على الرغم من تصاعد الأجواء التفاؤلية، استعداداً لزيارة الأمين العام لجامعة الدول العربية عمرو موسى إلى بيروت منتصف الأسبوع المقبل، لاستكمال البحث في مبادرته العربية التي قد تضاف إليها أفكار جديدة، تكشف مصادر ديبلوماسية بارزة ان أي تقدم جوهري ستحرزه مساعي موسى في لبنان، مرتبط بنتائج زيارته إلى موسكو بعد غدٍ الاثنين، لا سيما ما يتصل بموضوع تمرير إقرار المحكمة لبنانياً، وتوقيت إنشائها على المستوى الدولي في مجلس الأمن.
وتوضح المصادر ان موسكو تشكل محور اتصالات عربية ودولية، تهدف إلى ان تقوم روسيا الاتحادية بدور ما، مع القيادة السورية وعبر الدور الإيراني ايضاً، في المساعدة على الاستيعاب السوري لموضوع المحكمة، وضرورة تشكيلها في المرحلة الحالية، قبيل ان ينتهي التحقيق في جريمة اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري في حزيران المقبل كما هو متوقع.
وتؤكد المصادر ان كلاً من واشنطن وباريس رفضتا الشرط السوري بتأجيل تشكيل المحكمة إلى ما بعد انتهاء التحقيق، وتعتبران أن هذا الشرط، هو الذي يتحكم بصورة أساسية بخلفية تحرك المعارضة اللبنانية ومحاولاتها تعطيل الحركة الدستورية خصوصاً المجلس النيابي، في إشارة إلى ان التقدّم الذي حصل على خط المباحثات السعودية مع إيران، يبلور أكثر فأكثر، النقاط التي تركز عليها سوريا من خلال أداء المعارضة، بحيث تزداد القناعة الدولية بأن القضية هي قضية محكمة، وتُظهر مدى التباين السوري ـ الإيراني في ما خص سبل التهدئة وعلى أية قاعدة، بما في ذلك إمكان العودة إلى الحوار الداخلي في لبنان، ومبادرة موسى بحد ذاتها.
من هنا، تعتقد المصادر ان نجاح مهمة موسى في روسيا، ستنعكس على مهمته في بيروت، في حين ان الأجواء التي تحيط بالموقف الدولي حيال الشرط السوري، تؤكد رفضه له، كما تؤكد ان ذلك بمثابة هرطقة ديبلوماسية وقانونية وسياسية، في إطار اللعب من جديد على عامل الوقت في السعي إلى تأخير تشكيل المحكمة من جهة، والضغط في موضوع الاستقرار الأمني في لبنان، مجدداً في محاولة لفرض نفوذها، من جهة ثانية، ما يعني ان استمرار الرفض السوري لتقديم أي إيجابيات، حتى للطرف الروسي، كضمانات حول الوفاق الداخلي في مسألة إقرار المحكمة، سيهدّد المبادرة العربية ويجعلها عرضة للتحديات الإقليمية والداخلية.
وتلفت المصادر إلى ان هناك رهاناً سورياً في الإصرار على تأخير تشكيل المحكمة، على حصول تغييرات في قادة بعض الدول ذات التأثير البالغ في أداء مجلس الأمن الدولي، بدءاً من الانتخابات الرئاسية الفرنسية في نيسان المقبل، ومن ثم الانتخابات الرئاسية الروسية في شباط 2008 أي بعد سنة، ثم بعد ذلك الاستحقاق الرئاسي الأميركي بحيث ان المدة المتبقية للرئيس جورج بوش تقل عن السنتين.
إلا انه، مقابل الرهان السوري، تشير المصادر إلى ان كلاً من واشنطن وباريس، لن تجعلا مسألة المحكمة تمر من دون تحقيق تقدّم في إنشائها، خصوصاً وان ملامح المعلومات في التسريبات حول التحقيق، انه انتهى، وان المشاورات الدولية تنصب مع أكثر من طرف عربي فاعل على طريقة إخراج هذه المسألة وصدور القرار الاتهامي وتوقيت ذلك. كما ان المشاورات الدولية تتركز على توقيت تقديم الدول العشر لمعلوماتها حول ظروف اغتيال الحريري وخلفياته، إلى لجنة التحقيق. يبدو ان هذه الدول تعمدت الاحتفاظ بمعلوماتها، للإعلان عنها في مرحلة محددة، بحيث يتم الإفادة منها بصورة فاعلة في نتائج التحقيق، ومقاضاة المجرمين. من هنا، ثمة علامات استفهام مطروحة، حول التوجه الدولي في حال لم تتعاون سوريا مع الموقف الروسي وفي حال لم يتمكن موسى من إنجاز تقدم في مبادرته على الأرض، بالنسبة إلى استعمال معلومات الدول العشر. كما ان علامات الاستفهام مطروحة حول ما اذا كان رئيس لجنة التحقيق الدولية المستقلة في الجريمة سيرج براميرتس سيعلن في تقريره ما قبل النهائي، في منتصف آذار المقبل، تطورات متسارعة خلافاً للمنحى الذي تميزت به تقاريره السابقة، ما يعيد من جديد الزخم الدولي الذي قد يؤدي إلى صدور قرار حول التحقيق والمحكمة.
كذلك، هناك تساؤلات ديبلوماسية مطروحة، حول ما إذا كان تقرير آذار سيربط بين التقرير النهائي في حزيران ومقتضيات إنشاء المحكمة، الأمر الذي يضع مجلس الأمن أمام خيارين إما استعمال صلاحيته وفقاً للفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة، واستكمالاً لمسيرة تشكيل المحكمة في القرارات الدولية ذات الصلة، وتحت هذا الفصل أيضاً، وإقرارها بصيغة يجري تحديدها، أو التشاور في شأن إعطاء مزيد من الوقت أمام إعلان القرار الاتهامي، عبر تمديد مهمة براميرتس إلى ما بعد حزيران المقبل موعد آخر تقرير له. مع العلم ان مهمة براميرتس تنتهي في منتصف تموز، وكان جرى الاعتقاد بعد التمديد له ستة أشهر، انه التمديد الأخير له بهذه الصفة، قبل ان يتحول ولدى صدور القرار الاتهامي تحويله إلى المحكمة، إلى مدعي عام فيها. وان أي تمديد له يعني ان تقرير حزيران لن يكون النهائي، ولن يصدر القرار الاتهامي حينها.
ذلك ان تمديد مهمته، إذا ما تم سيكون تحت عنوان عدم انتهاء التحقيق، وبسبب أوضاع لبنان لم يتم تشكيل المحكمة، ما يستدعي مزيداً من التشاور الدولي والعربي الحاصل، وحسماً لكل هذه الظروف المحيطة بالمحكمة وبلبنان، لكي لا يتحول وضعه الدقيق إلى "ستاتيكو" يمتد فترة طويلة، وتلافياً لنجاح مساعٍ معينة لتمييع التحقيق، ونتائجه، والعدالة الدولية.
يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.