مع اقتراب استحقاق انعقاد القمة العربية التاسعة عشرة في المملكة العربية السعودية، في 28 و29 آذار الجاري، تتكثّف المشاورات بين القادة العرب حول التوجه الذي ستسلكه مقرراتها وما يمكن أن يحمله "إعلان الرياض"، الذي سيصدر نتيجة مداولات القمة، من مضامين متصلة بالقضايا العربية المدرجة للبحث على جدول الأعمال.
ويولي لبنان أهمية بالغة لهذا الاستحقاق، ويعد ملفاته الى اجتماعاتها التي تبدأ عملياً في 24 الجاري، باجتماع تحضيري على مستوى الموظفين الكبار والمندوبين الدائمين لدى جامعة الدول العربية، وعلى مستوى الخبراء للمجلس الاقتصادي والاجتماعي العربي. ومن ثم يلتئم هذا المجلس في 25 الجاري ليناقش البنود الاقتصادية ويرفع تقريراً الى الاجتماع التحضيري لوزراء الخارجية العرب، الذي ينعقد في السادس والعشرين من الجاري. ومهمة الاجتماع الوزاري إعداد "إعلان الرياض" في صيغته شبه النهائية بعد جوجلة مشروع هذا الإعلان الذي يكون قد تسلّمه بعد الاجتماع التمهيدي للموظفين الكبار.
واستناداً الى مصادر ديبلوماسية رفيعة المستوى، فإن لبنان يعول على الدور السعودي الذي يهيئ الأجواء لحصول اختراق سياسي حول الملف اللبناني يتوّج الإعلان عنه في مناسبة القمة، ينهي الأزمة الداخلية، ويعيد أجواء الثقة والحوار بين السلطة والمعارضة.
وأوضحت المصادر أن أي اختراق من هذا النوع من شأنه أن يستدعي إجراء تعديلات على مشروع القرار اللبناني الذي سيعرض على القمة، تحت بند "التضامن مع الجمهورية اللبنانية"، لناحية ما ستكون توصلت إليه الجهود السعودية والعربية لحلحلة الأزمة، بما في ذلك إبرام مشروع المحكمة ذات الطابع الدولي في جريمة الرئيس الشهيد رفيق الحريري في المجلس النيابي، وتوسيع الحكومة، والتفاهم حول الاستحقاق الرئاسي، والانتخابات النيابية وقانونها. أي أن المشروع سيتضمن الدعم العربي لأي تفاهم لبناني ـ لبناني يجري العمل عليه إقليميا وداخلياً. أما إذا تعذّر الحل، وهذا مستبعد، في ظل الحرص السعودي اللامحدود على الخروج من هذه الأزمة، فإن مشروع القرار اللبناني سيقر في القمة كما أقرّته الدورة العادية ال127 للجامعة التي انعقدت في 3 و4 آذار الجاري في القاهرة.
وأكدت المصادر أن جدول أعمال القمة الرسمي لم يوزع بعد على الدول نظراً لكونه مدار نقاش ودراسة بين الأمين العام للجامعة عمرو موسى وقادة الدول، لا سيما المملكة التي تستضيف القمة. وتحرص المملكة على أن تكون القمة استثنائية بمنجزاتها العربية عموماً، واللبنانية تحديدا، مع العمل لتجنب ما حصل في قمة السودان من إشكال تمثيلي لبناني فيها. والتحرك السعودي يجري بزخم لترتيب الموضوع اللبناني بروتوكوليا وشكليا ومضموناً، كأحد أبرز مؤشرات النجاح التي يرتقب أن تحققه القمة.
وأشارت المصادر الى أن جدول أعمال القمة سيكون ممثلاً للقضايا العربية التي أدرجت على جدول أعمال الدورة ال127 للجامعة، وقد تطرح مواضيع داهمة عربياً. والمواضيع الأكثر بروزاً إضافة الى الموضوع اللبناني هي: فلسطين، الشرق الأوسط، السلام، العراق، السودان والجولان السوري المحتل. وكانت تميّزت تطورات هذه الملفات في المرحلة الأخيرة، بانعدام وجود الحسم، والاستياء من اللاحسم، ما يضع القمة في الرياض أمام مسؤولية استعادة زمام المبادرة، وزمام مركزية الدور العربي لطروحات الحلول واقتراحات التسويات وصياغتها. والرسالة التي ستبعثها القمة في الرياض، الى العرب والعالم على حد سواء، هي إعادة التأكيد على محورية الدور السعودي عربياً وإقليميا ومرجعيته، واللتين تؤهلان لتعميق إعادة تفعيل العمل العربي لحل القضايا كافة. ويحظى تجدد هذا الدور، بتشجيع أميركي وأوروبي، هدفه إطلاق الوهج المتجدد للمملكة والعرب، في معالجة القضايا الشائكة.
وأفادت المصادر أن العمل جار لتكون القمة قمة استعادة العلاقات السعودية ـ السورية طبيعتها بعد ما شابها من توتر على خلفية المواقف السورية في العديد من القضايا اللبنانية والعربية. وتقوم مصر بدور فاعل للمصالحة بين الرياض ودمشق، تمهيداً لمصالحة سوريا مع الدول العربية المحورية الأخرى. فمصر، التي كان يعبّر مسؤولون فيها عن أن علاقتها بسوريا تحتاج بدورها الى عوامل تهدئة، لتوفير مناخات إيجابية، إلا أنه ليس لدى مصر المشكلة الحادة التي طبعت المرحلة الأخيرة من العلاقات السعودية ـ السورية. وساهمت زيارة نائب الرئيس السوري فاروق الشرع قبل يومين الى القاهرة في تحقيق خطوات متقدمة في مجال الدور المصري الحالي.
ويغدو ذلك مقدمة للسعي للعودة الى مثلث التعاون السعودي ـ المصري ـ السوري، الذي كان تراجع لمصلحة الثنائية السعودية ـ المصرية، مع ما شكّله دخول العنصر الإيراني على خط الصراع العربي ـ الإسرائيلي والعراقي من مؤثرات في هذا المجال. ففي الماضي كانت القيادة العربية تتركّز لمصلحة مصر، لكن دفع القيادة حالياً الى المملكة، لا بد أن يساهم مع الدور المصري في تعزيز وحدة الموقف العربي ومنع الانقسام.
يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.