بعد التخبط في الزيادة التي اقرتها الحكومة الحالية لغلاء المعيشة، والتي كانت مدار اخذ ورد بينها وبين مجلس شورى الدولة، وفي ظل الارتجالية بموضوع سلسلة الرتب والرواتب وما يدور حولها من لغط انتقل من الحالة المطلبية الى المبارزة السياسية، تقع الحكومة في تناقض كبير مع نفسها عبر اقرارها مرسوم السلامة العامة الاسبوع الماضي والسعي لاقرار زيادة عامل الاستثمار او ما بات يعرف بـطابق ميقاتي.
يقول احد كبار المهندسين ان هذه الحكومة فريدة من نوعها على الاطلاق، وهي تسعى لان تحول المفاهيم الهندسية الى تجارة، ففيها من يبيع ارقاما خلوية، وفيها من يفتخر بارقام مميزة للسيارات، والبعض يظن ان عامل الاستثمار هو رقم تجاري. وهنا لا بد من تثمين موقف المهندسين الذين يعرفون معنى المهنة وهم ضانون في الحفاظ على الاطر الراقية للحياة التنظيمية بمفهومها الحضاري وليس التجاري.
فبالامس القريب، افتخرت الحكومة بانجاز مرسوم السلامة العامة وها هي اليوم تعود للحديث عن زيادة عامل الاستثمار (اي الطابق الاضافي) في قرارات تتناقض فيها مع نفسها، ونسأل هل هكذا تبنى الاوطان، او هكذا تباع...
وتشرح مصادر المهندسين والتنظيم المدني ملاحظاتها على المشروع المقدم في النقاط التالية:
1 ـ إن تنظيم البناء والتخطيط على المستوى العام منوط بالمديرية العامة للتنظيم المدني، فشاركها مجلس الإنماء والإعمار في تقاسم المهمات بشكل جعل تضارب المسؤوليات يؤدي في كثير من الأحيان الى تضعضع العمل التخطيطي وانفلاش عارم في الصلاحيات والموجبات، ولا نرى ضابطاً فيها والتراجع يبصم الواقع بكل قوة.
2 ـ إن عامل الاستثمار وضع لتنظيم دقيق للمساحات بحسب المناطق تلبية للحاجات العمرانية مع الحرص على عناصر الحياة الأخرى، منها الاجتماعية والتنموية كما البيئية والخدمية. أما أن يتلاعب البعض في هذا الأمر، فإنه أمر يحتاج الى تصفية كل ما له علاقة بالعلم التنظيمي والهندسة المعمارية التي تخطط لهذا العمل الكبير.
3 ـ الركون الى تجربة سابقة بدءاً من 1980 وما تبعها من تمديد وتجديد بشروط مختلفة لقانون زيادة عامل الاستثمار الذي كلف المواطن مبالغ مقبولة سددها للخزينة كانت توازيها مبالغ طائلة للسماسرة ومعقبي المعاملات لتطبيق ما يمكن وتركيب ما يمكن تركيبه وتمرير ما يمكن تمريره، وحتى ما لا يمكن وكل حالة بسعرها.
4 ـ إن قانون البناء 646/2004 أدى الى زيادة عامل الاستثمار بشكل مبطن عبر توسيع رقعة المساحات التي لا تدخل في عامل الاستثمار مثل الدرج والمصعد كما الجدران الخارجية، في حين سمح أيضاً باقفال الشرفات فزاد عملياً عامل الاستثمار السطحي ما يزيد عن 30 في المئة من دون أي مقابل. ولا يمكن تسمية هذا الأمر إلا بالإهمال الحقيقي لمصالح الناس الحقيقية، فلم يعد بالإمكان وصول الهواء والشمس الى الطبقات الدنيا في مناطق كثيرة يزيد عامل الاستثمار العام فيها عن 2 وما فوق.
5 ـ إن زيادة عامل الاستثمار بنسبة 10 في المئة على كل الأبنية التي تقع في المناطق غير المحدد فيها عدد الطوابق، إنما ينم عن جهل مطبق في احتساب النتائج من كل جوانبها، خصوصاً في جو الانكماش العقاري الذي يتحكم بالسوق، وعدم صلاحية هذه الخطة لجمع المال المطلوب لتمويل سلسلة الرتب والرواتب كما هو منتظر.
7- أما زيادة طابق على الأبنية التي تقع في المناطق المحدد فيها عدد الطوابق، فإنما هي بدعة غريبة عجيبة لأنها تشكل نسباً عالية جداً تراوح بين 30 في المئة و50 في المئة بحسب المناطق الارتفاقية.
ـ8 ـ إن مرسوم السلامة العامة يفرض ضوابط شديدة الحزم في أمر الحماية من الزلازل، علماً أن مباني كثيرة لا توافي الحد الأدنى من هذه الحوافز الملزمة، ما يجعل زيادة طابق على آخر سطح لأبنية قائمة يشكل خللاً أكيداً على حركة المبنى الديناميكية، ويؤهل للانهيار الحتمي عند وقوع زلزال، إلا إذا قام المالك بالتدعيم اللازم قبل زيادة الطابق الجديد، وهو أمر لا يحصل في بلد كلبنان حيث يضرب الجشع الناس ولا يرى غالبية الناس، إلا الرقم لينسوا أنهم أسمى منه وأن الإنسان قيمة وليس رقماً.
يذكر ان مشروع زيادة عامل الاستثمار هو خليط بين مشروع طابق المرّ وأفكار جديدة وضعها فريق رئيس الحكومة نجيب ميقاتي. ووفق وصف بعض الخبراء المعماريين، فإنه خليط هجين يجمع بين الأفكار السابقة لتشويه المدينة، والأفكار الأكثر حداثة. وهو يعطي الحق بزيادة مساحات البناء للمباني الجديدة فقط، لكنها زيادة متفاوتة بحسب قواعد تنظيم كل منطقة على حدة. وتُعرف هذه العملية بأنها شراء أرض وهمية، أي إن الدولة تستوفي ثمن الأرض الإضافية التي خلقتها بهذا القانون. وبإقرار هذا المشروع، تسمح الدولة بزيادة المساحات المبنية ضمن الشروط الآتية:
ـ يجب ألا تتعدّى الزيادة طابقا واحداً مماثلاً للطابق الأخير في المناطق التي حُدّد فيها عدد الطوابق والعلوّ، على ألا يزيد ارتفاعه عن 3,5 أمتار.
ـ أما في المناطق التي لم يُحدّد فيها عدد الطوابق والعلوّ، فيمكن زيادة عدد الطوابق بنسبة 10 في المئة من عدد الطوابق الممكن تنفيذه استنادا إلى قانون البناء والأنظمة المعمول بها. ويُعدّ كسر الطابق الذي يزيد عن النصف، طابقاً كاملا.
ـ يدفع المستفيد ثمن الأرض الوهمية على أساس سعر المتر المربع المخمّن بتاريخ التخمين بالترخيص، على أن يُخصّص 90 في المئة لخزينة الدولة و10 في المئة للبلدية.
ـ لا يشمل هذا القانون العقارات غير المبنية التي سبق أن استحصلت على زيادة طابق استثنائي بموجب القانون الرقم 6/80 وملحقاته من الزيادة .
ـ تستثنى من الزيادة، المناطق الحرجية والزراعية والأثرية ومناطق الانزلاقات ومناطق السكن الخاص أو السكن الإفرادي.
ـ تستثنى من أحكام هذا القانون منطقة وسط بيروت التجاري التي حُدّدت فيها المساحات المبنية القصوى.
ـ يضاف إلى رسم الترخيص بالبناء المحدد في القوانين المرعية الإجراء 10 في المئة من الرسم المذكور، يستوفى لمصلحة الخزينة. يعمل بالقانون لخمس سنوات بدءاً من تاريخ نشره في الجريدة الرسمية.
ويقول الخبير الدولي المهندس راشد سركيس كفى قرارات ارتجالية وغير مسؤولة، مؤكدا انه يوجد مكان واحد وسبب وجيه واحد يسمح بزيادة عامل الاستثمار فقط هو في المواقع التي شملها القانون 6/80 والذي لم تستفد منه كل العقارات المهنية، وبالتالي من العدل اعادة اعطاء فرصة واحدة واخيرة للعقارات التي لم تستفد منه لاعادة العدل والتوازن الى مناطق محددة.
علما ان الزيادة التي اضيفت في قانون البناء الصادر عام 2004 بين الجدران الخارجية وبيت الدرج زادت 10% من الاستثمار من دون اي مقابل في حين زادت اقفال الشرفات 20% على الاستثمار من دون مقابل. فكيف يمكن للعقار ان يتحمل مزيدا من الزيادات.
يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.