أكدت أوساط ديبلوماسية غربية واسعة الاطلاع على العلاقات اللبنانية ـ الفرنسية، ان الاستحقاق الرئاسي الفرنسي الذي تبدأ المرحلة الأولى من الانتخابات المخصصة له غداً الأحد، لن يؤثر في السياسة الفرنسية القائمة حالياً تجاه الملف اللبناني وان اي رئيس سيتسلم مقاليد الحكم في فرنسا خلفاً للرئيس الحالي جاك شيراك سيتقيد بالثوابت الفرنسية حيال لبنان، وهي التي تصنعها الدولة كمؤسسة، ولا يعدل فيها الاشخاص، الا في حالات طفيفة متصلة بالأسلوب والطريقة.
وأكدت ايضاً، ان المسؤولين في فرنسا يتناوبون على تنفيذ سياسة بلدهم الرئيسية التي تتركز بالنسبة الى لبنان على الدعم اللامحدود سياسياً واقتصادياً بصورة دائمة كما كانت تاريخياً. ولا تغيير في المزاج الفرنسي العام حول هذا الواقع. ولاحظت، ان الرئيس شيراك الذي وضع ثقله الدولي، وانطلاقاً من صداقته المتينة مع الرئيس الشهيد رفيق الحريري، كان له الأثر البالغ في ارساء وتعميق الثوابت الفرنسية حول لبنان، لا سيما خلال العامين الأخيرين. وما هو غير مسبوق تاريخياً، عدم وجود تشاور وتواصل بين الرئاسة الفرنسية والرئاسة اللبنانية. ومن بين أبرز الثوابت الفرنسية المستمرة لدى تسلم الرئيس الجديد مهمته، دعم لبنان في كشف حقيقة اغتيال الرئيس الحريري، ومقاضاة المجرمين امام العدالة الدولية.
وبالتالي، لن تطرأ على الثوابت الفرنسية تجاه لبنان اي تعديلات، وفي ظل حكم الرئيس شيراك، تؤكد الأوساط، ان الاحزاب الفرنسية كلها، توافقت على سياسته حول لبنان، وعلى الحفاظ على التقارب الوثيق بين لبنان وفرنسا، والاهتمام الفرنسي المباشر بمصالح لبنان وحمايتها.
وأوضحت الأوساط الغربية، ان موقع لبنان في السياسة الخارجية لفرنسا في ظل الرئيس المقبل الذي سيتسلم مهمته في 17 أيار، ستتبلور في ظل الأولويات الثلاث التي ستكون في صلب الاهتمام لديه لدى توليه سدة الرئاسة، وهي:
ـ اجراؤه مراجعة شاملة للعلاقات الفرنسية ـ الأميركية واعادة ترتيب لمقتضياتها. وفي هذا الاطار، يأتي ملف لبنان، وملف الشرق الأوسط. فضلاً عن ملف العلاقات الأوروبية ـ الأميركية. وثمة اتجاه فرنسي سيتجدد، ويقضي بأن يطبع الاداء الدولي في لبنان وقضايا العالم بطابع فرنسي، وان يكون للسياسة الفرنسية مؤثراتها الواضحة والمستقلة الى حد ما في رسم الاتجاهات الدولية في لبنان والمنطقة، مع الاحتفاظ بالثوابت الأساسية التي لا يمكن لأي رئيس تغييرها فبعد الحرب على العراق، جرى تفاهم فرنسي أميركي، حول المبادرات الدولية حيال لبنان، اذ تطرح فرنسا مشاريع القرارات في مجلس الامن، وتدعمها الولايات المتحدة في ذلك. هذا الواقع سيستمر، لكن بصورة تظهر التأثير الفرنسي الواضع على الرغم من مراعاة باريس لمصلحة واشنطن.
واذا ما فاز المرشح اليميني نيكولا ساركوزي، فان دورا اقوى متوقع لتعميق السياسة الفرنسية تجاه لبنان مباشرة، ودورا فرنسياً اكثر استقلالية حيال الملف النووي الايراني، وحيال المكاسب الاقتصادية التي يجب ان تحصل عليها فرنسا من الثروات الطبيعية مقابل تعاونها في العديد من القضايا الدولية.
ـ تحديد دور فرنسا في مسألة حماية موضوع المقاومة اللبنانية، ضمن الاتحاد الأوروبي، فقد كان الرئيس شيراك، يؤدي دور صِمَام الأمان في هذه المسألة، تجاه منع إدراج الاتحاد لـ"حزب الله" في نطاق المنظمات الارهابية، انطلاقاً من العلاقة الوثيقة التي ميزت صلته بالرئيس الشهيد رفيق الحريري، وحالياً برئيس كتلة "المستقبل" النيابية النائب سعد الحريري، اللذين سعيا لحماية المقاومة دولياً. وكان من مؤثرات ذلك، ان تم الفصل في المجتمع الدولي بين الجناح السياسي للمقاومة والجناح العسكري. وجرى التشجيع على الحوار مع "حزب الله"، وادماجه في الدينامية السياسية اللبنانية، وحل مسألة السلاح بالتوافق وان تتولى الدولة سيادتها الكاملة على أرضها وعلى قراراتها الدفاعية واستراتيجيتها المطلوبة في ذلك. لكن احتمالات حصول تعديل في هذا المفهوم تبقى قائمة. وساركوزي الصديق لاسرائيل، سيؤيد القضايا العربية، لكن، اي تعديل يطرأ، قد يطرح علامات استفهام حول التحديات التي قد يواجهها لبنان، ولا سيما ان "حزب الله" وفي اطار معركته الداخلية المعروفة الخلفيات، حتم على فريق الأكثرية طرح مسألة شرعية سلاحه، الى واجهة البحث.
ـ يتوقع ان تجري فرنسا، في ظل الرئيس الجديد تقويماً لموضوع القرار 1701 وتنفيذه لا سيما دور "اليونفيل"، وأوضاع الحدود مع كل من اسرائيل وسوريا. فالسلم الداخلي في لبنان، بات جزءاً من السلم في المنطقة والعالم. وان أي تطور حيال اي استحقاق لبناني، ذي مؤثرات أمنية، لا بد انه سيتم الأخذ بالاعتبار فيه دور "اليونفيل" ومقتضيات وصلاحيات القرار المذكور.
ـ ان دور اي رئيس جديد لفرنسا يفترض ان تشكل العلاقات الدولية نصف مهامه. وتشير الأوساط، الى العلاقات الواسعة التي ارساها شيراك نظراً لخبرته واهتماماته، وانسحب ذلك على علاقته مع الملف اللبناني الذي اتقنه، وأخذه على عاتقه الشخصي لما ربطه، بلبنان، وبالرئيس الشهيد، علاقة مودة واخلاص. وبالتالي على أي رئيس جديد ان يزور لبنان والمنطقة لدراسة ملفاتها من كثب.
ـ سيعمل الرئيس الجديد لإعادة إنعاش المسيرة الأوروبية، لجعل الاتحاد متمايزا في ادائه الدولي.
ـ العمل لحل أزمة الملف النووي الايراني بالطرائق الديبلوماسية قبل اللجوء الى القوة.
ـ إبراز اهتمام فرنسي واوروبي خاص في مجال عملية السلام في الشرق الأوسط. وإشراك العرب والأوروبيين في صوغ السلام بصورة فاعلة. وضرورة ان تشارك الولايات المتحدة حلفاءها الرأي لدى صناعة القرارات لأن التمويل الأوروبي الموجه الى الدول، يجب ان يواكبه مساهمة اساسية من أوروبا في القرار السياسي.
يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.