السؤال الذي يطرح، إثر التفرّد الأميركي بقرار الضربة على العراق، هو: "هل انتهى دور مجلس الأمن الدولي في ما يمثله من مرجعية للشرعية الدولية التي تحفظ السلم والأمن الدوليين؟ وهما من مسؤوليته الأساسية".
تقول مصادر ديبلوماسية في بيروت، ان مصادرة الرئيس الأميركي جورج بوش قرار المجلس عبر طريقة تعاطيه مع القرار 1441، وقد تلى ذلك فرض قراره بالحرب وتغيير النظام العراقي، وعدم الاكتراث لدعوات الدول الاخرى الدائمة العضوية في المجلس.
كل ذلك، أدى الى غياب صدقية المجلس، إلا ان دوره لم ينتهِ بعد. ذلك أن كل الدول التي شنت الحروب على دول اخرى في ظل وجود الأمم المتحدة لم تقم بهذا العمل بناء على موافقة مسبقة من مجلس الأمن والمجتمع الدولي بل ان الحرب عادة كانت تتم بقرار انفرادي، لكن ما يلبث مجلس الأمن بعد انتهائها او اثناء حدوثها ان يعمد الى التدخل بصورة تلقائية، او بطلب من أي دولة عضو في الأمم المتحدة لمناقشة ما يحصل، ولملمة الأوضاع انسانياً واقتصادياً، لأن اللملمة السياسية في أغلب الأحيان تخضع للشروط السياسية والمفاوضات التي تلي الحرب، والتي تفضي الى اتفاقات، يعود المجلس لتبنيها بعد اعتبارها وثيقة رسمية، ما يعني ان التفاوض ونتيجته يفرضان أمراً واقعاً على منطلقات المجلس.
وفي هذا الإطار، لم ينتهِ دور المجلس في التعاطي مع المسألة العراقية على المدى البعيد. وتتوقع المصادر ان يعاد الى إطلاق هذا الدور من جديد في الموضوع العراقي في عدد من المسائل لعل أبرزها ما يلي:
أولاً: قرار المساعدات الانسانية والاقتصادية والاجتماعية على أنواعها بعد انتهاء الحرب على العراق، او حتى قبل ذلك، حيث تتضافر جهود المجتمع الدولي بناء على قرار مجلس الأمن لتقديم هذه المساعدات.
ثانياً: دور مجلس الأمن لا يزال مطلوباً في مسألة إنهاء عمل المفتشين الدوليين الذين نشطوا في بغداد زهاء 4 أشهر وفقاً للقرار 1441، وإنهاء هذا الدور يستلزم قراراً جديداً.
ثالثاً: قرار "النفط مقابل الغذاء" الذي لا بد ان يتغير بعد الحرب، وتغييره يحتاج الى قرار جديد من المجلس.
رابعاً: إدارة أمور محددة. وقد يكون ذلك في إنشاء هيئة دولية تحت لواء الأمم المتحدة تدير الحكم في العراق، هذا إذا رغبت الولايات المتحدة في ذلك، أما إذا رغبت في إدارة العراق مباشرة، فلن تعود في الأمر الى مجلس الأمن.
وقد تطلب الولايات المتحدة من المنظمة الدولية توفير قوات لحفظ السلام ترسل الى العراق لمساندة قواتها والتعاون معها في مرحلة ما بعد العمليات العسكرية، وكل ذلك يستلزم قرارات جديدة تصدر عن مجلس الأمن.
واستناداً الى المصادر يستطيع مجلس الأمن أن يلجأ الى خيارات عدة بحسب الظروف منها مثلاً:
ـ ان يدعو الجميع الى تحمّل مسؤولياتهم خصوصاً ان التطورات حصلت خارج إطار الشرعية الدولية، فلماذا العودة إليها الآن؟
ـ ان يعتبر انه على الرغم ممّا حصل يمكنه النظر من جديد في تداعيات المسألة.
ـ ان يعترف بالنظام الجديد الذي سيقوم في بغداد، وان يدعو العالم الى مساعدته والتعاون السياسي والاقتصادي معه.
ـ قد يتم التحضير لمشروع قرار تقدمه احدى الدول يدين الحرب على العراق، إلا ان إدانة الولايات المتحدة لن تمر، حيث ان واشنطن ستستخدم حق النقض اليتو ضده.
ـ قد يعمل ايضاً الأمين العام للأمم المتحدة كوفي أنان على تقديم مشروع جديد الى المجلس كما ان فرنسا قد تعمل على ذلك. وكل هذه الاحتمالات تتوقف على الظروف المستجدة، ومدى الرغبة الأميركية بالعودة الى المجلس وفي أي نقاط.
وتتوقف المصادر عند العديد من الأحداث التاريخية حيث حصلت حروب خارج قرارات المجلس، وتداعيات حروب شارك المجلس لاحقاً في تثبيت مقتضيات حلها ومنها:
ـ الاجتياح الاسرائيلي للبنان في 1978 وفي 1982 واعتداءات اسرائيل في 1996 ومجزرة قانا، كلها حصلت من دون العودة الى مجلس الأمن، لكن المجلس لاحقاً أعدّ مشاريع القرارات وأصدر الـ425 والـ426 إلا ان تفاهم نيسان 96 تبنته الأمم المتحدة وبات أمراً واقعاً يؤمن الاستقرار والتفاهم حول الوضع الجنوبي قبل انسحاب اسرائيل.
ـ ان صدور القرار 242 في شأن الشرق الأوسط استندت فيه الأمم المتحدة على التفاوض الذي سبقه حرب بين الفرقاء المعنيين.
ـ في المسألة القبرصية، صدر قرار عن مجلس الأمن يرفض الاجتياح التركي للجزيرة ويطلب من الاتراك المغادرة وتوحيد الجزيرة، وهو قرار لا يزال ينتظر التنفيذ.
ـ نشوء دولة بنغلادش كان أمراً واقعاً ولم يكن للمجلس أي دور فيه.
ـ في الحرب على كوسوفو أيّد المجلس التحالف الدولي آنذاك...
إذاً، في كل مرة حصلت فيها الحرب، لم يطلب من قاموا بها بالضرورة موافقة المجلس، لكن تداعياتها والتسويات التي طالما تعقبها لا بد ان يكون للمجلس دور ما فيها.
وفي أي حال، فإن الولايات المتحدة كانت تريد الحرب قبل صدور القرار 1441، ولم تكن لتوافق على مشروع قرار جديد خلال الأسبوعين الماضيين إلا رضوخاً لطلب بريطاني، لكن اللجوء الى المجلس لم يغيّر موقف واشنطن مرة، وهي التي تصرّ على الحرب مهما كانت الظروف.
يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.