واخيرا... استفاق موظفو القطاع العام العاملون في الادارات والمؤسسات العامة والبلديات، الذين يتوزعون في تصنيفات ضمن الكادر كل حسب وضعه: ملاك ومتعاقد دائم ومتعاقد بالساعة ومياوم واجير دائم واجير بالساعة ومتعامل. استفاق هؤلاء على مطالبهم المزمنة والمحقة. وهذا دليل عافية، لان الذي يأتي متأخرا خير من الذي لا يأتي، في غياب تام للاتحاد العمالي العام والقوى النقابية الحمراء منها والصفراء التي تغفو في سبات عميق لم نسمع لها موقفا، حادا كان ام ناعما نابع من ايديولوجية الكادحين او المستضعفين، من تحركات الموظفين والمياومين التي ملأت الشاشات وما زالت منذ شهرين تقريبا، واضحت الحركة المطلبية في هذه الادارات والمؤسسات تتعاطى مع المسؤولين مباشرة وعبر الاعلام من دون واسطات ولا مقدمات ولا مؤخرات نظرا لمأسوية الوضع الاجتماعي البائس.
وفي خضم هذه المعمعة المطلبية المحقة، استذكرتُ والدي الذي خدم الدولة اللبنانية اكثر من اربعين عاما بصفة اجير اداري في وزارة الاعلام وكان من الموظفين الاداريين المؤسسين للوكالة الوطنية للاعلام في عهد الرئيس الراحل فؤاد شهاب، ومع الاستاذ باسم الجسر الذي احمل اسمه نظرا للوفاء المبين. وخرج والدي بعد سنواته الاربعين بتعويض قدره 38 مليون ليرة لبنانية فقط لاغير، وشاء سوء الحظ ان يصاب بعيد احالته الى السن بأيام، بـسرطان البروستات، الامر الذي تطلب اجراء عمليتين جراحيتين كبيرتين، تبخرت على اثره الملايين الثمانية والثلاثين، لانه شطب من الضمان بعد احالته الى السن، والاطباء ليسوا تعبانين بدق ريحان ابي، لتصنيف وضعه، ان كان اجيرا ام متعاقدا ام مياوما، او كان مضمونا ام لا، لان همهم كان اجراء العملية ووضع شرط الدفع قبل الدخول الى غرفة العمليات. وعشنا رحلة عذاب. تصبرنا عليها انا ووالدتي واخواتي بعون الله وقوته، الى ان وافته المنية في آب 2005.
ولست هنا للحديث عن مزايا والدي انما للتذكير في ذكرى غيابه السابعة، انه كان من الرعيل الاول الذين دخلوا الادارة اللبنانية، وخدموا فيها بتفان واخلاص، اي من رعيل الـ قابضينها جد ايام السلم، كما في زمن الحرب، ومن احدى التضحيات في الخدمة، ان اجتاحته سيارة لمتهور مسرع امام رصيف مبنى الاذاعة اللبنانية عام 1994، بعدما كان ينجز عملا اداريا للموظفين، دخل على اثره في كوما لايام، اذ ان الضربة كانت على الرأس، وانكسر ضلعه وعظمة الكتف وريش من قفصه الصدري، بقي يعاني منها حتى الممات، والعوض بسلامتكم.
ان حالة والدي ليست الوحيدة من نوعها في مآسي الادارة اللبنانية وهي نموذج لحالات اقل واكثر مأسوية، لكن المأساة الحقيقية ان يبقى انسان في بلد يتغنى اهله انه مصدَر الحرف، وابناؤه، من الموظفين وغيرهم، على هذه الحال.
ففي ظل التحرك الذي ينفذه موظفو الادارات العامة، لفتني امس تصريح لاحد الوزراء انه يؤيد تحرك الموظفين في وزارته تأييدا كاملا، وهو يطالب الحكومة بانصاف المياومين والموظفين في كل ادارات الدولة لان القطاع العام هو القاعدة الرئيسية لتسيير امور الدولة وشعبها. فتخيلت لوهلة انني اسمع عضوا في الاتحاد العمالي العام او النقابات، المستقلة منها وغير المستقلة في لبنان، من هنا لم استبشر خيرا مما سمعته لانه لم يعد مفهوما مين بيحكي عن مين...ومين فايت بمين... ويا خوفي من الاعظم.
يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.