8 آذار 2019 | 00:00

أرشيف

دقة الوضع اللبناني استدعت تكثيف الجهد السعودي

تقاطعت المعطيات لدى أكثر من مرجع ديبلوماسي عربي وغربي، حول ان الوضع اللبناني يمر بمرحلة دقيقة للغاية أمنياً وسياسياً، ما استدعى تكثيف الجهد السعودي مع إيران لتوفير حلحلة للأزمة، لتشكل مرحلة ما بعد 14 شباط والذكرى الثانية لاغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري، انطلاقة حقيقية لبلورة هذه المساعي بعد التجاوب مع المطلب السعودي الواضح بضرورة عدم عرقلة الاحتفال بهذه الذكرى.
والأسباب الكامنة وراء دقة الوضع اللبناني، بحسب هذه المعطيات، هي في الاحراج الذي تواجهه دمشق، ليس حيال بدء العد العكسي لتشكيل المحكمة في هذه الجريمة فحسب، انما أيضاً في ما تؤشر إليه الخطوات المتقدمة التي تشهدها المفاوضات السعودية ـ الإيرانية ان في الملف النووي، أو في الملفات الإقليمية التي تتمتع بنفوذ إيراني وسوري معاً، خصوصاً الملف اللبناني.
فعلى خط تشكيل المحكمة، تفيد المعطيات بأن لا نية لدى مجلس الأمن الدولي للقبول بتعديلات على مسوّدة اتفاقيتها ونظامها الأساسي، من شأنها تفريغ بنودها من مضمونها الحالي، وان المجلس عاجلاً أم آجلاً سيجد نفسه أمام إقرارها، إذا ما تعذر ذلك لبنانياً من خلال الفرصة المعطاة للتوافق الداخلي وللمبادرات وهذه الرسالة تم نقلها إلى الدول المحورية المهتمة بإعادة الحوار بين اللبنانيين. كما تم إبلاغ موقف يحظى بإجماع دولي، متصل بضرورة ان تقوم سوريا، إذا ما كان لديها موقف ما حيال المحكمة، بتوجيه رد رسمي وقانوني، منبثق من القانون الدولي نفسه، إلى الأمم المتحدة يُظهر بوضوح البراهين السورية حول رفضها لها. وانه بغير هذا الإطار من الرد، لا يمكن للمجتمع الدولي الأخذ بالاعتبار أي موقف سوري ذا خلفية سياسية وغير واضحة الاثباتات. وبالتالي لا يمكن للأمم المتحدة، كما للدول الفاعلة في مجلس الأمن، القبول بالرد السياسي.
كما ان الدول الفاعلة في المجلس لن تقبل بالرسائل السورية التي توجه دولياً عبر الساحة اللبنانية، لتعطيل المحكمة، ان كان عبر المنطق الأمني المعتمد، أو منطق دفع الحلفاء إلى عرقلة الآلية الدستورية لإبرامها، بحيث ان على سوريا ان تتقدم هي من الأمم المتحدة بطلب شطب أي بند من نظام المحكمة، وفقاً للأصول القانونية الدولية، مع ان تحميل الرئيس مسؤولية أعمال المرؤوس، هو أحد المبادئ الكلاسيكية في القانون الدولي، وتبنى عليه كل أنظمة المحاكم الخاصة. اما ان يتم الايعاز إلى الحلفاء في الداخل اللبناني، لتعطيل المحكمة، فلن يتم الرضوخ الدولي له.
وتشير المعطيات إلى انه كما السعي إلى المقايضة بين المحكمة والسلم الأهلي، على غرار السعي السابق إلى المقايضة بين مسار السيادة والاستقلال، تنفيذاً للقرار 1559، أو السلم الأهلي أيضاً، لن يكون موضع قبول دولي، ما قد يدفع إلى استخدام الفصل السابع في فرض الأمن، وليس في فرض المحكمة فحسب. وهو الأمر الذي يضع الدولة أمام مسؤولياتها الأمنية، ومن هنا، يأتي القرار الأخير لنائب رئيس مجلس الوزراء وزير الدفاع الياس المر حول خطته لتعزيز الأمن، وذلك في مرحلة "الشوط الأخير" الذي تحدث عنه رئيس كتلة "المستقبل" النيابية النائب سعد الحريري.
اما من حيث تقدم المفاوضات السعودية ـ الإيرانية خصوصاً ما يتركز منها على الملف اللبناني، فإن هناك استكمالاً لأجواء التفاؤل التي سادت قبل أيام نتيجة لهذا التقدم، والذي يتناول الضمانات من كلا الطرفين في المملكة وإيران لتمرير المحكمة بنصها الأساسي الحالي، وتوسيع الحكومة وفقاً لقاعدة 19/11، وسحب الانتخابات النيابية من التداول، على ان يتم التفاهم حول الوزير الحادي عشر وأدائه. وتبدو الساحة اللبنانية عرضة لتأثير تقدم هذه المفاوضات على الوضع السوري، الذي يعتبر ان هناك عملية فك ارتباط تحصل على مساره مع إيران في لبنان لتمرير الحلول، على غرار الحلول على الصعيد الفلسطيني.
وتوضح هذه المعطيات ان الأمين العام لجامعة الدول العربية عمرو موسي، كُلف أولاً بتذليل العقد من أمام العلاقات السعودية ـ السورية، تمهيداً لتذليلها من أمام العلاقات اللبنانية ـ السورية، وفي ملف المحكمة تحديداً، الأمر الذي جعل موسى يتحدث عن عقبات يجب حلها واحدة واحدة. وهذا يتم في وقت، لا يبدو ان الولايات المتحدة غيّرت موقفها من الحوار مع إيران وسوريا. انما بحسب المعطيات، تقوم إيران بإبداء إيجابية حيال المملكة وحيال دورها تحديداً، والذي من خلاله تم نقل رسالة واضحة إليها بالنسبة إلى إمكان إيران التفاوض الآن، وقد لا يكون ذلك ممكناً بعد أسابيع، ولا تزال واشنطن تعتقد انها غير مضطرة لإجراء حوار مع دمشق حول لبنان، وبالتالي لا علاقة بما يمكن ان تقدمه على المسار الفلسطيني أو أي مسار إقليمي آخر، بالمطلوب منها تقديمه حيال الملف اللبناني، حتى لو قبلت سحب الأوراق الأمنية من يدها في فلسطين أو حتى العراق.
وتدرك دمشق دقة التطورات الضاغطة التي تحوط بها، من استعدادات إيرانية للتفاهم مع المملكة وعلاقات غير جيدة لها مع العالمين العربي والدولي، في وقت نأت الولايات المتحدة بنفسها عن أي حوار معها أو مع إيران، باستثناء ما قد يحصل من تقدم في محاولات المملكة إيرانياً.

يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.

8 آذار 2019 00:00