في الوقت الذي يستمر العامل الاسرائيلي مصلتاً على الملف اللبناني المثقل بالتعقيدات الداخلية، أكدت أوساط ديبلوماسية عربية واسعة الاطلاع، ان التقرير الذي تلقاه الأمين العام لجامعة الدول العربية عمرو موسى، من مدير مكتبه السفير هشام يوسف الذي أوفده الى بيروت أخيراً تضمن انطباعات تفاؤلية، وأخرى تشاؤمية، حول التطورات اللبنانية، وامكان تفعيل الدينامية السياسية الداخلية لحلحلة القضايا المطروحة.
فالتقرير متفائل، لجهة ان أياً من القادة والأفرقاء السياسيين الذين التقاهم يوسف، ليس لديه نيّة بتفجير الأوضاع في لبنان، وان الجميع يحرص على الابتعاد عن الفتنة، وعن انزلاق السلم الأهلي الى مخاطر لا يمكن معرفة الى أين توصل بالبلاد.
والتقرير متشائم، لجهة ان كل الأفرقاء لا تزال عند مواقفها، ومحتفظة بها، وبالتالي لم يلمس يوسف في تقريره، أي تقدم أو تعديل في ذلك، أو أي عنصر جديد يمكن الاعتقاد، انه قد يتم العمل من خلاله على احداث خرق في مكان ما وتطويره في اتجاه تطبيق المبادرة العربية.
وأوضحت الأوساط، ان عدم اتخاذ موسى قراراً بالمجيء الى لبنان، يعود الى أن مسألة التعاون السوري لا تزال تصطدم بالمواقف نفسها من جانب دمشق، وليس هناك حتى الآن نيّة جدية تبديها في تحقيق التعاون الايجابي، وهذا ما انعكس في طريقة اداء رئيس الجمهورية اميل لحود في موضوع المحكمة ذات الطابع الدولي في جريمة اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري، حيال الأمم المتحدة، وحيال استكمال الحكومة الخطوات المطلوبة منها في هذا المسار. وثمة قناعة عربية بأن تَعَلٌّق المحكمة بحياة النظام في دمشق، لا يزال يلقي بظلاله على التفاهم اللبناني الداخلي، وعلى تعثر مبادرة عمرو موسى، وذلك على الرغم من الاستياء السعودي من هذه التطورات.
ولفتت الأوساط الى ان الجوّ الذي يواجه مبادرة موسى من سوريا والوسطاء معها، هو السعي الى كسب مزيد من الوقت، حتى صدور تقرير رئيس لجنة التحقيق الدولية المستقلة في الجريمة سيرج براميرتس في حزيران المقبل، وبعد ذلك تتخذ المواقف اللازمة.
وما يلقي بظلاله أيضاً على مبادرة موسى المتوازنة، استناداً الى الأوساط نفسها، انتظار المباحثات السعودية ـ الايرانية، وما ستؤول اليه. وهذه المباحثات تتم بهدوء، وهي ليست سريعة، ويطرح فيها الأمين العام لمجلس الأمن القومي السعودي الأمير بندر بن سلطان، ملفات عدة يفترض التفاهم حولها مع ايران فضلاً عن الملف اللبناني، وهي الموضوع العراقي، والدور الايراني في العراق، والموضوع الفلسطيني، وسبل العودة الى وقف النار والتفاهم الداخلي، وهو الأمر الذي يمكن القول انه حقق مبدئياً خرقاً على الصعيد الاقليمي، من جراء الدور السعودي الذي جسّده حوار مكّة المكرّمة. ثم هناك الملف النووي الايراني وما يواجهه من تحديات دولية، لكنها قابلة حتى الآن للحل بالطرق السلمية.
وكوّن الملف اللبناني أساسياً في المنطقة، بالنسبة الى المجتمع الدولي، فإنه يعكس في الظرف الراهن "الحرب الباردة" التي تدور بين الولايات المتحدة وايران، اذا جاز التعبير، والتي قد ترفض الادارة الأميركية اطلاق هذه التسمية حول الواقع بينها وبين ايران، بغية عدم الدخول في مقارنة بينهما، وتلافياً لتصنيف الدولة الفارسية بأنها قوة عظمى أخرى، توازي القوة الأميركية، على غرار ما كان سائداً أيام الحرب الباردة الأميركية ـ السوفياتية منذ العام 1945 وحتى العام 1990. فالمسألة بالنسبة الى ايران ليست مسألة وجودية لاسرائيل والولايات المتحدة، بل مسألة تعزيز الورقة التفاوضية وتقويتها، لتقوية النفوذ الاقليمي عندما يحين اقتسام هذا النفوذ. مع ان هذا المنحى الايراني مرفوض أميركياً، ولا تبدي واشنطن اكتراثاً للعروض الايرانية حول تقسيم النفوذ.
وتوقعت الأوساط حصول متغيرات داخلية في ايران في فترة غير بعيدة، من شأنها تعزيز الاتجاه المرن على حساب الاتجاه المتشدد الذي يمثله الرئيس محمود أحمدي نجاد. واذا ما حصلت هذه التطورات، فثمة دور سيؤديه الرئيس السابق محمد خاتمي، في اطار المؤسسات، وقد يؤدي ذلك الى تقليص ولاية نجاد.
إلا أن الأوساط عبّرت عن قلقها البالغ من استمرار الوضع اللبناني على تعقيداته لأشهر، اذا ما ظل الترابط قائماً بينه وبين الوضع الاقليمي بملفيه السوري والايراني. في حين لن تقبل الادارة الأميركية بأي تنازلات سيادية واستقلالية في لبنان، الذي يبقى أولوية في اهتماماتها، على الرغم من الملف العراقي الضاغط، ما يجعل أي مبادرة وخصوصاً مبادرة موسى تواجه ما تواجهه من ثبات في مواقف الأفرقاء في لبنان.
على أن الأوساط أعربت عن القلق العربي والدولي حيال الظروف الداخلية اللبنانية اذا ما استمر الوضع الراهن، في ظل الالتزامات والتعهدات المتبادلة بين المجتمع الدولي ولبنان، لتطوير اقتصاده من خلال مفاعيل مؤتمر "باريس 3"، وثمة دعوة للسعي الى حلحلة التعقيدات التي تمكن لبنان من الافادة من المؤتمر ريثما تحل التعقيدات الكبيرة سياسياً، بحيث ان برلمانات الدول المانحة ستطرح أسئلة أمام حكوماتها حول مصير التمويل للبنان.
يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.