لا تقتصر المعوقات التي تواجه الأداء الديبلوماسي لسياسة لبنان الخارجية، على استمرار تأخير إجراء التشكيلات الديبلوماسية على مستوى السفراء فحسب، إنما تتعداها الى مسألة ما يعكسه عدم وجود قرار موحد بالنسبة الى تنفيذ الثوابت اللبنانية على تحرك البعثات الديبلوماسية في الخارج، لشرح طبيعة الموقف اللبناني، وبالتالي على الدور الملقى على وزارة الخارجية والمغتربين في هذا المجال.
وتطالب مصادر ديبلوماسية بارزة بأن يضع الحوار الوطني الداخلي خطة ترسم سياسة لبنان الخارجية عبر تحديد الثوابت وترسيخها، والاتفاق على موقع لبنان على خريطة التطورات السياسية إقليمياً ودولياً، ومن شأن ذلك إبعاد التأثيرات السلبية عن صورة لبنان في الخارج، بحيث أن العديد من الدول أبلغت بيروت أنها لا تستطيع أن تتفهم عدم تعيين سفراء للبنان لديها، خصوصاً وأنه تربطها بلبنان علاقات ممتازة وقامت بأدوار مهمة تجاه الاستقرار في لبنان.
ومن بين هذه الدول المملكة العربية السعودية والولايات المتحدة الأميركية، التي تعرب عبر القنوات الديبلوماسية عن استغرابها لعدم تعيين سفير للبنان لدى الأمم المتحدة، وإن كانت تفهم أن السفير اللبناني في واشنطن فريد عبود يمثل الرئيس إميل لحود في المرحلة الانتقالية التي يمر بها لبنان.
وسيشغر بعد نحو شهرين مركز السفير في مصر والمندوب لدى الجامعة العربية، فضلاً عن السفير في لندن بحكم سن التقاعد. وهناك المركز الشاغر للأمانة العامة لوزارة الخارجية والمغتربين.
وثمة استغراب دولي للرسائل المتضاربة في الأداء الديبلوماسي حول الثوابت الوطنية، وأدوار السلطات التشريعية والتنفيذية على المستوى الخارجي، والتي قد تخرج عن القوانين والأعراف الدولية، ولا تعكس سوى ضرورة استكمال المرحلة الانتقالية في كل عناصرها، لا سيما على مستوى مستقبل رئاسة الجمهورية.
لذا، من أبرز سمات هذه المرحلة أنه لا توجد تعليمات خطية موجهة الى السفراء ورؤساء البعثات في الخارج، ما يظهر تلافي تحمل أي مسؤولية، نظراً الى الروابط بين العوامل السياسية والإدارية والمحسوبيات داخل الإدارة. وأكثر ما يتركز عمل السفارات على العمل القنصلي، مع أن الدولة تخصص ملايين الدولارات سنوياً للنشاط الديبلوماسي، فضلاً عن تأثيرات ذلك على ضعف روح المبادرة والابتكار في الأداء، وفقدان أدوات العمل الديبلوماسي وحيثياته، لا سيما ما يمثله عنصر العلاقات العامة التي يستطيع السفير إيجادها مع المسؤولين الكبار في الدول المعتمد لديها، إذ عندما يكون رئيس البعثة ليس سفيراً، تبقى آفاق مهمته محصورة بأن يبلغ آراء لبنان أو أن يبلغه المسؤولون في الدول عن تقويمها أو معلوماتها حول قضية ما، بحيث لا تتعداها الى استشراف ما سيصدر من قرارات قد يتم التحضير لها.
وفي اعتقاد المصادر، أن مؤسسة السياسة الخارجية اللبنانية قد دخلت في أجواء قرار سياسي كبير يقضي بعدم تعيين سفراء لبنانيين في الخارج، خلفاً للذين أحيلوا أو سيحالون على التقاعد قريباً، أو الذين انتهت المدة القانونية لوجودهم في الخارج، والاستعانة بدلاً من ذلك، بتعيين مستشارين من الفئتين الثانية والثالثة، وسكريتريين من الفئة الثالثة في المواقع الحساسة في السفارات في الخارج.
وتقول المصادر أن بعض المبررات التي يتم تداولها حول عدم إجراء التشكيلات للسفراء هي:
ـ التباين في وجهات النظر بين "قوى 14 آذار" والرئيس لحود على المواقع وأسماء السفراء التي ستشغلها.
ـ عدم رغبة فريق من "14 آذار" في تعيين سفراء في هذه المرحلة، لأنهم يمثلون رئيس الجمهورية في الخارج بموجب الدستور والقانون، وعدم رغبة هذا الفريق في أن يقترن توقيع الرئيس لحود على أوراق الاعتماد التي سيتزود بها السفراء لتقديمها الى قادة الدول المعتمدين لديها.
ـ الرغبة في تعيين سفراء من خارج الملاك، وتفاوت المواقف بين أركان الحكم حول التعيين من خارج الملاك لسد ما يشكل لدى البعض نقصاً في الكفاءات على غرار ما هو مطروح بالنسبة الى سفراء الطائفة السنية.
ـ إن المواقع الأساسية لأركان الدولة قد أنشأت طواقم خاصة تعنى بالشأن الخارجي، وتعتبر نفسها المرجع الأساسي الذي يساهم في تحديد علاقات لبنان مع الخارج. كذلك، فإن الأفرقاء السياسيين على الساحة اللبنانية أنشأوا دوائر خاصة لمتابعة العلاقات مع الخارج، قد تصدر تعليماتها الى السفارات، الأمر الذي يطرح أكثر من علامة استفهام حول دور السفير في الخارج، والدور السيادي الذي يتمتع به كممثل للبنان رسمياً، ومدى عدم الإلحاح في ضرورات تعيين سفراء جدد.
ـ التدخلات السياسية في التعيينات حتى ولو لم تكن على مستوى السفراء، بحيث أن التعيين لم يعد يرتكز على احتياجات الإدارة، بل على التوازنات الداخلية السياسية والوساطات التي ينجح المعنيون بالقيام بها.
وتطرح المصادر أسئلة حول كيفية التوافق على المرسوم بإصدار تعيينات للفئتين الثانية والثالثة والذي يحتاج الى توقيع الرئيسين لحود وفؤاد السنيورة، ووزير الخارجية والمغتربين فوزي صلوخ، ولا يمكن التوافق على استصدار تشكيلات السفراء بالطريقة نفسها.
يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.