يستعد لبنان لاستقبال الموفد الرئاسي الروسي للسلام في الشرق الأوسط الكسندر سلطانوف بداية الأسبوع المقبل، في تحرك متجدّد تقوم به موسكو يتركز على موضوعي المحكمة ذات الطابع الدولي في جريمة اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري، وإحياء المبادرة العربية للسلام في مرحلة ما بعد قمة الرياض. وسيقصد سلطانوف أيضاً دمشق في هذا الإطار، حيث يستطلع حصيلة المواقف السورية في ضوء القمة السورية ـ السعودية التي جرت على هامش أعمال القمة العربية نهاية الشهر الماضي.
وتؤكد مصادر ديبلوماسية بارزة انه بالنسبة إلى موضوع المحكمة فإن سلطانوف الذي سيبحث تطورات الاستعدادات اللبنانية في هذا الشأن، سيعبّر عن أمل بلاده في ان يجري إبرام اتفاقية المحكمة بين لبنان والأمم المتحدة في فترة العقد العادي لمجلس النواب، التي تستمر حتى نهاية أيار المقبل، حيث لا يزال هناك وقت لاستنفاد الوسائل لتحقيق ذلك عبر التوافق اللبناني، أما إذا تعثّر حصول الإبرام في المجلس النيابي خلال دورته الحالية، فإنه لن يكون هناك انتظار روسي أو دولي للدورة الاخرى للمجلس، لانها ستكون مخصصة لانتخاب رئيس جديد للجمهورية، وسيكون بالتالي الجهد النيابي منصباً على هذا الاستحقاق.
وتشير المصادر إلى ان القيادة الروسية ليست بعيدة عن الجو الدولي الذي يعطي الفرصة لإبرام المحكمة حتى إنتهاء الدورة الحالية، بدليل ان روسيا أبلغت أكثر من طرف لبناني معني، وآخر عربي وأقليمي انه في حال استنفدت كافة الوسائل للتوافق الداخلي حول المحكمة ولم تفضِ إلى نتيجة، وباتت الأبواب مقفلة أمام إبرامها فإنها لن تستعمل "حق النقض" اليتو في مجلس الأمن الدولي لتعطيل استصدار قرار جديد، تحت الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة، لذلك، تتوقع هذه المصادر، إما ان تمتنع روسيا عن التصويت على أي مشروع قرار حول ذلك، أو ان تصوّت إلى جانب القرار. وفي كلا الحالتين، فإن النتيجة واحدة، في انها لن تقف عائقاً في وجه صدور قرار كهذا، مع احتمالات ان تحاول إجراء تعديلات طفيفة عليه.
ويقضي المنطق الروسي، بوجوب الدفاع عن تطبيق أي قرار يصدر عن الشرعية الدولية، وتطالب لدى صدوره بتنفيذه وتعتبره ملزماً للجميع، لا بل ستسلك سلوك أول المطالبين بذلك، على غرار كافة القرارات ذات الصلة بلبنان وبالجريمة.
وفي ضوء هذه المعطيات، والتي ستوضح زيارة سلطانوف إلى كل من بيروت ودمشق طريقة ترجمتها، فإن المصادر تكشف ان لا عراقيل على الإطلاق تواجه اللجوء إلى تحمل مجلس الأمن مسؤولياته في إقرار المحكمة، وان ليس هناك استعمال لحق اليتو من أي دولة. وتشارك روسيا في المشاورات الدولية الحاصلة على أعلى مستوى لا سيما أميركياً وفرنسياً، تحضيراً لأي قرار محتمل حول المحكمة في مجلس الأمن، وثمة إصرار فرنسي يلقى تجاوباً من كافة الدول الأعضاء في المجلس بضرورة استصدار هذا القرار قبل إنتهاء ولاية الرئيس جاك شيراك في 16 أيار المقبل، وعدم انتظار مناسبة مناقشة مجلس الأمن للتقرير ما قبل الأخير لرئيس لجنة التحقيق الدولية المستقلة في الجريمة سيرج براميرتس في تموز المقبل، لاستصدار قرار المحكمة.
أما المحور الثاني، في زيارة سلطانوف، فيتركز على بحث السلام من وجهة النظر العربية والتي تتجلى بالمبادرة العربية للسلام التي أعادت قمة الرياض تفعيلها. وتعتبر روسيا ان الدور السعودي مفصلي في مسألة السلام في المنطقة لا سيما خلال رئاستها الدورية الحالية للقمة. وترحب بإعادة تفعيل هذه المبادرة، إلا انها تربط الأمر بمبادرة جديدة كانت أطلقتها بدورها، وهي السعي لعقد موتمر دولي جديد حول الشرق الأوسط. وتحاول روسيا العمل دولياً لإحراز تأييد لفكرتها عقد اجتماع قريب بين الرباعية الدولية للسلام، والرباعية العربية التي تضم السعودية ومصر والإمارات والأردن، بمشاركة فلسطين وإسرائيل، بحيث يكون الاجتماع تمهيديا للمؤتمر الدولي الجديد، والذي تعمل لالتئامه بصورة موسعة وتشمل كل الدول المعنية بالسلام خصوصاً لبنان وسوريا.
ولذلك، تأتي زيارتي سلطانوف إلى كل من لبنان وسوريا، بعد زيارة بدأها أمس سكرتير مجلس الأمن القومي الروسي ايغور ايفانوف إلى كل من إسرائيل والأراضي الفلسطينية في إطار الجهود الروسية لتحقيق هذا الهدف، بغية توفير انطلاقة جدية للمفاوضات السلمية في المنطقة، تبدأ بالمسار الفلسطيني ـ الإسرائيلي، وتنتهي بتفعيل المفاوضات على المسارين اللبناني والسوري مع إسرائيل، على ان يتم الأخذ بالمبادرة العربية للسلام كأساس لانعقاد المؤتمر الدولي وما سينبثق عنه من مفاوضات على كافة المسارات.
يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.