تشهد الساحة الشيعية اللبنانية في السنوات الأخيرة اختلافاً يبدو في ظاهره فقهياً لكن في باطنه سياسي حول تحديد بداية شهر رمضان، ففيما استبق مكتب المرجع العلامة السيد محمد حسين فضل الله بإعلانه الأسبوع الماضي أن بداية الشهر هو يوم الجمعة في 20 تموز الجاري، أعلن نائب رئيس المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى الشيخ عبد الأمير قبلان أن اليوم الأول لشهر رمضان المبارك هو يوم السبت 21 تموز، وتبعه حزب الله بذلك بعدما أعلن الولي الفقيه السيد علي الخامنئي أن يوم السبت هو أول أيام شهر رمضان.
هذا الاختلاف أوجد حالة من البلبلة في الأوساط اللبنانية الشيعية خصوصاً وأنه ينسحب كل سنة على تحديد أول أيام شهر شوال أي موعد عيد الفطر السعيد.
وصام شيعة لبنان إما تأييداً لفتوى مكتب السيد فضل الله، وإما شكاً من قبل مؤيدي حركة أمل وجمهورها الذين يعودون بالتقليد إلى المرجع النجفي السيد علي السيستاني، وإما حزب الله وجمهوره الذي يعود بالتقليد في أغلبيته إلى مرشد الثورة الإيرانية السيد علي الخامنئي.
ويعتمد السيد فضل الله على الحسابات الفلكية في تحديد بداية الشهر، معتبراً أن الرؤية يمكن أن تتم بالعقل، إذ أثبت العلم أن القمر يختزن كمية من الضوء كافية لرؤيته بالعين المجردة، حتى لو لم يره أحد. ويمكن وفقاً للسيد فضل الله، للمسلمين العودة إلى علماء الفلك لتحديد بداية الشهر من دون العودة لرجال الدين حتى، في حين دعا الشيخ قبلان أهل الحل والعقد في كل بلد إسلامي وعربي إلى أن يتعاونوا في ما بينهم لإنشاء هيئة لعلماء الدين والفلك لتتحرى أول كل شهر قمري ويتحققوا منه. كما دعا وزراء الأوقاف إلى إنشاء هيئة تعلن يوماً موحداً لشهر رمضان، لأن التفرق لا يبشر بالخير أبداً. أما إذا كان هناك اختلاف في الآفاق فعند ذلك لكل فريق رأيه وفقهه.
ويقول السيد علي فضل الله في هذا المجال نحن نعتقد أن الأخذ بعلم الفلك يساعد على توحيد الرؤية بين المسلمين في هذا الأمر، باعتباره حيادياً وأكثر دقة، لأن الرؤية المجردة يمكن أن تختلف بين شخص وآخر،
وندعو عندما يحصل اختلاف حول يوم العيد أو حول بداية شهر رمضان، أن لا يؤدّي إلى أجواء تشنّج بين المسلمين وداخل كلّ مذهب، واعتباره ناتجاً من تنوّع في الرّأي والاجتهاد لا بدَّ من تقبّله، إلى أن يصل الجميع إلى رأي موحّد، وأن يتّفق المسلمون على بداية الشّهر ونهايته.
ويضيف: فما يهمّنا من نتائج علم الفلك، هو تحديد ولادة الهلال فلكياً، ومدى دقة هذا التّحديد، إضافةً إلى حساب الفلكيّين لإمكانيّة الرؤية، ومدى دقّة هذا الحساب وإفادته في تحديد بداية الشّهر من النّاحية الشّرعيّة..
ويتابع فضل الله: انه بالنّظر إلى تقدّم العلم واتّساع اختصاصاته، وما ينتج منها من نظريّاتٍ تجد لها صدًى في الواقع الحياتيّ للإنسان، فتفرض عليه أن يتعامل معها بدقَّة من ناحية الدّراسة والتّطبيق، كان لزاماً على المرجع الراحل فضل الله التوجّه إلى رؤيةٍ فقهيّةٍ مواكبةٍ لتقدّم العلوم وتعقيداتها، لكشف الخلفيّات الشّرعيّة للموضوعات المستجدّة في حياة النّاس، ومنها مسألة رؤية الهلال وثبوته ووسائله..
وتشير مصادر إسلامية متابعة إلى أن الحيز السياسي طغى على الحالة الاجتهادية لموضوع ثبوت الهلال بين شرائح المجتمع الشيعي في لبنان، حيث أن الدلالات تؤكد أنه ولو ثبت لدى المراجع اللبنانية رؤية الهلال للصوم أو الافطار في العيد، فإن الالتزام السياسي هو المرجع للتقيد بالفتوى القائمة لهذه الناحية.
وترى المصادر أن المشكلة ليست في لبنان وحده، فهي منسحبة إلى كل الأقطار الإسلامية، مثل العراق وإيران وباكستان، وسوريا، حيث حصل في هذا البلد الأخير انقسام حول رؤية الهلال إذ صامت المعارضة المتمثلة بالجيش الحر والقوى الإسلامية الأخرى واتباعهما نهار الجمعة الفائت في حين أن اتباع النظام صاموا في اليوم الثاني أي السبت، مما يدل على التأزم السياسي الذي يغلب الرؤية السياسية.
أخيراً وليس آخراً من السمات البارزة والمميزة للفقه الشيعي أن يكون من رجالاته مجتهدون في منهجهم الشمولي والواسع من دون تأثر بالأجواء الاجتهادية التقليدية، مما يدفع بعملية الاجتهاد إلى الأمام، ويمدها بالقوة والخصوبة، وهذا ما توفر بحق في شخصية المرجع الراحل العلامة السيد محمد حسين فضل الله حسب أغلبية الشيعة اللبنانيين.
يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.