8 آذار 2019 | 00:00

أرشيف

باريس: لا وديعة تسبق القرار الاتهامي

ما هي طبيعة الدور الذي تقوم به فرنسا حيال التهدئة والاستقرار في لبنان في هذه المرحلة؟ وهل ستستمر الجهود الفرنسية لمرحلة ما بعد صدور القرار الاتهامي في جريمة اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري؟
السفير الفرنسي في لبنان دونيه بييتون يجيب عن هذه الاسئلة أمام زوّاره في لقاءاته الخاصة، فيشرح هذا الدور ليؤكد ان فرنسا لم تتوقف يوماً عن الاهتمام بلبنان تاريخياً وسياسياً، وهذا ما يدل عليه تنوّع العلاقات بين البلدين. في ما يتعلق بالوضع في لبنان، يقول ان فرنسا قلقة ازاء العطل الذي تصاب به المؤسسات وخصوصاً ازاء عدم تمكن مجلس الوزراء من الاجتماع لاتخاذ القرارات المناسبة للبلاد، وقلقون من ان يستمر البرلمان في عمله فقط في اطار اللجان النيابية، مع عدم تمكنه من إقرار مشاريع قوانين، وهذا مؤسف لاسيما وأنّ لبنان تجاوز مراحل حساسة مع الانتخابات النيابية ونجاح الانتخابات البلدية. ان الوضع الحالي يتميز بالانتظار الصعب لصدور القرار الاتهامي، وموقف فرنسا، واضح بأنها تدعم المحكمة الخاصة بلبنان، وان العدالة يجب أن تسود دائماً، ولكن في الوقت نفسه نحن مدركون دقة الوضع السيئ الموجود في البلد والشعور السيئ حيال ما سينتج عن الاتهامات.
ويوضح بييتون انه بالنسبة إلى فرنسا فإنّ المعادلة ليست بين العدالة والاستقرار، إنما ما تريده باريس وأصدقاء لبنان هو ان تتمكن العدالة من اتخاذ مجراها باستقلالية ونزاهة، وان يكون ذلك ممكناً مع الوحدة الوطنية في الوقت نفسه.
وينفي السفير الفرنسي وجود اتفاق وديعة، يسبق صدور القرار الاتهامي كما ورد في وسائل اعلامية قبل ايام، ويرى ان ما ترغب فرنسا في حصوله هو ان يتمتع كل الأطراف في لبنان بضبط النفس وحس المسؤولية في هذه الأجواء، وان لا يتم تعطيل البلد، أي المؤسسات، وبالطبع ان باريس على علاقة مستمرة برئيس الجمهورية ميشال سليمان وبرئيس مجلس الوزراء سعد الحريري، وكل القوى السياسية الممثلة في البرلمان، ومع الدول التي قد يكون لها نفوذ إيجابي. وخلال زيارة الرئيس الحريري لباريس، أظهر تصميماً كبيراً حول ضرورة أن تعمل المحكمة باستقلالية، وفي رغبته جمع اللبنانيين.
وبالنسبة إلى السفير الفرنسي، ان ما يُظهر اهمية اللقاء بين الرئيسين الفرنسي نيكولا ساركوزي والسوري بشار الأسد ان كليهما لديه ما يقوله لاسيما حول لبنان، إذ ان لدى السفير شعوراً بأن الحوار الذي جرى بينهما كان صريحاً ومباشراً: وكما نلاحظ انه بعد الغداء الذي جمعهما تمّ حصول جلسة شاي شاركت فيها عقيلتا الرئيسين، الأمر الذي يدل على نوعية العلاقة التي تربط الرئيسين، هذه العلاقات الشخصية الجيدة، لا تمنع أن يتم الحديث بشكل صريح وبودّ، ويعتقد انه تسنى للرئيس ساركوزي أن يعبّر عن موقف فرنسا حيال المحكمة بوضوح ومن دون التباس، كذلك ان يعبّر عن قلقه تجاه التوتر السائد في لبنان، والنظر في السبل التي تمكّن العلاقات الفرنسية السورية، والفرنسية- السعودية من أن تساهم في تهدئة الأجواء، ولا بد من انتظار ايام وأسابيع لتوضيح الصورة.
وفي اعتقاد بييتون، انه يجب إبقاء كل الخيارات مفتوحة بالنسبة إلى الجهود قبل صدور القرار الاتهامي وبعده، وهي الخيارات التي يمكن ان توفق بين العدالة والوحدة الوطنية، لأن انطلاق كافة الجهود قبل صدوره يواجه صعوبات في ان لا احد يعرف متى سيصدر القرار، من هنا يوجد شكوك وعدم معرفة تسود لبنان والمنطقة، وعلى جميع اللبنانيين وليس فقط رئيس الوزراء تحمّل مسؤولياتهم.
وعن التفاصيل حول الجهود التي تمكنها من التوفيق بين العدالة والوفاق، يعتبر بييتون ان العدالة هي مفهوم خارجي وليس من أمر للقيام به ويؤثر عليها، أما على الصعيد الداخلي اللبناني فهناك مبادرات يمكن اتخاذها من أجل جمع اللبنانيين لإظهار ان الاتهام قد يطال أفراداً أو اشخاصاً معينين من اللبنانيين وليس طائفة، ومن وجهة نظر فرنسا فإنّ عمل المحكمة ليس مسيّساً، ومن الضروري أن لا يتم تسييس الاتهامات او القرار الاتهامي، ما يعني ان هناك عنصرين: عدم توجيه الأصابع الاتهامية إلى طائفة معينة، وعدم محاولة تسييس القرار الاتهامي. وعلى المسوؤلين اللبنانيين أن يعطوا أو يقدموا معنى لهذا الأمر.
ولا تريد فرنسا أن يشعر اللبنانيون انهم خارج المواضيع التي تؤثر عليهم مباشرة، وأن تتعامل الدول مع هذه المواضيع مهما كانت نيتهم وكأنهم غير معنيين بها، وهذا هو معنى المشاورات التي أجراها الرئيس ساركوزي مع الرؤساء الثلاثة في لبنان، وأيضاً مع زعماء الأحزاب السياسية اللبنانية، وقد استقبلت باريس رئيس تكتل الإصلاح والتغيير النائب ميشال عون والتحضيرات جارية لاستقبال الزعماء الآخرين.
ويبدي السفير الفرنسي اعتقاده بأنه لا يمكن القبول بارتياح بأن ثمن عدم اندلاع فتنة هو تعطيل المؤسسات. ان البلد يحتاج إلى قرارات على صعيد البنى التحتية والتعيينات وينتظر اللبنانيون الاصلاحات، وسيكون مؤسفاً أن يفقد الشعب الأمل بهذه الاصلاحات. وفي الوقت نفسه، لا أعتقد ان الإحباط هو قدر اللبنانيين. وعلى الرغم من أسفنا لهذا الوضع فإنّ رئيسي الجمهورية والوزراء يقومان بجهود، وفرنسا مستعدة لمساعدة لبنان على تجاوز المرحلة الصعبة، وقد وافقت فرنسا على تمديد مهل العقود التي أبرمتها مع لبنان بموجب مؤتمر باريس3 والتي استحقت في تشرين الثاني الماضي، وقد أبلغت وزيرة الاقتصاد الفرنسية الرئيس الحريري ذلك خلال زيارته لباريس، ان باريس قلقة حول ان الجمود الحالي في المؤسسات مؤسف ومضرّ، لكن في الوقت نفسه تظهر تفهماً ازاء الوضع اللبناني.
ولا يخفي السفير ان فرنسا على تواصل مع حزب الله لأن سياستها التحاور مع كل اللبنانيين ولديها حوار دوري مع الحزب، يسمح لها التحدث بصراحة عن المواضيع بما فيها تلك التي حولها تفاوت في وجهات النظر، وستستمر في حوارها هذا.
وحول تأثير الحوار الدولي مع إيران على الوضع اللبناني، اعتبر السفير الفرنسي ان هناك مواضيع عدة تلقي بثقلها على العلاقات بين ايران والمجتمع الدولي خصوصاً البرنامج النووي: هناك عقوبات دولية تم تعزيزها بسبب استمرار هذا البرنامج، لكن لطالما كان واضحاً ان العقوبات ليست هدفاً في حد ذاته، بل تهدف إلى استعادة قنوات الحوار.

يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.

8 آذار 2019 00:00