أفادت مصادر ديبلوماسية بارزة في بيروت، أن لبنان لم يتلقَ من أي جهة دولية طلباً بتحديد موقفه من "وثيقة جنيف"، وفي الوقت نفسه يحجم لبنان عن إعطاء موقف منها، لأنه لا يرى أنه مضطر لذلك، كما أنه في الأساس ينتقد الاتفاقات الناقصة والمجتزأة في الشرق الأوسط، والتي يعتبر أنها تتناقض والمبادرة العربية للسلام.
وعلى الرغم من اهتمام المعنيين بواضعي الوثيقة بأن تشق طريقها لتشكل مرجعية دولية تحظى بشرعية التعاون الدولي، فإن الموقف الأميركي حيالها لا يزال غير واضح بدقة، وعدم وضوحه يبقي على الزخم المطلوب لدفعها في إطار محدود جداً. لكن يجري حولها بحث أكاديمي غربي قد يتطور الى ديبلوماسي ـ سياسي يهدف الى معرفة ما إذا كانت هناك من علاقة أو رابط بينها وبين "خارطة الطريق". حتى إذا ما وجدت الديبلوماسية الغربية، أنه لا علاقة بين الاثنين فلن تعمد واشنطن الى دفعها تلافياً لإضاعة الجهود في حلول متناقضة لا تؤدي الى حوار واضح سياسياً حول الحل.
وأوضحت المصادر، أنه على هذا الأساس أيضاً، لا يدعم مجلس الأمن الدولي خطة ونقيضها في آن، لأن ليس في ذلك منفعة أو معنى للتوصل الى هدف ما. لكن إذا ثبت تكاملها مع "الخارطة" فإن هناك احتمالاً لأن يقوم مجلس الأمن بدعمها، وحث الدول المعنية على الأخذ بها.
أما روسيا فتعتبر أن الوثيقة والخارطة متكاملتان، وأن الوثيقة تعالج مسائل لم تتناولها الخارطة. كما أن موقف كل من مصر والأردن جاء متمايزاً مع الموقف السوري المنتقد للوثيقة.
ومن الآن وحتى اتضاح مدى تبني المجتمع الدولي للوثيقة أم لا، فإن المصادر تقول إن الديبلوماسية اللبنانية تخشى مخاطرها بقدر احتمالات تبنيها. وأكثر ما تخشاه وتقلق لشأنه هو فكرة الوثيقة، التي تمثل مناخاً دولياً غير مريح بالنسبة الى تطبيق القرار 194 القاضي بحق العودة. خصوصاً أن ذلك يأتي في ظل عوامل بالغة الأهمية وهي:
أولاً: إن الغرب عموماً يرفض تغيير طبيعة إسرائيل كوطن لليهود، إثر تفكيك دولة فلسطين المتعددة الطوائف والأديان. لذلك فإن حق العودة يغير طبيعة الدولة العبرية، ويخلق إشكالات يعتبر الغرب نفسه في غنى عن تحملها، وهذا الموقف أبلغ الى أكثر من ديبلوماسي عربي بارز. ويغلب على التفكير الغربي في هذا الشأن الوسائل الأكثر سهولة والأقل إحراجاً سياسياً تجاه اللوبيات اليهودية، وتجاه الدولة العبرية.
ثانياً: إن لبنان وحتى ما بعد تبلغه رسمياً "خارطة الطريق" يقول إن لا حل لمشكلة اللاجئين الفلسطينيين بمعزل عن موقفه وعن موقف كل الدول المضيفة لهم، مهما تم من اتفاقات ثنائية فلسطينية ـ إسرائيلية. وهذا ما ينطبق أيضاً في حال اعتماد الوثيقة مرجعية دولية مكملة للخارطة. لكن إذا كان لبنان يرتكز في ذلك على مؤتمر دولي جديد للسلام وما سينبثق عنه وعلى المحادثات أو المفاوضات الثنائية والمتعددة التي تتناول تفاصيل الحلول، حيث يمكنه الدفاع عن قضاياه لا سيما رفض التوطين. فإنه حتى الآن لا يوجد أي توجه حاسم لعقد هذا المؤتمر، وفرص المفاوضات المتعددة لا تزال بعيدة المنال. كما أن كل اتفاق فلسطيني ـ إسرائيلي جديد يتم التنازل فيه أكثر فأكثر عن حق العودة، الى أن كانت وثيقة جنيف التي حسمت عدم العودة الى إسرائيل نفسها، وعدم عودة فلسطيني الـ48، والآخرين جرى تفصيل لعودتهم الى الدولة الفلسطينية العتيدة. وبذلك جسدت الوثيقة عدم المساس بالطابع اليهودي لإسرائيل.
ثالثاً: إن هناك معلومات وثيقة حول أن إسرائيل تمنع على الفلسطينيين في الأراضي التي تحتلها تسجيل الولادات الحديثة للفلسطينيين وتطلب اليهم تسجيلها في أراضي السلطة الفلسطينية. وفي ظل الظروف الأمنية الحاضرة والحصار والجدار الذي يتم بناؤه، هناك صعوبات أمام أبناء الأراضي تحت الاحتلال للانتقال الى أراضي السلطة باستمرار لتسجيل الولادات. فيبقى أولادهم من دون تسجيل وفي ذلك خطورة كبيرة أمام استمرار وجودهم حتى داخل إسرائيل، وخطورة لناحية عدم انتمائهم قانوناً الى أي هوية.
يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.