أجمعت نقابات المهن الحرة والجمعيات والهيئات في لبنان خصوصاً ذات الصلة التقنية المباشرة بموضوع زيادة عامل الاستثمار بنسبة 10 في المئة الذي طرحته الحكومة لتمويل سلسلة الرتب والرواتب، على رأي واحد، بانحدار مستوى الأداء الرسمي في لبنان. وأيقنت في إجماعها عندما قرأت مجتمعة النص، أن الانحدار وصل الى أدنى المستويات وأصبح من الممكن بهذه الطريقة التخلي عن قوانين كثيرة وإلغاء نصف التشريع في بلد أضحى فيه الشفهي أهم من المكتوب والارتجال أهم من العلم، والتمريرات أهم من التخطيط الثابت المستقر.
ويشرح النقابي المهندس والخبير الدولي راشد سركيس لـالمستقبل ملاحظاته على المشروع المقدم في النقاط التالية:
1 ـ إن تنظيم البناء والتخطيط على المستوى العام منوط بالمديرية العامة للتنظيم المدني، فشاركها مجلس الإنماء والإعمار في تقاسم المهمات بشكل جعل تضارب المسؤوليات يؤدي في كثير من الأحيان الى تضعضع العمل التخطيطي وانفلاش عارم في الصلاحيات والموجبات، ولا نرى ضابطاً فيها والتراجع يبصم الواقع بكل قوة.
2 ـ إن عامل الاستثمار وضع لتنظيم دقيق للمساحات بحسب المناطق تلبية للحاجات العمرانية مع الحرص على عناصر الحياة الأخرى، منها الاجتماعية والتنموية كما البيئية والخدمية. أما أن يتلاعب البعض في هذا الأمر، فإنه أمر يحتاج الى تصفية كل ما له علاقة بالعلم التنظيمي والهندسة المعمارية التي تخطط لهذا العمل الكبير.
3 ـ الركون الى تجربة سابقة بدءاً من 1980 وما تبعها من تمديد وتجديد بشروط مختلفة لقانون زيادة عامل الاستثمار الذي كلف المواطن مبالغ مقبولة سددها للخزينة كانت توازيها مبالغ طائلة للسماسرة ومعقبي المعاملات لتطبيق ما يمكن وتركيب ما يمكن تركيبه وتمرير ما يمكن تمريره، وحتى ما لا يمكن وكل حالة بسعرها.
4 ـ إن قانون البناء 646/2004 أدى الى زيادة عامل الاستثمار بشكل مبطن عبر توسيع رقعة المساحات التي لا تدخل في عامل الاستثمار مثل الدرج والمصعد كما الجدران الخارجية، في حين سمح أيضاً بتسكير الشرفات فزاد عملياً عامل الاستثمار السطحي ما يزيد عن 30 في المئة من دون أي مقابل. ولا يمكن تسمية هذا الأمر إلا بالإهمال الحقيقي لمصالح الناس الحقيقية، فلم يعد بالإمكان وصول الهواء والشمس الى الطبقات الدنيا في مناطق كثيرة يزيد عامل الاستثمار العام فيها عن 2 وما فوق.
5 ـ إن زيادة عامل الاستثمار بنسبة 10 في المئة على كل الأبنية التي تقع في المناطق غير المحدد فيها عدد الطوابق، إنما ينم عن جهل مطبق في احتساب النتائج من كل جوانبها، خصوصاً في جو الانكماش العقاري الذي يتحكم بالسوق، وعدم صلاحية هذه الخطة لجمع المال المطلوب لتمويل سلسلة الرتب والرواتب كما هو منتظر.
7- أما زيادة طابق على الأبنية التي تقع في المناطق المحدد فيها عدد الطوابق، فإنما هي بدعة غريبة عجيبة لأنها تشكل نسب عالية جداً تراوح بين 30 في المئة و50 في المئة بحسب المناطق الارتفاقية.
8 ـ إن مرسوم السلامة العامة يفرض ضوابط شديدة الحزم في أمر الحماية من الزلازل، علماً أن مباني كثيرة لا توافي الحد الأدنى من هذه الحوافز الملزمة، ما يجعل زيادة طابق على آخر سطح لأبنية قائمة يشكل خللاً أكيداً على حركة المبنى الديناميكية، ويؤهل للانهيار الحتمي عند وقوع زلزال، إلا إذا قام المالك بالتدعيم اللازم قبل زيادة الطابق الجديد، وهو أمر لا يحصل في بلد كلبنان حيث يضرب الجشع الناس ولا يرى غالبية الناس إلا الرقم لينسوا أنهم أسمى منه وأن الإنسان قيمة وليس رقماً.
وفي رأي عدد من النقابيين في المهندسين والمقاولين والإنشائيين وتجار البناء والناشطين البيئيين في لبنان أنه كان الأجدى طرح بعض الحلول التي تصفها بالجاهزة، وأهمها معالجة الأملاك البحرية، ورسم خطة للاستثمارات العقارية في الأملاك العامة عبر إنشاء خطة مركزية تؤمن مداخيل كبيرة للدولة، ومن مثل ذلك تغطس مجري نهر بيروت وإنشاء ما يلزم من إدارات رسمية عليه والتخلي عن كل أنواع الايجارات التي تكلف الخزينة والمكلف أرقاماً قياسية، علاوة عن مساحات أخرى يمكن استثمارها بنتائج كبيرة ومرضية.
وترى أنه يجب التفكير بمبدأ الفعل وليس بردة الفعل، فلا يجوز التخطيط لطابق جديد أو زيادة استثمار لتأمين مدخول للدولة، إنما يجب التخطيط لتأمين مداخيل محترمة للخزينة عبر خطط تنموية وتشغيلية يشارك فيها أهل الاختصاص وإخراج الحلول الاقتصادية العلمية الحتمية خارج إطار الحلول السهلة والشمولية التي لا تستند على أي عناصر ثابتة أو مقنعة.
وختم النقابيون ليس حسنا التفكير بالمقياس الميكرو اقتصادي لتحقيق غايات ماكرواقتصادية تؤدي حتماً الى الانزلاق في ديون جديدة لا يتحملها المواطن بعد كل الترتيبات الارتجالية التي واكبت الحياة العامة بالاستحسانات والاستنسابات الشخصية لعدد من السياسيين ليحققوا بحكم موقعهم المسؤول ما ليس له علاقة بالمسؤولية لا من قريب أو بعيد، مشددين على أن الحاجة ملحة أكثر من أي وقت مضى لوجود رجل مسؤول في كل موقع يعرف ما يريد ولا يعمل لرفع الضغط أو تحقيق مكسب انتخابي إنما يعمل على التخطيط السليم لإخراج حلول منطقية علمية عملية تخرج البلاد والعباد من دوامة ردة الفعل والانتقال الى حسن التدبير بالفعل واستشراف مستقبل حقيقي يبنيه رجال علم وليس آخر.
يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.