كان لافتاً جداً لدى الحكومة اللبنانية، كما لدى أكثر من طرف عربي ودولي حاول القيام بمساعٍ توفيقية منذ بداية التصعيد الشارعي ضد الحكومة الشرعية والدستورية، أن المعضلة الأساسية في عدم التوصل إلى نقاط مشتركة تزيل الخلاف، لا تزال تكمن في عدم القدرة على فصل الوجه الداخلي للتصعيد عن الخلفية الاقليمية التي تتحكم به.
وأوضحت مصادر حكومية بارزة أنه في انتظار ما سينتج من التحركات لإحراز تقدم ما على الصعيد الداخلي، فوجئ مختلف المسؤولين العرب والأوروبيين والأتراك الذين تحركوا إن بمبادرة منهم، أو بناء على وعد تقدموا به من رئيس مجلس الوزراء فؤاد السنيورة بإجراء اتصالات ومباحثات مع كل من سوريا وإيران، بأن الأبواب موصدة في وجه مساعيهم التي تركزت على ضرورة إزالة التوتر الداخلي في لبنان، والضغط على أنصار البلدين في لبنان للعودة إلى طاولة الحوار، وسحب المواضيع الخلافية من الشارع، وإعادة النظر في مواقفهم التي لا تؤدي إلا إلى الشرذمة والفتنة.
وأفادت المصادر أن دمشق أبلغت هؤلاء الأطراف أنها لا تتدخل في الشأن اللبناني، ولم يتمكن أي من هؤلاء من الحصول على وعد سوري أقله بالنظر في المطالب حول الملف اللبناني، في حين أن دمشق أبدت لهؤلاء، وخلافاً لردّة فعلها حول الطلب حيال لبنان، بأنها ستؤدي دوراً إيجابياً في الملفين العراقي والفلسطيني، وستبذل وسعها لتهدئة الموقف والضغط من أجل الاستقرار وعدم اتباع الوسائل العنفية لتحقيق الحقوق في البلدين، لكن في لبنان فإن لا دخل لها في ما يحصل.
أما بالنسبة إلى ما توصل إليه هؤلاء، بنتيجة مباحثاتهم في إيران أو تواصلهم غير المباشر معها، فقد أبلغتهم طهران أن ليس لها أي تأثير على "حزب الله" وعلى مواقفه، فهو حزب لبناني يتحرك وفقاً للمقتضيات الداخلية التي يراها ملائمة، فاستنتج هؤلاء أن لا جواب سورياً أو إيرانياً حتى الآن حول التعاون.
وتتابع المصادر أن هذا الموقف انسحب على ردود الفعل لأركان المعارضة، فلم يبدِ رئيس مجلس النواب نبيه برّي أيّ ردّ بالنسبة إلى الأفكار الأربعة التي طرحها الأمين العام لجامعة الدول العربية عمرو موسى حتى الآن، مع أن الطلب كان تضمن أن يكون الردّ بعد 24 ساعة من طرحه، كما سعت أطراف المعارضة إلى إبعاد المبادرة العربية من الجامعة والمبادرات العربية المصرية والسعودية، وإن كانت تلجأ إليها في كثير من الأحيان. ثم في طرح المبادرات والعودة عنها، واستمرار التأكيد على الحل عبر الشارع، والسعي لزيادة الضغط من خلاله.
وأفادت المصادر أن اصطدام المبادرات العربية والأوروبية والتركية بصدّ منيع وعدم تجاوب دمشق وطهران، حول تطورات الوضع اللبناني، يؤشر إلى أن لبنان يشكل بالنسبة إليهما موقعاً يرغبان في محاولة السعي من دون توقف بالعودة به إلى أن يكون محوراً تابعاً لسياستهما، وأن يجسّد الخط الأمامي في التحديات التي تواجه البلدين على الصعيد الدولي. ولا يمكن حصر الوسيلة لتحقيق ذلك بمنحى محدد، فكل الوسائل تبقى قابلة للتجربة.
ولعل في هذا الموقف ردّة فعل، حول الإشارات، كما الرسائل الواضحة من الولايات المتحدة بأن مفتاح الايجابية في تقييم التعاون السوري اقليمياً يبدأ من الملف اللبناني وليس في العراقي أو الفلسطيني، فأعادت دمشق وإيران الكرة في ذلك إلى الملعب الأميركي الذي لا يزال يصرّ على موقفه.
وأشارت المصادر أن الملف اللبناني يحتل حيزاً بارزاً في المباحثات التي يجريها عمرو موسى في واشنطن، بحيث سيؤكد من جديد على ضرورة أن يستمر الملف اللبناني على أولويته لدى أي حوار أميركي محتمل مع إيران أو سوريا بناء على خطة بيكر ـ هاملتون التي أعادت بدورها تثبيت الموقف الأميركي حيال لبنان.
كما سيعبّر موسى في واشنطن عن الأهمية التي توليها الحكومة اللبنانية لأي حوار دولي ـ اقليمي، وتأييدها لحلّ كافة المسائل عبر الحوار وليس عبر التصعيد الأمني، وأن أسلوب الحوار حول القضايا الدوليّة والاقليمية يفيد لبنان، واللجوء إلى أساليب أخرى ليس لمصلحة لبنان.
يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.