تعتبر مصادر ديبلوماسية، واسعة الاطلاع على المشاورات السعودية ـ الإيرانية، أن القمة التي ستعقد اليوم في المملكة العربية السعودية بين خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبد العزيز والرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد، ستشكل مفصلاً أساسياً بالنسبة إلى الملف اللبناني الذي يندرج على أولويات جدول أعمال القمة، إضافة إلى كافة المواضيع المطروحة من الملف النووي الإيراني، والأداء السوري في المنطقة وحيال لبنان، خصوصاً في موضوع المحكمة ذات الطابع الدولي في جريمة اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري، والاستقرار في لبنان.
في ما خص الموضوع اللبناني، تكشف المصادر أن إيران التي أخذت على عاتقها محاولة ترتيب العلاقة السعودية ـ السورية ـ وفقاً لتفاهمها مع المملكة من خلال تحرك كبير المفاوضين الإيرانيين علي لاريجاني ـ تسعى من خلال أرفع تحرك على مستوى القمة لتذليل مسألتين، الأولى إيجاد السبيل الملائم لإخراج التراجع السوري عما قاله الرئيس بشار الأسد في خطابه الشهير في آب الماضي حول "أنصاف الرجال" في وصفه للدور العربي إبان حرب تموز على لبنان. وهذا الأمر الذي لم يستسغه قادة المملكة، يفترض بالدور الإيراني إيجاد الشكل المطلوب للتراجع عنه، إن عبر اعتذار علني أثناء أعمال القمة، أو اعتذار غير علني خلالها أو على هامش أعمالها، أو من خلال أي طرح آخر مقبول لدى الرياض، كأن يتضمن خطاب الأسد مواقف واضحة تؤشر إلى أهمية الدور العربي والسعودي.
أما المسألة الثانية، فهي أن المملكة التي ترحب جداً بالدور الإيراني لتهيئة مناخات أكثر إيجابية لتحسين أوضاع العلاقات السعودية ـ السورية، وضعت من خلال المشاورات والقمم العربية الأخيرة، ومن خلال المشاورات الديبلوماسية مع طهران عشية زيارة نجاد إلى المملكة، سقفاً للموقف حيال المحكمة، وهو رغبتها في سماع موقف سوري واضح بالموافقة على المحكمة ذات الطابع الدولي، بحيث يترجم ذلك على الساحة اللبنانية بإبرام اتفاقيتها (المحكمة) في المجلس النيابي تمهيداً لتشكيلها من جانب الأمانة العامة للأمم المتحدة. وهذا الموضوع يشكل قضية أساسية في القمة الإيرانية ـ السعودية، من شأن نجاح الدور الإيراني فيها أن ينعكس إيجاباً على أجواء القمة العربية، وما ستحققه من تقدم جوهري على مستوى الملف اللبناني يفتح الباب على الحلول الحوارية، ويبعد التصعيد والذي قد يؤدي إلى مخاطر تفجير الوضع اللبناني.
وأكدت المصادر أن زيارة نجاد تأتي بعد إعادة تقييم إيرانية للتحديات التي تواجه طهران دولياً. وعلى الرغم من مواقف نجاد التفاوضية المعلنة بالنسبة إلى عدم التراجع عن تخصيب اليورانيوم، تكشف المصادر أن هناك وعوداً تلقتها أكثر من عاصمة إسلامية إقليمية من إيران رداً على نصائح أسديت إليها، بأنها ستبذل أقصى الجهود الممكنة لإحراز حل ديبلوماسي لملفها النووي تفادياً للأسوأ.
كما أن إيران وعشية القمة مع المملكة، أعربت عبر قنوات خاصة، لأكثر من عاصمة مهتمة بالموضوع اللبناني والمحكمة تحديداً، أنها ستبدي الاستعداد لتقريب وجهات النظر بين الفرقاء اللبنانيين حول المحكمة، وأن سوريا أيضاً في أجواء هذا الاستعداد، وهناك أمل في أن تؤدي القمة إلى تحقيق تقدم ينزع عناصر الأزمة. ما يعني أن طهران التي تدرك أهمية وأولوية مسألة المحكمة في الأزمة الحاصلة بالإمكان أن تعيد النظر في موقفها الذي تصر فيه على أن حكومة الوحدة الوطنية تحظى بأهمية مماثلة لموضوع المحكمة، وذلك في ردودها على الدول المهتمة بأن تعمل طهران لتسهيل عملية إنشاء المحكمة على أساس أنها مدخل لحل الأزمة اللبنانية.
ومن شأن القمة، أن تعيد النظر من خلال ما يمكن ان تقوم به إيران من دور مع سوريا، في الكلام السوري الجدي والذي فهم من أكثر من طرف إقليمي، بأن سوريا لن تتخلى عن المقاومة اللبنانية، و"حزب الله"، حتى ولو تخلت عنهما إيران، ما يحتاج إلى استدراك الاستهدافات السورية في لبنان، وعبره، وتلك الإقليمية، خصوصاً في الملفين الفلسطيني والعراقي. مع العلم، أن إيران تسعى بقوة إلى عدم وقوف تحالفها الاستراتيجي مع سوريا في وجه أي تفاهم مشترك لها مع الرياض، وسط التحديات الداهمة دولياً أمام إيران من جهة حول ملفها النووي، واعتباره أحد أبرز ما يعيق التوجه الدولي حيال مستقبل المنطقة، وتأثيراتها في العراق وفلسطين، من جهة أخرى. كما تدرك إيران جيداً، أن ما تعتبره مسعى من المجتمع الدولي، لفك التلازم السوري ـ الإيراني في الموقف والاستراتيجية بات حالياً قريباً من الواقع. إذ تواجه الدولتان ضغوطاً قوية، فإيران تواجهها نتيجة ملفها والملفات الإقليمية، وسوريا على خلفية جريمة اغتيال الرئيس الحريري والتدخل في الشؤون اللبنانية وعبور العناصر الإرهابية إلى العراق.
وبالتالي، خطت إيران خطوات متقدمة في تعاملها مع الملف اللبناني مقارنة مع الممانعة السورية حول ذلك. وترى طهران أن التوافق بين اللبنانيين يتطلب تعاوناً سورياً فاعلاً، ستتكثف المساعي حوله نتيجة لقمة اليوم، كما تتطلب عودة العلاقة السعودية ـ السورية إلى مجاريها في ظل نجاح اتفاق مكة بين الفلسطينيين، واستعداد دمشق للعب دور إيجابي في الملف اللبناني مبدئياً كما أشارت المصادر، ما يضع التوجهات السورية حيال لبنان والمنطقة من جديد أمام استحقاق القمة الإيرانية ـ السعودية والقمة العربية نهاية آذار.
يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.