8 آذار 2019 | 00:00

أرشيف

سنتان على رحيل فضل الله.. فراغ ومسؤوليات

على أبواب الذكرى الثانية لرحيل العلامة المرجع السيد محمد حسين فضل الله، والتي تصادف في الرابع من تموز المقبل، ينشط المحبون والعاملون والمسؤولون في تياره لإحياء هذه المناسبة، وسط الركام السياسي والتطورات التي عصفت بالمنطقة العربية والإسلامية في السنتين الماضيتين، والنتائج الناجمة عنها على أكثر من صعيد وتأثيراتها على المشروع الكبير الذي عمل السيد لإرساء دعائمه وتركيز قواعده.
وتلاحظ مصادر اساسية في هذا التيار أن رحيل السيد فضل الله ترك فراغاً كبيراً في الساحة الإسلامية عموماً، واللبنانية خصوصاً، وأن هذا الفراغ تجلى مظهره في عدد من الأمور أبرزها:
أولاً: على الصعيد السياسي، حيث رحلت تلك الشخصية التي كانت تتوجه بالنصح للكثيرين، وكان لكلامها وقع كبير في دفع الفرقاء الى اختصار مسافة الاختلاف في ما بينهم، والإقلاع عن سياسة المقاطعة، أو رمي الآخرين بالاتهامات، أو تخوينهم أو التشكيك بسلوكياتهم وأهدافهم.. فمن المعروف ان السيد كان يرفض سياسة المقاطعة، وكان يرى أن هذا الأسلوب لا أساس له لا في العمل السياسي الوطني ولا في القواعد السياسية الإسلامية، ولذلك كان يحثّ الحركات والأحزاب الإسلامية على الاقتراب من الآخرين حتى على صعيد المبادرة السياسية وحتى في الأوقات والأحايين التي تشعر فيها هذه الاحزاب والحركات بأنها تملك الارض كما تمتلك عناصر القوة السياسية والعسكرية وما الى ذلك.
وقد كان العلامة فضل الله حريصاً على اجتذاب الآخرين الى الخط الإسلامي الحركي كما كان يعبر من خلال سلوك قواعد الحوار والخطاب الإسلامي التي تفرض قول التي هي أحسن والدعوة بالتي هي أحسن، بدلاً من استخدام الخطاب المتشنج والمنفر، والذي يرتكز على مفردات التوهين للآخرين أو تهديدهم حتى في الوقت الذي تخطئ فيه الجهات والأحزاب الأخرى...
لقد كان السيد فضل الله جسراً فكرياً وسياسياً استطاع أن يضيَق الهوّة بين الإسلاميين والعروبيين، وهو الذي نظر لذلك بما كتبه ومارسه فحطم الحواجز التي كانت قائمة بين الطرفين، وقرّب بين الإسلاميين والعلمانيين حتى في الوقت الذي كان يصر فيه على عدم التنازل عن الطرح الإسلامي، أو مخالفة القواعد الإسلامية التشريعية والسياسية، وفتح الآفاق واسعة للانفتاح داخل الساحة اللبنانية وخارجها، ولكن ركام التخلف وهكذا كان يعبر عاد الى الساحة من جديد وبات المشهد بحاجة للحكماء وأين هم الحكماء؟
ثانياً: على صعيد التجديد الفقهي، حيث يلاحظ الكثيرون أن المساحة الفقهية الواسعة التي كان يتحرك فيها السيد فضل الله قد ضاقت كثيراً، فليس هناك من فتاوى جديدة تلاحق تفاصيل الحياة اليومية التي يقتحم العنف الاجتماعي المشفوع بالعنف السياسي ساحاتها الداخلية وتفاصيلها اليومية..
وهنا تشير المصادر الى أن السيد كان يلاحق حتى المناسبات التي ركّزتها الامم المتحدة، كيوم العمل والعمال، أو يوم المرأة العالمي، ليصدر الفتاوى الدقيقة والحاسمة في كيفية التعاطي مع العمال ومع المرأة، ولعل الجميع يتذكر فتواه الشهيرة في الدفاع عن خادمات المنازل، وفتواه الأخرى في مشروعية دفاع المرأة عن نفسها في مواجهة عنف زوجها، والفتاوى المتصلة بجرائم الشرف وما الى ذلك، وتلك التي تتصل بشهر رمضان واستخدام الفلك لمعرفة بدايات الشهور القمرية. لقد ترك غياب السيد أثراً كبيراً على حركة التجديد الفقهي الإسلامي، والكل يتحدث عن انه منذ رحيله الى الآن لم نرصد فتاوى تجديدية بارزة لمراجع إسلامية يقلدها الناس ويعودون لها في عملهم الديني، بينما نرصد إصراراً على دعوة الكثيرين الى التخلي عن تقليد السيد فضل الله ، حيث لفت الكثيرون الى تعلق الناس به والتزامهم بمرجعيته وخطه، كان مصدر حاجة كما هو مصدر حب ووفاء لهذه الشخصية التي التصقت بناسها ومجتمعها وأهلها الى مستوى كانت تعيش وسط آلامهم واحزانهم وتطلعاتهم بشكل يومي.
ثالثاً: على مستوى الوحدة الإسلامية، فمشروع السيد فضل الله لتوحيد المسلمين تعرض لنكسات حقيقية حيث طفا على سطح العلاقة بين السنّة والشيعة ركام جديد ساهمت في بروزه التطورات المتسارعة في المنطقة، خصوصاً في العراق وسوريا وصولاً الى لبنان، وباتت للمعطيات السياسية تفسيرات مذهبية، ودخل الهاجس المذهبي في كل شيء وبات الخوف من الأزمة في سوريا وتداعياتها يثير الغرائز بدلاً من أن يكون دافعاً الى توحيد الساحة الإسلامية وتهيئتها لمواجهة الانقسامات الحاصلة..
من هنا، تتحدث المصادر عن الدور الذي قام ويقوم به تيار السيد فضل الله لتضييق الهوة السياسية والنفسية بين الأطراف، وإصرارها على دفع القيادات للقاء والتواصل ليس في العاصمة فقط بل في المناطق اللبنانية كافة، لأن من شأن ذلك الإنعكاس إيجاباً على العلاقات الوطنية، وإن كانت اليد الواحدة لا تصفق، أو كانت كلمة دعاة التفرقة والانقسام هي المسموعة أكثر من غيرها لأنها تعتمد على الغرائز ولها وسائل اعلام متعددة المصادر والتوجهات في التمويل والتوجيه.
وتختم المصادر بالإشارة الى أن الساحة الإسلامية تحتاج الى ورشة عمل وحدوية تبقى في حال استنفار لمواجهة كل التمزقات، خصوصاً في ظل صعود تيارات الإقصاء والتكفير. وتروي أن السيد فضل الله في آخر أيام حياته كان يردد أمام بعض مساعديه: إنني أخاف على الإسلام من هؤلاء الخرافيين الذين باتت لهم مساحات الفضاء إعلامياً وسياسياً، ولا مجال لحماية الإسلام إلا بالاندفاع نحو خط الوحدة والتجديد لقطع الطريق على هؤلاء.

يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.

8 آذار 2019 00:00