ألزمتني الخادمة تيتا التي تعمل في بيتنا منذ 8 سنوات ان اجدد لها الاقامة، لانها تريد ان تسافر الى اثيوبيا في ايلول المقبل لرؤية ولدها ولانهماكها بشراء منزل في بلدها. وبما انني لم أعِ موعد تجديد الاقامة لانشغالي في امور الحياة اليومية، ذكّرتني السيدة تيتا انه بقي يومان لانتهاء مدتها، والا سوف أضطر لدفع 300 الف ليرة جزاء، والامن العام لا يرحم.
سارعت الى اقرب مركز لـليبان بوست، ولكوني اقطن في منطقة الطيونة، التي تتبع لمركز الامن العام في برج البراجنة، فيفترض ان أنجز معاملتي في مركز ليبان بوست التابع للمنطقة، اي في المشرفية.
لكن ما ليس في الحسبان انه لدى دخولي الى مركز المشرفية، رأيت الناس زرافات ووحدانا. خمسة موظفين فقط يلبّون خدمات عشرات الاشخاص الداخلين والخارجين، فسارعت الى اخذ رقم عملا بالدول المتطورة. حصلت على الرقم 77 وكانت الساعة لم تتجاوز العاشرة صباحا، والشاشة تسجل رقم 53 لديها، فقلت في نفسي أمرنا لله، قدرنا قدر هذه الجموع الجالسة والواقفة. واتخذت من بلاطة درج داخلي مكانا لجلوسي، لانني اتبعت البروتوكول بإجلاس امرأة مكاني على مقعد الجلد، تزن 105 كيلوغرام على اقل تقدير، والمكيّف داخل مركز البريد لا يكفي انفاس الداخلين اللاهثين من شدة الحر. يتوزع الزبائن على مقاعد متلاصقة، فالمحظوظ يفوز بمقعد جلد لانه مرصوص بالاسفنج، والا يجلس على مقعد حديد ان بقي له واحد.
الساعة تجاوزت الثانية عشرة والنصف حين بدأ الارهاق يبدو على الجالسين. فمن يرى رقمه يسارع الى الكونتوار، كأنه فاز بجائزة وترتسم ابتسامة على وجهه، اما الباقون فينتظرون. وماهي الا ثوان حتى انقطعت الكهرباء مرة ثالثة، وطال الانتظار، وبدأ الحر يقتحم المكان، فرفع احد الموظفين صوته بإبلاغ من بقي من الزبائن وبينهم كاتب هذه الاسطر، وكان الرقم قد وصل الى 73، وقال يا جماعة لا كهرباء قبل الساعة الثانية فمن يرغب بالانتظار أهلا وسهلا به، ومن لا، بإمكانه ان يذهب الى مركز ليبان بوست آخر، لان لا كهرباء لدينا. ضرب الزبائنَ حالٌ من التململ، لكن ليس في اليد حيلة، لا حول ولا قوة الا بالله العلي العظيم. همّوا جميعا بالخروج كما دخلوا وكل يحدث نفسه ويندب حظه، عن البلد ومشاكله وكهربائه وبريده وسياسييه وووالخ.. حتى جاءت امرأة وسألت احد الموظفين لماذا لا يوجد كهرباء، فقال لها ان صاحب المولد الكهربائي الخاص في هذه المنطقة يريد 1000 دولار من الشركة كل شهر، ولان الفاتورة لم تدفع بسبب الروتين، قطع الاشتراك، ولا يهمه ان تعطلت مصالح المواطنين. فقالت له أليس لدى الشركة المال لشراء مولد للكهرباء، فرد عليها لا أعلم، كي لا يقول كلاما ويحسب عليه. غادرنا المركز في المشرفية، فقال لي احد الخارجين، شو عندك استاذ؟ قلت له اقامة للخادمة. فقال وين بيتك؟ قلت في الطيونة، قال لي اذهب الى مركز بيروت مول الكهرباء هناك 24 على 24، فأخذت بالنصيحة وتوجهت بالسرفيس مسرعا وكانت الساعة الواحدة والربع، بعد عناء وصلنا الى مركز بيروت مول فرأيت طابوراً من البشر امامي. حظيت بالرقم 44 على كونتوار نصفي صغير، تتحلق حوله ارتال من المواطنين، ويقبع في الوسط موظف نشيط اسمه علاء يعمل بحواسه الخمس، ويدير المركز وحده بابتسامة عريضة رغم مشقة العمل، فانتظرت لانهاء معاملتي، وفد قاربت الساعة الرابعة بعد الظهر.
لكن بقيت اسئلة تلوج في خاطري لماذا مركز ليبان بوست في المشرفية الذي يدخله عشرات الاشخاص ان لم نقل المئات لاجراء معاملاتهم يبقى من دون مولد؟ ولماذا يبقى المركز تحت رحمة اصحاب المولدات المدعومين .. حتما؟ ولماذا لا تعزز ادارة ليبان بوست عدد الموظفين وتضاعفهم، سيما وان ربحيتها من هذا المركز وغيره من المراكز كبيرة وكبيرة جدا، اذ ان اجازة العمل مكتوب عليها 240 الفا، بينما الرسم من خلال ليبان بوست هو259 الفا، فضلا عن ان رسم الاقامة 300 الف، في حين بلغت التكلفة عبر ليبان بوست، 323 الفا. فأين الرقابة من وزارة الاتصالات التي لزّمت هذه الخدمة الى هذه الشركة؟
يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.