8 آذار 2019 | 00:00

أرشيف

مجلس الأمن يفصل بين الجدل الداخلي وما هو مطلوب منه

خطا مجلس الأمن الدولي الثلاثاء الماضي خطوة أساسية في مسيرة إنشاء المحكمة ذات الطابع الدولي في جريمة اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري بتفويضه الأمين العام للأمم المتحدة كوفي أنان التوقيع مع الحكومة اللبنانية على مسودة الاتفاقية بين الطرفين لإنشائها. ويرتقب أن تجتمع الحكومة لتكليف أحد الوزراء توقيعها عن الجانب اللبناني مع أنان.
وأوضحت مصادر ديبلوماسية واسعة الاطلاع، انه بمجرد تكليف انان التوقيع عليها، سيبدأ فوراً إجراء اتصالات دولية ومشاورات لتأمين القضاة الدوليين الذين سيتولون مهامهم في المحكمة. ومن المقرّر ان يستكمل الأمين العام الجديد للمنظمة الدولية يان كي مون ما بدأه أنان على هذا الصعيد، اثر تسلمه منصبه في الأول من كانون الثاني المقبل. وتتوقع المصادر ان تنطلق المحكمة بعملها بصورة فعلية في حزيران المقبل أي بعد نحو 7 أشهر من الآن.
ذلك أن انطلاقتها ستتزامن مع التقرير الأخير للجنة التحقيق الدولية المستقلة في الجريمة المنتظر في حزيران أيضاً بحيث يحال القرار الاتهامي فوراً إلى هذه المحكمة وتبدأ بالمحاكمة. ولن تقتصر مهمتها وصلاحياتها على جريمة الحريري، بل أيضاً على المحاكمة في الجرائم الـ14 الأخرى المعروفة، فضلاً عن جريمة اغتيال وزير الصناعة والنفط بيار الجميّل، وأيّ جريمة سياسية أخرى في حال حصولها لا سمح الله. وهذا الأمر واضح في مضمون المادة الأولى في مسودة الاتفاقية حول المحكمة، في القسم الأول المتصل بالاختصاص والقانون المرعي الإجراء.
وكشفت المصادر ان لبنان لا يواجه تحديات خطرة نتيجة عملية تشكيل المحكمة فحسب، بل أيضاً نتيجة ما سيحمله تقرير رئيس لجنة التحقيق سيرج براميرتس حول تطورات التحقيقات في الجريمة في الخامس عشر من كانون الأول المقبل، أي بعد 22 يوماً. وعلى الرغم من ان هذا التقرير لن يكون نهائياً، إلا انه لن يكون كالتقارير السابقة وسيتضمن معلومات مهمة، لكن ليس كل المعلومات التي في حوزته نظراً إلى أسلوب براميرتس الذي لا يزال يصرّ على اعتماد هذا المنحى بعدم اعلان كلّ المعطيات إلا لدى تشكيل المحكمة ومن خلال القرار الاتهامي الذي ستحيله لجنة التحقيق إليها.
ولفتت المصادر إلى ان سوريا أبلغت أكثر من طرف دولي قريب منها، أنها وإن كانت مرتاحة إلى الأسلوب الذي يعتمده براميرتس، فإن أسلوبه ذاته بات الآن يشكل مسألة غامضة بالنسبة إليها، لا يمكنها معها التكهن بمقوّمات القرار الظني الذي سيصدر لدى انتهاء التحقيق.
وأكدت المصادر أن مجلس الأمن الدولي عازم على إرساء المحكمة وإطلاقها، وأن أي تعقيدات داخلية لبنانية متجددة لن تعوق المجلس عن استكمال هذه المسيرة، ويمكن بالتالي فرض اطلاق عملها تحت الفصل السابع تماماً كما حاول بعض الأعضاء في المجلس الاثنين الماضي تحضير مشروع قرار تحت الفصل السابع لدرء مخاطر أي إفشال لرسالة المجلس إلى أنان حول تفويضه التوقيع مع الحكومة اللبنانية. وقد حاز مشروع القرار في المشاورات الديبلوماسية التي واكبت السعي لاستصداره كحلّ بديل، على 12 صوتاً مؤيداً من أصل 15 صوتاً للدول الأعضاء، إلا ان عملية اغتيال الوزير الجميّل دفعت بأعضاء المجلس بالكامل إلى الموافقة بسرعة على التفويض وبدلاً من اعتماد بعض الدول كقطر وروسيا تأخير صدوره، أقرتا بأن تشكيل المحكمة بات ضرورة في ظل تمادي الإرهاب والاجرام في لبنان ومطاولته الشخصيات السياسية ولا سيما تلك السيادية التي تدافع عن استقلال لبنان وحريته ووحدته.
وستتضمّن الرسالة التي ينتظر أن تتلقاها الحكومة اللبنانية من أنان حول طلبه التوقيع على المسودة، موقفاً داعماً للحكومة في جهودها في موضوع تشكيل المحكمة، ووقوف المنظمة الدولية إلى جانبها في مسيرة بناء الدولة القوية والقادرة، وهو أمر كان طالب الوكيل القانوني لأنان نيكولاس ميشال بضرورة حصوله لإعادة التأكيد على مؤازرة المنظمة للحكومة خصوصاً في مرحلة اجتيازها للعقبات التي يتمّ وضعها.
كما أكد صدور التفويض عن المجلس ان الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا تمكنوا من الضغط في اتجاه فصل الموضوع الدستوري الداخلي في مسألة المحكمة، عن الإجراءات الواجب اتخاذها في المجلس من خلال مهمته في شأن ملف المحكمة، وأن المسائل الداخلية حول المحكمة تبقى داخل لبنان ولا علاقة للمجلس بها، وأنه ليس من مصلحة أي دولة في المجلس الدخول في الجدل الدستوري اللبناني، ويجب عليها التعامل مع رسالة رئيس مجلس الأمن ليس إلا.
من هنا، ثمة توجه دولي بالاستمرار في الفصل بين أيّ جدل داخلي لبناني حول المحكمة وما هو مطلوب فعله من جانب مجلس الأمن. وتشير المصادر إلى ان المحكمة ستشكل، ومن الأجدى للبنانيين الاتفاق حولها بدل وضع التعقيدات التي من شأنها أن تعكس هوية الجهات المتورّطة ليس أكثر.

يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.

8 آذار 2019 00:00