مساومة على أي مكاسب في العراق أو غيره.
يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.