يندرج الملف اللبناني، في صلب جدول أعمال القمة السعودية ـ الروسية، التي ستعقد اليوم بين خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبد العزيز، والرئيس الروسي فلاديمير بوتين، الذي بدأ أمس زيارة للمملكة، هي الأولى لرئيس روسيا الاتحادية، وتأتي في إطار جولة له في المنطقة تشمل ايضاً الأردن وقطر.
ويعوّل أكثر من طرف دولي وإقليمي فضلاً عن الأوساط اللبنانية على ما ستتوصل إليه نتائج القمة، وسط الحديث الديبلوماسي الجدي، عن ان ثمة أجواء إيجابية بدأت بالبروز، ستتم بلورتها بوضوح، من خلال القمة العربية التي ستستضيفها المملكة في الثامن والعشرين والتاسع والعشرين من آذار المقبل. وستشكل القمة السعودية ـ الروسية أحد الأسس الرئيسية المساهمة في بلورة هذه النتائج، في ضوء تقارب الموقفين لدى الرياض وموسكو بالنسبة إلى تفاصيل المبادرة العربية لحل الأزمة اللبنانية، ودعمهما الكامل لاستمرار تحرك الأمين العام للجامعة العربية عمرو موسى لتحقيق عناصرها.
وتؤكد مصادر ديبلوماسية واسعة الإطلاع على تحضيرات القمة السعودية ـ الروسية، ان القمة تجسد لقاء الدورين السعودي والروسي كمحورين مهمين حيال الموضوع اللبناني وقضايا المنطقة العالقة، وكدورين توفيقيين مكملين أحدهما للآخر.
وتشير المصادر الى ان روسيا تقوم بجهود حثيثة وغير معلنة مع سوريا لتسهيل مبادرة موسى وتقديم مواقف إيجابية في القمة العربية وللهدف نفسه، عبر المحور الإيراني ـ السوري، وما يمكن ان يتضمنه الأمر من تبادل مصالح روسية ـ إيرانية ـ سورية. ويتوقع ان ينجم عن هذا الدور إيجابيات تنعكس على ما ستقدمه أعمال القمة العربية من إيجابيات على الموضوع اللبناني. وسيكون لقاء بوتين ـ عبدالله، محطة لجوجلة كل المشاورات التي يقومان بها، خصوصاً وان المملكة تحسب خطواتها جيداً، ولو لم تعتبر ان في استطاعتها تحقيق خرق لمناسبة القمة في أكثر من ملف عربي وإقليمي، لما قبلت باستضافة القمة العربية، بحيث يجري حالياً الإعداد الجيد لإنجاحها.
وتوضح المصادر ان مباحثات القمة ستشمل التطور الجديد في الموقف الأميركي، بالنسبة إلى القبول بأن تشارك سوريا في المؤتمر الدولي حول العراق، في إطار مشاركة الدول المجاورة له. وهذا التطور على الخط العراقي حول المشاركة السورية، يتم العمل حالياً على ان يؤدي إلى تطور مماثل على مستوى الشرق الأوسط وعملية السلام والمؤتمر الدولي المطروح عقده. وهو الذي اتفق موسى والقيادة الروسية على انه "هدف استراتيجي" بحيث يشمل مشاركة سوريا، الأمر الذي تنصب الجهود العربية والروسية حالياً، لكي يكون لذلك تأثيره على الموقف السوري من مبادرة موسى، ما يعني، ان مقاربة الموقف السوري لإبداء إيجابية فعلية حول الوفاق اللبناني على إبرام المحكمة في جريمة الحريري، وكل عناصر مبادرة موسى المتوازنة والمتوازية، بدأت في الملف العراقي مروراً بملف الشرق الأوسط.
وتبذل جهود عربية مع الولايات المتحدة، للقبول بالمشاركة السورية في هذا المؤتمر، التي تعارضها واشنطن وتل أبيب. وثمة توقع ان تقبل العاصمتان بذلك، وتعودا عن موقفهما الرافض، تماماً كما حصل بالنسبة إلى موقفهما بشأن مشاركة دمشق في المؤتمر حول العراق. وهذا التحرك تخوضه المملكة وروسيا بزخم، لتوفير حلحلة إقليمية تطال ملف لبنان وملفات اخرى.
وعلى خط مماثل، فإن روسيا الداعمة للمفاوضات السعودية ـ الإيرانية، ولمنع الفتنة في المنطقة، تعمل جاهدة لطرح الحل السلمي للملف النووي الإيراني. وتبذل موسكو مساعيها الدولية والعربية للتوافق على معادلة: وقف إيران لتخصيب اليورانيوم، مقابل توقف السير بالعقوبات الدولية ضدها، عبر وقف تنفيذ القرار 1737. وفي اعتقاد روسيا، ان تذليل العقبات على الملف الإيراني سينعكس إيجاباً على مسار المفاوضات السعودية ـ الإيرانية. وبالتالي على الموضوع الداخلي اللبناني، في إطار ما يطرحه كل طرف إقليمي ودولي في لعبة الصراع في المنطقة، وتبادل المصالح.
وتؤكد المصادر ان الدورين التوفيقيين السعودي والروسي يلتقيان حالياً في العديد من الملفات في المنطقة والاخرى المطروحة على جدول أعمال قمة عبدالله ـ بوتين، وأبرزها الاستقرار في الشرق الأوسط، وقضية فلسطين، وما حققه الدور السعودي في السلم الأهلي الفلسطيني عبر اتفاق مكة المكرمة ودمج "حماس" في القرار السياسي، وهذا مطلب روسي ايضاً، ثم في مسألة أمن الخليج، والأمن والطاقة، والملف الإيراني، وملف العراق، وما يسمى بـ"حول لبنان وسوريا" على هذا الجدول، أي ما يتصل بالأزمة اللبنانية والدور السوري في الحل.
وتشير المصادر إلى ان طريقة المقاربة للدور السوري في الحل لبنانياً، حتمت على موسى زيارة دمشق أمس ومن ثم زيارة المملكة، بحيث انه لم يرَ ان الأجواء مؤاتية بعد لزيارة بيروت. وفي ظل أجواء التهدئة الحالية، والتفاهم لتأكيد ذلك، في استحقاق مرور سنتين على جريمة اغتيال الحريري، فإن موسى قد يجد ان الأجواء ملائمة لزيارة بيروت بعيد مرحلة 14 شباط.
وسيؤكد بوتين في المملكة دعم بلاده للحكومة اللبنانية برئاسة الرئيس فؤاد السنيورة، وان الأبواب غير مقفلة بالنسبة إلى إبرام المحكمة دستورياً، وعلى الإصرار الروسي على المحكمة توصلاً الى معرفة مرتكبي الجريمة والجرائم الاخرى ومقاضاتهم، وعدم موافقة روسيا على استعمال الإرهاب لغايات سياسية، وان روسيا في الوقت نفسه لا تقبل بتسييس المحكمة أو استعمالها لتفجير الوضع اللبناني.
ولا يمكن إلا التوقف عند ان القمة الروسية ـ السعودية تجمع بين أكبر دولتين في إنتاج النفط في العالم، وما يمكن ان يشكل ذلك من إنعكاسات على الملف الاقتصادي الدولي.
يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.