تعزو مصادر ديبلوماسية غربية بارزة في بيروت أسباب الارتياح الأميركي لعملية التشاور اللبنانية الداخلية، التي ستعاود اليوم، لتحقيق تقدم جوهري لم يحصل حتى الآن، الى عاملين أساسيين هما:
ـ أن هناك تركيزاً أميركياً في الملف اللبناني، على ضرورة تخفيف الاحتقان السياسي وإزالة التوتر، الأمر الذي من شأنه أن ينعكس ايجاباً على العودة الى التفاهم الحواري الهادئ على مختلف القضايا اللبنانية المصيرية والتي تواجه استحاقاقات دولية لا مفر من الالتزام بها. كما تنعكس ايجاباً على الاستقرار الأمني. وبالنسبة الى الإدارة الأميركية، من الأهمية بمكان، أن يحافظ اللبنانيون على ما حققوه حتى الآن من منجزات سيادية واستقلالية، وعدم القبول بالتفريط بما تحقق، ذلك أن من يبدأ بهدر أي مكسب متعلق بسيادة لبنان الكاملة على أرضه وقراره الحر، لا يمكنه بعد ذلك أن ينحو باللائمة على أي جهة، داخلية كانت أم خارجية دولية، وأن يعتبر أنها كانت وراء خسارة ما على هذا الصعيد مهما واجه لبنان من ضغوط اقليمية.
إلا أن هذه المصادر ترى أن لا مانع من التوافق على مستقبل الأوضاع والاستحقاقات اللبنانية في إطار يحمي سيادة لبنان واستقلاله، بدءاً من رئاسة الجمهورية التي بدأت الديبلوماسية الأميركية تنشط لاستكشاف الاستعدادات في شأنها.
وفي هذا المجال، تستبعد المصادر أن يؤدي فوز الديموقراطيين في مجلس النواب الأميركي واحتمال فوزهم في الكونغرس بعد النتائج المتصلة بانتخابات مجلس الشيوخ، الى تغيير جذري في السياسة الأميركية تجاه الملف اللبناني. وإن كان سيؤدي هذا الفوز الى تعديلات طفيفة في المنحى الذي قد يُتّبع في السياسة الأميركية الداخلية. إلا أن النظام الرئاسي في الولايات المتحدة، يتيح للرئيس جورج بوش، وغيره من الرؤساء، صلاحيات واسعة في مضمار السياسة الخارجية الأميركية، ما يسمح للرئيس باتخاذ قرارات عن الإدارة الأميركية، بالصورة التي يرتأيها.
ـ أن الإدارة الأميركية لن تتخلى عن مسار الاستقلال والديموقراطية في لبنان، ولا تؤيد أن يكون هذا المسار موضع تجاذب اقليمي أو دولي، على أساس أن الخطيئة اللبنانية من الوجهة الاقليمية، هي معادلة بناء الدولة القوية والقادرة والمستقلة، وتأكيد حقها في أن يكون السلاح في يدها، وبالتالي، يهم واشنطن إبعاد لبنان عن سياسة المحاور وعزل ملفه عن تداعيات ملفات المنطقة وموضوع العلاقات الأميركية ـ الإيرانية والموقع السوري في ذلك.
ومن أجل بناء الدولة القادرة، لا بد من معرفة حقيقة من اغتال الرئيس الشهيد رفيق الحريري ومقاضاة المجرمين دولياً.
وهناك إصرار أميركي متجدد، تجلى أخيراً في المناقشات المغلقة في مجلس الأمن، حول مسودة المحكمة المختلطة اللبنانية ـ الدولية في الجريمة، بضرورة تسريع إنشائها وتثبيت قواعدها وتكريسها بقرار دولي قبل التقرير المرتقب لرئيس لجنة التحقيق المستقلة في الجريمة سيرج براميرتس منتصف الشهر المقبل. وهناك إصرار أيضاً على أن إنشاء المحكمة هو انتصار للبنان.
كذلك ولبناء الدولة، ثمة تركيز أميركي على إعطاء الدعم الكامل لمؤتمر "باريس 3" المخصص لمساندة لبنان، واستكمال تنفيذ القرارات 1559 و1680 و1701.
وأوضحت المصادر، أن الاهتمام الأميركي بتخفيف الاحتقان في لبنان، دليل على استمرار نجاح السياسة الأميركية حيال ملفه.
وبالتالي، بالنسبة الى الإدارة، فإن أي فلتان في الشارع، أو توتر شعبي خارج عن السيطرة، يهدد ما أنجز في مسار السيادة والاستقلال، ويعني فشلاً في السياسة الأميركية. لذلك، إن واشنطن، مهما كانت الأوضاع المستجدة في الكونغرس، لا تواجه ضغوطاً داخلية حيال لبنان، حيث لا خسارة في رصيدها، بل على العكس استطاعت أن تثبت نجاح سياستها من خلال لبنان "النموذج" في المنطقة.
فدعم الفريق السيادي بسبب مساندتها لاستقلال الدول، ليس مكلفاً لها، ولا يستنزف رصيدها، كذلك دعم قيام المحكمة في جريمة اغتيال الرئيس الحريري، ثم اعتبارها لـ"حزب الله" منظمة إرهابية. وكل هذه النقاط تحظى بإجماع أميركي من كلا الحزبين.
وهذا ما ينطبق أيضاً على الضغوط على سوريا، وهو ما ينفذه العالم الغربي بالكامل.
وتلفت المصادر، الى أن الإدارة الأميركية منشغلة حالياً بالإعداد لاستراتيجية جديدة في الشرق الأوسط، ستتضمن أجوبة على علامات الاستفهام المتصلة بطريقة التعامل مع الأنظمة في المنطقة، وبتقييم المشروع الديموقراطي الذي سعت لنشره فيها، والسياسة الواجب اعتمادها في هذا الشأن، ومكافحة الإرهاب الدولي، العلاقة مع الدولة الصديقة للولايات المتحدة ومستوى الدعم للأميركي لها. والعلاقة مع الدول غير الصديقة وطريقة التعامل معها. فضلاً عن المسألة العراقية، ومدى حصول تعديلات غير فورية في سياسة الإدارة حيالها في ظل فوز الديموقراطيين في الكونغرس.
وفي هذا الصدد، أوضحت المصادر، أنه لن يحصل انسحاب فوري أميركي من العراق، وأكدت أن سياسة كل من الحزبيين الديموقراطي والجمهوري، إزاء الشرق الأوسط والنزاع العربي ـ الإسرائيلي متشابهة، لا بل إن الديموقراطيين هم أكثر قرباً من إسرائيل وهم متطرفون في موضوع سوريا وإيران.
يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.