تكمن خطورة أي تصعيد للوضع على الحدود اللبنانية الإسرائيلية، في انه يأتي في مرحلة من تعثر مساعي الحل السلمي التي تقوم بها الادارة الأميركية للنزاع في الشرق الاوسط. وتساهم إسرائيل وحكومتها المتطرفة في إفشال كل ما هو مطروح لتهيئة المناخ لاستئناف العملية السلمية.
وعلى الرغم من ان ردّة الفعل اللبنانية الرسمية على ما حصل في الجنوب حرصت على منع التصعيد ورفضه، إلا أن التصعيد من جانب إسرائيل تحكمه عوامل عدة، بحسب مصادر ديبلوماسية بارزة، في مقدمها وجود مصلحة لديها بالتصعيد، إن كان على مستوى التعامل مع الرأي العام الداخلي، أو المكاسب السياسية والأمنية التي ترغب في تحقيقها. ومع انتظار لبنان لنتائج التحقيقات حول الخرق الأمني، إلا أنه يعتبر ان من قام به من الجانب اللبناني مجموعات غير منضبطة، إنما على إسرائيل السعي إلى تطبيق الآليات الملحوظة للمعالجة، وألا تضع نفسها في مصاف هذه المجموعات. لكن من وجهة النظر الإسرائيلية فإن كل الأفرقاء يشاركون في الحكومة اللبنانية ويجب على الحكومة تحمّل مسؤولياتها. مع ادراك ان الدولة لا تزال في سعيها إلى بسط كامل سيطرتها على أراضيها، إلا أنها تريد تسليط الضوء على مدى منفعة اليونيفيل والجيش اللبناني، بنظرها، وبالتالي السلطة، وهذا لا يساعد الاستقرار.
وتفيد المصادر ان لا مصلحة لإسرائيل في الوقت الحاضر بالتصعيد، لكن تكرار العمليات سيزيد من مخاطر اللجوء إلى عدوان، في ظل الفراغ في الأفق السياسي في المنطقة، نتيجة عدم تحقيق الجهود السلمية اي تقدم. وهذا أدى بدوره إلى تأخر إعلان واشنطن الخطة السلمية التي كانت منتظرة، بعد تولي الرئيس باراك اوباما السلطة بأشهر معدودة. ولم تستطع الادارة حتى ان تحقق المرحلة الاولى من التحضير لهذه الخطة، وهي اجراءات بناء الثقة بين الأفرقاء. وتريد الادارة ان تعلن خطة للسلام قابلة للتطبيق، والرفض الإسرائيلي لا يزال يعرقل المسألة.
وما يزيد من الخطورة، التصريحات الإسرائيلية التي تعتبر ان موضوع السلام ثانوي بالنسبة إلى الحكومة في تل أبيب، فضلاً عن ان وثيقة وزير خارجيتها افيغدور ليبرمان قبل اسبوعين أكدت انهم ليسوا في وارد السلام، وركزت الوثيقة على: ان إسرائيل لن تحصر علاقتها بالولايات المتحدة، إنما هي تفتش عن حلفاء جدد وعلاقات دولية جديدة, وان وزارة خارجيتها ليست دائرة لشؤون فلسطين، إنما هي مجالاً لتعزيز العلاقات الدولية سياسياً واقتصادياً، وان السلام موضوع ثالث في الأولويات، إذا ما حصل يكون قد حصل، وإن لم يحصل، فليس من الضروري حصوله.
أمام هذا الجو الإسرائيلي الرافض للسلام والمفاوضات، يبدو الوضع في المنطقة مكشوفاً، وخصوصاً حيال لبنان، نظراً إلى اعتبارات عدة، أولها وجود حزب الله.
لكن المصادر تؤكد ان الادارة الاميركية ستستمر في محاولاتها السلمية، وهي توفد مبعوثها الرئاسي للشرق الاوسط جورج ميتشل إلى إسرائيل اليوم مرة جديدة. إذ انها قررت السير قدماً في مساعيها السلمية، ولا يزال أمامها متسع من الوقت لثلاث سنوات ونصف السنة، ولن تتراجع على الرغم من انها وضعت ثقلها لستة أشهر من أجل تجميد إسرائيل المستوطنات لكنها لم تنجح.
وقد برزت في مرحلة الفراغ السياسي الذي أوجده تأخر اعلان الخطة الأميركية، محاولات فرنسية وروسية لملء هذه الفترة. وكل طرف لديه مصلحة في تعزيز دوره في المنطقة مستفيداً من هذا الظرف. لكن أي تحرك أو مسعى لا يحظى بقبول أميركي، أو يكون لواشنطن الحجر الأساس في انطلاقته، لن يكون مصيره النجاح الحقيقي، وواشنطن لم توفق حتى الآن. وبالتالي تتراجع الآمال المعقودة على مؤتمري باريس وموسكو، من غير أن نسقط التنافس بين الطرفين لتحقيق تقدم جوهري، ومن دون واشنطن لن يتحقق هذا التقدم، إذ ان التصور الاساسي للحل يجب أن تنتجه الادارة الأميركية، مع ان كلاً من باريس وموسكو تعملان في ديبلوماسيتهما مع الأفرقاء المعنيين في المنطقة والدول المحورية فيها.
يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.