كشف رئيس مجلس إدارة مستشفى رفيق الحريري الحكومي الدكتور وسيم الوزان بأن هناك ثلاثة عناصر أدت الى الإخفاق الموقت الذي حصل في الآونة الاخيرة في مستشفى بيروت الحكومي، وهي: البيروقراطية المستفحلة والإحجام المالي والوضع السياسي العام في لبنان.
وأشار الى أن وضع المستشفى يأخذ في مساره نحو الحل بعد إقرار سلفات الخزينة، وهو أمر لا بد منه للمحافظة على مستشفى استقبلت أكثر من مليون حالة مرضية، ونسبة المرضى فيها مشابهة للتوزيع السكاني في لبنان. ورأى أن الحديث عن فائض في عدد الموظفين غير صحيح، مؤكدا أن المستشفى خسر عددا كبيرا من الكادر الطبي لديه نتيجة التنافس الطبي في العالم والأنظمة المتشددة التي تحول دون استمرارية الكادر المميز.
وطالب بـإنقاذ المستشفى مادياً وإدارياً عبر رفع أيدي السياسيين عنها، مؤكدا أنه بطبيعته يراعي الوضع الطائفي والمذهبي وحتى السياسي في البلد، وهو لا يخسر أكثر من أي مستشفى جامعي عاثر والكلام عن الهدر مبالغ فيه، معتبرا أن الاجهزة الرقابية هي التي تحدد مكامنه.
مستشفى لكل الناس
في استعراضه لأحوال المستشفى، استحضر الوزان الصورة المميزة التي خطط لها الرئيس الشهيد رفيق الحريري، لكن التأخير في الافتتاح من العام 2001 الى العام 2005 أثّر على جانب معين من المستشفى، متزامنا مع الزلزال السياسي بعد استشهاد الرئيس الحريري، وفي غياب الموازنات المقررة التي لا زالت من دون إقرار الى اليوم. وقال: لقد وضعت خطة مبرمجة للمستشفى في ذاك الوقت، وتعتمد على تخصيص جزء من أسرّة المستشفى على حساب وزارة الصحة العامة، ولكن الوضع الاجتماعي والامني والاقتصادي فرض علينا أن نضاعف هذه الاسرّة لترتفع من 20 في المئة الى 75 في المئة. وأسقطنا بذلك مقولة أن المواطن اللبناني يموت على أبواب المستشفيات قبل أن يخضع لأي علاج بسبب عدم قدرته على سداد فاتورة المستشفى. لقد استقبل المستشفى منذ افتتاحه كل الناس ومن كل الشرائح والطبقات.
وعلى الرغم من أن المستشفى يضم ألف موظف، فضلا عن أنه مختبر عملي لآلاف الطلاب، فانه شكّل شبكة أمان اجتماعية وطبية وصحية في البلد، إلا أنه يعاني منذ افتتاحه من التأخير في دفع الفواتير وإن أقرّت، فهي تقر بسلف خزينة ومحسومة، كما هو حاصل لبقية المستشفيات، لافتا الى أن المستشفيات الخاصة تستطيع ان تحصل مباشرة من المريض أو أنها تتخذ قرارا بعدم إستقبال من لا إمكانية لديه للدفع، وهو الأمر الذي لا يمكن أن يعتمده مستشفى بيروت الحكومي، كما لا يمكن على الدولة في أن تساويه بغير مستشفيات حكومية. أوضح: تعتمد الدولة التوازن بين المستشفيات الحكومية وهي مسألة مجحفة بالنسبة لمستشفى رفيق الحريري الذي استقبل أكثر من مليون حالة مرضية منذ إفتتاحه. خصوصا أننا لم نحصل على مساهمات تشغيلية وتتعرض فواتيرنا لحسومات وعلينا بموجب الأصول أن نتحمل قيمة 10 في المئة على فاتورة مريض وزارة الصحة، فضلا عن التأخير في الحصول على مستحقاتنا أو على سلف الخزينة.
من هنا بدأ التراجع في المستشفى، وكنا نطلب كمجلس إدارة الدعم اللازم لكن هذا الشيء لم يحصل، وصلنا الى مرحلة طلبنا تأمين رواتب الموظفين وفواتير الموردين للمواد الطبية، فتدهور مستوى الخدمات. علما أن هذا التدهور يمكن استدراكه وإعادته الى وضعه الطبيعي عندما تتوافر الإرادة، فضلا عن تأمين بعض المساهمات المالية. وأنا طالبت معالجة الموضوع برمته إداريا وماديا وإذا رغبوا ببت موضوع مجلس الادارة الممدد له منذ خمس سنوات، وبالتالي طلبت أن يقوم فريق من الخبراء بوضع دراسة اقتصادية واجتماعية جديدة للمستشفى، لأنه لا يمكننا أن نعرف إن كان هذا المستشفى يوفر على الدولة أم يكلفها أموالا باهظة. وأكّد بأن التكلفة الفعلية للمستشفى أقل بكثير من المستشفيات الخاصة، إذ تعتمد مثل هذه المستشفيات على الدعم والمساهمات والهبات، وإن كان سيحصل هذا الدعم فهو لمصلحة المواطن وللمصلحة العامة.
مليون حالة مرضية
في تعداده الخدمات التي قامت بها المستشفى، تكبر الارقام لتبيان دورها الرئيسي وموقعها الذي بات يجمع جهات لبنان الأربع، إذ دخل المستشفى نحو130 الف مريض، واستفاد من الخدمات فيها مليون مريض، وظلّت متأهبة لتلبية الواجب الطبي في معظم الحوادث والكوارث التي مرت على لبنان ومنها إنفلونزا الطيور وإنفلونزا الخنازير وحادثة الطائرة الاثيوبية وحرب تموز 2006، فضلا عن تدريب أكثر من 1500 طالب طب، وطبيب متمرن خضعوا لتدريباتهم الطبية فيها منذ 2005 وحتى اليوم، إضافة الى طلاب الصيدلة والتمريض والتغذية والهندسة الطبية في كل المجالات الصحية والقطاعات. ووفق ذلك الإرث شدد الوزان على ضرورة استمرار المستشفى داعيا المعنيين من سياسيين ومسؤولين إلى تطويره، مشيرا الى أن عدم التجاوب مع إدارة المستشفى في تلبية الطلبات الملحة المطلوبة كانت لأسباب مالية روتينية، حيث لم يكن هناك موازنات، نافيا أن يكون هناك تقاعصا مقصودا. قال: الجميع تعاطف مع المستشفى، لكن الموانع كانت قانونية وإدارية ومالية، دفع المستشفى ثمنها، وبالتالي المواطن، فهو ليس مستشفى بيروت بل كل لبنان لأن 50 في المئة من المرضى يأتون من بيروت والضاحية الجنوبية، والبقية يأتون من كل لبنان، وهذا ما أهلكه، فلو كان هناك مستشفيات حكومية مرجعية تعالج الحالات الصعبة والمستعصية في المناطق لما كان الضغط حصل على مستشفى بيروت الحكومي، فهو مستشفى مرجعي للبنان، وأي حالة مستعصية في الشمال أو في البقاع أو الجنوب يؤتى بها الى مستشفى رفيق الحريري الحكومي في بيروت.
وأكّد الوزان أن الحالات المستعصية خاسرة على المستوى التجاري، لكن الرسالة الانسانية والطبية تفرض عدم الاكتراث الى الموضوع التجاري خلافا لمستشفيات خاصة أخرى تتهرب من المريض ولا تستقبله.
واعتبر أن الكل يعلم ما هي قيمة هذا المستشفى، لكن عندما وصلنا الى الانقاذ واجهتنا حملة شعواء عن هدر وفساد وسرقات واصبحنا على كل لسان. من هنا أحيل كل هذه الامور الى الهيئات الرقابية التي لها أن تحقق وتمحص وتقرر إن كان هناك من شوائب أو سرقات أم لا.
ورأى أن التكلفة الحقيقية للسرير الاستشفائي متدنية جدا مقارنة بأي مستشفى آخر يقدم الخدمات نفسها، فضلا عن ان الكلام عن الهدر مبالغ فيه وان ما هو حاصل لا يتراوح ما بين 1 و3 في المئة. كما أنّ إدارة المستشفى خضعت لتحقيقات من كل الهيئات الرقابية ولم يصدر أي تقرير بحقها بعد.
إرفعوا أيدي السياسيين
أقرّ الدكتور الوزان في تدخل السياسيين وغيرهم في بعض الامور في المستشفى، لكنه أوضح: المسألة المالية هي الاساس في الإخفاق الأخير، فضلا عن الإنقسام العمودي القائم في البلد الذي أجبرنا على ان نفتح للجميع ما زاد في الطين بلة، وأضاف: نحن لا نتعامل مع أي مريض أو موظف بأي تمييز، لكن أمام الانقسام العمودي أصبح من الصعب المحافظة على هذه المهمة، إضافة الى الخلل في أنظمة المستشفى حيث لم يلحظ أي نظام جيد للمكافآت ، ولم يلحظ أي نظام فعال للعقوبات ، وفي حال اتخاذ أي عقوبة تسقط في البيروقراطية المستفحلة وفي القوانين البالية، ولكي تعطي مكافأة ليس هناك من نظام تقويم أساسي متجرد، لأن الموظف يقوّم من رئيسه المباشر، فالعنصر الشخصي يدخل على الخط وهذه مشكلة موجودة في لبنان.
استراتيجية جديدة
وأكد أنه من الحرام تسييس هذا المستشفى وغض النظر عنه لأنه يجب أن يلقى دعما كاملا وفي كل الاوقات وإن كانت هناك من مشكلة إدارية، فليأخذوا القرار الذي يريدونه من تغيير مجلس الادارة وغيره،مع تحديد المسؤوليات وإقرار نظام ثواب وعقاب يكون شفافاً. شكا:نحن نعاني جداً لأن المرسوم الذي يحكم عمل المستشفى ونظام العقوبات روتيني وصعب جدا. وأردف: نحن لا زلنا قادرين على العودة الى مستوى عال جداً لمجرد تأمين الاطمئنان المعنوي والدعم المالي والاداري. والموضوع هو نحو الحل، لقد أقرت سلف خزينة، ويمكن أن تقر مساهمات لإنقاذ المستشفى، لكن من يريد أن يحول الاموال يسأل عن خطة الصرف وماهيتها، لانه لا يرغب بتمويل سلة مثقوبة. نحن في مرحلة إعادة رسم استراتيجية المستشفى وتفعيل رسالتها، وما هوالمطلوب منها ومهمتها على الصعيد الوطني.
يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.