بين السابع والثامن من ايلول الجاري عقد في مدينة اسطنبول التركية مؤتمر الصحوات العربية والشرق الاوسط الجديد، وجهات نظر اسلامية مسيحية، بدعوة من جامعة مرمرة، حضرته شخصيات من معظم البلدان العربية والاسلامية، وخصوصا من مصر ولبنان وتونس وفلسطين والاردن، اضافة الى شخصيات اكاديمية غربية، لها باع طويل في كل ما يتصل بالعلاقات الاسلامية المسيحية والتعقيدات التي طرأت عليها في حروب المنطقة، في اعقاب هجمات الحادي عشر من ايلول قبل نحو 12 عاما.
الحضور التركي الرسمي والديني في المؤتمر كان لافتا، وخصوصا كلمة رئيس الوزراء التركي في الافتتاحية، والتي اوغل فيها بالحديث عن التاريخ ومظالمه، متوقفا عند ارسال النبي محمد لمجموعة من المسلمين الى النجاشي المسيحي في الحبشة وحمايته لهم، كنقطة اولى تأسيسية في العلاقات الاسلامية المسيحية، ثم تطرق الى ما جرى في كربلاء من ظلم لحق بابن بنت رسول الله الامام الحسين بن علي بن ابي طالب، مشيرا الى المسؤوليات الواقعة على عاتقنا جميعا في العمل لمنع تكرار ما يحصل من ظلم، متطرقا الى ما يجري في سوريا في هذه الايام.
بيد ان اعمال المؤتمر التي استمرت على مدى يومين والمداخلات الكثيفة التي كانت لمعظم الشخصيات التي حضرته والتي بلغت 300 شخصية، تركت بصماتها على اكثر من صعيد، واثارت الهواجس الكبيرة الموجودة في المنطقة، والتي ربما اراد المنظمون والمسؤولون الاتراك على حد سواء سماع هذه الهواجس والوقوف على ابرزها وكيفية معالجتها، خصوصا في ظل ما يجري في سوريا، والحديث المتواصل عن هواجس الاقليات المتصاعدة، بعد ما جرى في العراق والنهايات المتوقعة للملف السوري.
وربما كان الاستنتاج الاول الذي خرج به عدد من المشاركين كما اشارت الى ذلك شخصيات كان لها دورها في المؤتمر ان الهاجس الكبير لدى المسيحيين في المنطقة العربية لا يزال حاكما لكثير من الاوضاع ، حتى ان المؤتمر الذي وقف على ذلك لم يستطع ان يبدد هذه الهواجس وان افسح المجال لها لتعبر عن نفسها حيث ان الشخصيات الدينية المسيحية التي تكلمت عن هذا الامر سواء تلك التي من فلسطين او لبنان او مصر غاصت في الحديث عن بحث الادارات الغربية عن مصالحها في المنطقة وعن الحالات المتطرفة التي ساهمت في ترويع الوجود المسيحي في اكثر من منطقة، اضافة الى ما قام به الاحتلال الاسرائيلي من تهجير وتشريد للمسيحيين المقدسيين والفلسطينيين والذين تراجع وجودهم من نسبة عشرين في المئة الى ما هو دون الواحد في المئة في فلسطين المحتلة.
البصمات اللبنانية في المؤتمر كانت لافتة حيث خصص المؤتمر كلمة للرئيس امين الجميل في الجلسة الافتتاحية، وكلمة اخرى للعلامة السيد علي فضل الله الذي لم يتسن له الحضور، فحضرت شخصيات مثلته وكانت لها اسهامات في توجيه الحوار نحو القضايا الرئيسية التي تعكس هواجس المكونات العربية والاسلامية في المنطقة وفي طليعتها الاحتلال الاسرائيلي وتأثيراته ودخوله على خط النسيج العام الاسلامي المسيحي، اضافة الى الدعوة للعمل الجاد حيال ما يتصل بالوحدة الاسلامية، لان اي تقدم على هذا الصعيد يمثل اسهاما في حماية الوجود المسيحي في المنطقة، حيث ان التجارب اثبتت انه كلما اهتزت العلاقات بين المسلمين السنة والشيعة دفع المسيحيون ثمنها، والتجربة العراقية خير دليل على ذلك، وكلما تعقدت الامور في الوسط الاسلامي انعكست سلبا على المسيحيين، والتجربة السورية لا تزال ماثلة امام الجميع، ولا تزال شراراتها تصيب الاطراف المجاورة وخصوصا في لبنان.
واللافت ان وزير الخارجية التركي احمد داوود اوغلو الذي اولم على شرف المؤتمرين في اليوم الاول للمؤتمر، خص الوفد اللبناني في اليوم الثاني بجلسة حوارية معه، احب ان يستمع من خلالها لآرائهم، وان يقف على وجهات نظرهم حول الوضع في لبنان والجوار، وحول السياسة التركية على وجه التحديد، وبعث من خلال هذا اللقاء برسالة واضحة مفادها ان تركيا حريصة جدا على استقرار الوضع في لبنان، وانها لا تعمل وفق حسابات طائفية او مذهبية، وانها على مسافة واحدة من الجميع، مشيدا بالنموذج اللبناني في التعايش، داعيا الى مساهمة الجميع في الحفاظ على هذا النموذج.
المهم ان المؤتمر الذي سبق زيارة البابا الى لبنان عمل على تطمين للمسيحيين من جهة، وعلى محاكاة اوضاع جديدة قد تطرأ في المنطقة، وتحولات متوقعة بعد انقشاع الصورة تماما في سوريا، وربما لاحظ البعض ان تركيا تحاول ترك علامات بارزة لها في المنطقة ولبنان ولكن ليس على الطريقة الايرانية، او تحاول الاستفادة من اخطاء الآخرين، ولكن لديها مقاربات مبنية على رؤية استراتيجية جديدة، وتريد لمكونات المنطقة ان تقترب منها وتقاربها باحساس وسطي لا علاقة له بالجوانب الطائفية والمذهبية التي تتحكم بالمشهد السياسي العام في المنطقة.
يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.