8 آذار 2019 | 00:00

أرشيف

بعد المدفع ما تدفع300 مليون دولار

سُرَّ مَن سمع اعلان شركة تاتش مع بداية الشهر الفضيل بعد المدفع ما تدفع، اعتقادا منه ان التخابر الخلوي في لبنان سيتفوق على ما عداه في دول الجوار لا بل في دول العالم في تقديم الخدمات واراحة المشتركين. لكن حساب الحقل لم يأتِ على حساب البيدر، حيث ان المشترك اللبناني لم يعِ ما جرى ويجري.
فمع بداية شهر رمضان وافق وزير الاتصالات نقولا صحناوي على منح إعفاءات لشركة تاتش على رسوم التخابر لمشتركيها عبر خدمة بعد المدفع ما تدفع. الإعفاءات تشمل مجانية الاتصال لرقم واحد يوميا من الساعة الثامنة مساء حتى الساعة الرابعة صباحا طيلة شهر رمضان ولجميع مشتركي شركة تاتش الذين يفوق عددهم مليوني مشترك، كما ورد حرفيا في بيان صادر عن الشركة في حينه والحملات الإعلامية والاعلانية التي قامت بها الشركة.
الا انه بعد يومين فقط من طرح هذه الاعفاءات، استدركت الشركة ووزير الاتصالات فداحة الأضرار التي تُسببها هذه الاعفاءات على شبكة الخلوي، إذ توقفت الشبكة تماماً عن العمل في عدد من المناطق اللبنانية بسبب الضغط الكبير على الشبكة. تناولت المستقبل في حينه الموضوع ونقلت تساؤل خبراء الاتصالات حول عدم وجود رؤية ومعرفة وخبرة عند المسؤولين في الوزارة والشركة، إذ من المسلم به ان هذه الاعفاءات سوف تعطل الشبكة بشكل كامل، فكيف يمكن لعاقل ان يوافق على هكذا خدمة؟
إذا، عندما تداركت شركة تاتش فداحة هذه الخدمة توقفت عن منح الإعفاء للمشتركين الجدد في اليوم الثالث واصدرت بياناً تناقلته وسائل الاعلام اعتذرت فيه من المشتركين وأفادت انها حددت عدد المشتركين المستفيدين من هذه الاعفاءات بحد اقصى هو الف مشترك فقط طيلة شهر رمضان.
وعلى الرغم من ان هذا الإجراء يشكّل احتيالاً كبيراً على مشتركي الشركة بعدما وعدتهم جميعا بالحصول على هذه الاعفاءات (حسب البيانين الصادرين عن الشركة)، بينما استفاد منها اقل من فقط من المشتركين. الا ان مصدراً في وزارة الاتصالات قال ان الإشكالية الكبيرة التي وقع فيها صحناوي هي موافقته على إعفاءات كبيرة من الرسوم من دون العودة الى مجلس الوزراء كما ينص القانون. فمعدل استخدام هذه الخدمة يقارب الساعتين يومياً مجاناً لكل مشترك، ولكون تعرفة دقيقة التخابر هي سنتا للخطوط المسبقة الدفع
و سنتا للخطوط اللاحقة الدفع، ولتبسيط العملية الحسابية سوف نعتمد سنتا كمعدل وسطي لتعرفة الدقيقة الواحدة، وفي عملية حسابية بسيطة يتبين ان الاعفاءات لمدة شهر واحد التي وافق عليها صحناوي لشركة تاتش هي بقيمة مليون دولار اميركي (،***،) و ذلك خلافاً للقانون ومن دون موافقة مجلس الوزراء، ومن خلال قرار شعبوي وعشوائي وغير قانوني صادر عن صحناوي وادى الى ضغط كبير على شبكة الخلوي وانقطاع الاتصالات على عدد كبير من المشتركين في مناطق عدة خلال الايام الاولى من طرح الخدمة بالاضافة الى كونها عملية احتيال طالت من المشتركين الذين وعِدوا بهذه الاعفاءات ولم يحصلوا الا على فاتورة ضخمة وخدمة رديئة ووعود كاذبة.
ويرى خبير في قطاع الخلوي ان عقد الادارة مع شركة الخلوي، الذي وافق عليه مجلس الوزراء من دون إعطاء المجلس الفرصة الكافية للاطلاع على تفاصيله، ينص على امكانية طرح عروض وخدمات جديدة، ولكن هذا العقد لا ينص بتاتاً على منح وزير الاتصالات سلطة تقديم إعفاءات لرسوم محددة سابقاً.
ويكشف ان ما يفوق مبلغ مليون دولار اميركي اهدرت عن قصد او عن غير قصد، الا انه في الحالتين تقع المسؤولية المباشرة على المعنيين في هذا الموضوع.
ويضيف الخبير ان هذه الخدمة البسيطة وحدها ادت الى ما ادت اليه من هدر كبير للمال العام ومخالفة القوانين وسوء إدارة .
ويختم متسائلاً ماذا هو رأي هيئات الرقابة ولاسيما النيابة العامة المالية وديوان المحاسبة في حال إطلاعهم على طريقة تصرف وزير الاتصالات منفرداً بالاموال الطائلة التي خصصها للإستثمار في قطاع الخلوي والتي يحسمها مباشرةً من إيرادات الخلوي من دون العودة الى مجلس الوزراء، ودون وجود خطة عمل business plan ضمن عقد الادارة تحدد هذه الاستثمارات، ودون وجود معايير محددة لكيفية صرف هذه الاموال، ودون وجود آلية موافق عليها وفق الاصول لإجراء التلزيمات، ودون خضوع هذه الاستثمارات لأي رقابة او تدقيق من اجهزة التفتيش والرقابة؟.
يبدو ان مفهوم الاصلاح والتغيير عند البعض يقوم على مخالفة القوانين وهدر المال العام والتحايل على المواطنين وسوء استخدام الادارة العامة وتخريب الاتصالات وطبعاً المزيد والمزيد من الوعود الرنانة..

يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.

8 آذار 2019 00:00