8 آذار 2019 | 00:00

أرشيف

الاتصالات..إذا لم تستحٍ فاعلن ما شئت

اثناء زيارتي الدورية لطبيب الاسنان في كورنيش المزرعة، وأنا أنتظر في صالون العيادة وسط زحمة من المرضى نصفهم يضع يده على خده، والنصف الآخر ينظر الى الساعة لاحتساب كم بقي له من الوقت لمقابلة الطبيب، ووسط كلام السكرتيرة المتصابية في تقاسيمها من قوة الشد والانتفاخ، وقعت عيناي على إحدى المجلات اللبنانية المعروفة في منتصف الطاولة المستديرة، وبالتحديد على إعلان عن انجازات وزارة الاتصالات لعامي 2011 و2012 اي للأشهر الأحد عشر الماضية.
فقبل أن يمتشق أحد المرضى المجلة، سارعت وسحبتها من بين اخواتها فضولا للاطلاع على الانجازات المذكورة. فقرأت بشغف مصحوب بصدمة وبفتح العينين وارتخاء الحلق، العناوين الموضوعة باللغة الانكليزية والتي تتحدث عن سرعة خدمة الانترنت التي زادت 18 ضعفاً وعن الانخفاض في التعرفة الهاتفية الذي تجاوز 88% وعن اتساع رقعة المشتركين بنسبة 158%.
شاءت الصدفة ونحن في صالون الانتظار، ان يتحدث احد المرضى مع ابنه بواسطة الهاتف الخلوي، يبدأ الكلام بوتيرة منخفضة جدا احتراما للجالسين أو حياء منهم، ثم يرتفع الصوت مع تغّير حركات الرأس وتكرار عبارة هيك سامعني؟، وينظر في هاتفه لعله يستنبط حلاً، الى أن ينتهي الامر بصراخ يضطر الطبيب على اثر سماعه الى شقّ بابه بفتحة صغيرة ليتأكد ان المسألة مكالمة هاتفية لا اكثر.
عندما انتهى المريض من هذه الدوامة أقفل الخط وبدأ يكيل السباب يمينا ويسارا، بالدولة ومن فيها والهاتف والخلوي والوزارة والسياسيين، وصولا الى هذا البلد اللي بيقولوا عنه جنة. وشاطره الرأي معظم المرضى الجالسين، حتى تخيلت أنهم شفوا من وجع أسنانهم. واحتدم الحديث عن الهاتف والخلوي والانترنت البطيء والسريع كما قالت احداهن و2G و3G والواتس آب والبلاك بيري، وطبعا شاركتهم السكرتيرة في الحديث المحتدم، وبتصحيح المفردات كون احدى العجائز لفظت كلمة يونس بدل يونيتس unites اي سعة التشريج أو الشحن.
وبدأ الجميع يوافقون بعضهم البعض وخصوصاً حول فاتورة الهاتف التي لم تنخفض كما يقول الإعلان الذي أنفقت عليه وزارة الاتصالات ملايين الدولارات (طبعا يدفعها المكلف اللبناني)، فانبرت السكرتيرة إلى القول: عايشة انا وماما لوحدنا وما عندنا انترنت والفاتورة ما بتنزل عن 120 الف ليرة كل شهر. فتدخلت انا بجملة مفيدة مؤيداً كلام السكرتيرة: فاتورة منزلي لا تقل عن 250 الف ليرة .
وقال احد المرضى الذي يقبع في الزاوية: يقول الوزير ان الاتصالات الدولية بعد الساعة العاشرة ليلاً تنخفص إلى النصف، شو هالكذبة أنا الختيار بضلني فايق إلى الواحدة فجراً وأطلب ابني في اميركا، بس الفاتورة هي هي..
وما هي الا ثوان حتى خرج مريض من غرفة الطبيب، ففتح الأخير الباب على مصراعيه، وقال والابتسامة على وجهه: ما بكم يا جماعة؟ ردت السكرتيره: موضوع التلفون بها البلد يا حكيم! فقال: التلفون من قصص الف ليلة وليلة. وأومأ المريض الذي خرج للتو من عند الطبيب بيده، والقطن في طرف فمه، وهو يحاسب السكرتيره، رافعا اصبعين ويقصد 200 دولار لفاتورة الهاتف الخلوي اعتراضا على ارتفاعها. فبدأ الطبيب يقصّ لنا روايته مع الهاتف وفاتورته والانترنت وسرعته وصولا الى الخلوي وخدماته... إلى أن بدا من أشد المتحمسين في الحديث. عن هذا الموضوع.. كون الوجع يكوي الجميع.
ليختم الطبيب بالقول: ان الوقاحة الإعلانية لوزارة الاتصالات أشد إيلاماً علينا من سوء الاتصالات نفسها.




يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.

8 آذار 2019 00:00