تتباين المواقف السياسية بين الجماعة الإسلامية وحزب الله من الأحداث في سوريا لا بل من بعض الثورات العربية، وتسجل في هذا الإطار حال من الامتعاض الشديد في أوساط الجماعة من مواقف الحزب إزاء بعض المواضيع والقضايا اللبنانية وطريقة التعاطي الفوقي معها كما يقول مسؤول في الجماعة، إلا أن الموضوع الخلافي الأبرز يبقى الموضوع السوري.
والكل يعلم أن مواقف الجماعة الإسلامية في القضايا الكبرى والعامة هي جزء لا يتجزأ من مواقف الاخوان المسلمين، مع المحافظة على الخصوصية لكل ساحة من ساحات البلدان التي تتواجد فيها الجماعة أو الاخوان أو ما ينضوي تحت مسمياتهما في الدول العربية والإسلامية جمعاء.
ويبرز التباين الجدي لكل من الجماعة والحزب مع كل محطة يطل فيها الأمين العام لـحزب الله السيد حسن نصر الله ويعلن جهارة دعمه الكامل لنظام بشار الأسد وتخوين حراك الشعب السوري المنتفض على الظلم والقهر، فتنطلق الانتقادات داخل الجماعة الإسلامية وخارجها من هذه المواقف ليصل عند بعض مسؤوليها الى حد التشكيك بأن مواقف حزب الله الداعمة للنظام السوري تتنافى مع حرصه الدائم على إظهار تمسكه بالوحدة الإسلامية ونبذ الفتنة، ما أظهر تبايناً في المواقف أيضاً بين حزب الله وحركة حماس التي أعلنت على لسان أكثر من مسؤول إدانتها لممارسات النظام السوري.
ويأتي في هذا الإطار الاجتماع الخلافي العاصف الذي جمع الأمين العام لـالجماعة الإسلامية في لبنان الحاج ابراهيم المصري مع رئيس المكتب السياسي لـحزب الله ابراهيم أمين السيد في مقر الجماعة في بيروت قبل فترة، حيث شهد تبايناً حاداً بشأن الأحداث في سوريا، فضلاً عما تردد على في بعض وسائل الإعلام أن المصري رفض زيارة السيد نصر الله لأنه يرفض الطريقة المذلة حسب قول المصري التي تُتبع لعقد الاجتماع مع نصرالله مشيراً الى أن هذه الطريقة لا تناسبه.
وفي سرده لتاريخ العلاقة بين الجماعة والحزب ومراحل التلاقي والافتراق، يقول عضو المكتب السياسي لـالجماعة الإسلامية الحاج عمر المصري نجل الأمين العام الحاج ابراهيم المصري لـالمستقبل: إن تاريخ العلاقة بين الجماعة وحزب الله قديم ويمتد الى بدايات تأسيس الحزب، ولا نخفي قولاً أن الجماعة كان لها الموقف الداعم لانتصار الثورة الإيرانية عام 1979، حيث كانت الفصيل الأول الذي نظم تظاهرات داعمة للثورة الإيرانية، لأنها رأت فيها بريقاً في وصول حركة ذات خلفية إسلامية انتصرت على الظلم والاستبداد. فكانت بداية علاقة متينة بين الساحتين السنية والشيعية. فضلاً عن أن موضوعي مواجهة المشروع الصهيوني في المنطقة والمقاومة كانا عنوانين عريضين للتعاون الجدي والمتين بين الجماعة والحزب، وصلت في بعض مراحله إلى تشكيل غرفة عمليات مشتركة في مجال العمل المقاوم، وسخرت الجماعة وقتها مواقع التدريب التابعة لها ووضعتها بتصرف الحزب في منطقة شرق صيدا. وسادت العلاقة حالة من الشفافية والود.
يضيف: أما بداية التباين فكانت عام 1989 عندما أصبحت الوكالة الحصرية للمقاومة بيد فصيل واحد، حيث كانت الرغبة الاقليمية السورية الإيرانية بحصر العمل المقاوم بحزب الله، ما أدى الى إقصاء كل الجماعات والتنظيمات والأحزاب الأخرى عن هذا العمل، ومن ضمنها طبعاً الجماعة الإسلامية، الأمر الذي ولّد مشكلة، فلسمنا عند معالجتنا للموضوع أن حزب الله محرج في هذا الملف.
ويتابع: إن ما يجمعنا بحزب الله هو الصراع مع العدو الصهيوني، والمقاومة، إضافة الى ملف آخر هو نبذ الفتنة السنية - الشيعية ومحاربتها، فنحن نعتبر أن حزب الله يمثل الحركة الإسلامية الشيعية في لبنان والمنطقة الى حد ما، والجماعة الإسلامية تمثل الحركة الإسلامية السنية في لبنان والمنطقة لكونها خرجت من رحم حركة الاخوان المسلمين، فكانت الرغبة أن تستمر العلاقة الودية حرصاً على وحدة الأمة، خصوصاً أن محاولات غربية وأميركية برزت من خلال ملف العراق وغيره لإثارة فتنة سنية- شيعية تمزق الأمة، مما يخدم إسرائيل بلا شك. وبعد العام 2005 زادت حدة الخلاف بين الجماعة وحزب الله، لأننا نعتبر أن الحزب حركة يُفترض أنها تلامس مشاعر الشعوب وترفض الظلم، والشعب اللبناني عانى الكثير من ممارسات النظام السوري. أن يقف حزب الله مع هذا النظام تحت شعار المقاومة والممانعة وبهذا المدى وبهذا الحد، هذه انتقائية غير مقبولة، هذا النظام أخطأ وشنع في شعبه وفي الشعب اللبناني. صحيح أنه كان يدعم حركات المقاومة في لبنان وفلسطين بغض النظر عن التيات والخلفيات، ولكن السكوت عن الجوانب الأخرى مثل القمع والقتل فهذه غير مقبول.
ويلفت المصري الى أن التباين والخلاف ازدادا من خلال مقاربة الأزمة الداخلية اللبنانية عقب حرب تموز 2006، واستخدام خطاب التخوين والاتهام بالعمالة لشريحة واسعة من اللبنانيين، هذا الخطاب المتشنج والتخويني هو الذي عمق الفتنة السنية الشيعية، ما أوصلنا إلى أحداث أيار 2008 واستخدام السلاح المقاوم في الداخل اللبناني، حتى وصل حزب الله بخطابه لشبيه ما قاله الرئيس الأميركي السابق جورج بوش عقب أحداث 11 سبتمبر يا عالم إما أنتم معنا أو أنتم مع بن لادن. وهكذا وصل الحال بـحزب الله الى القول يا أنتم معنا يا أنتم مع أميركا وإسرائيل، نحن لا نُساق كما يُساق الكثيرون، ولا نُشترى كما اشتري الكثيرون. وإزاء ذلك نحن في الجماعة الإسلامية نتعامل مع حزب الله بالمفرق وليس بالجملة، ونتعامل معه شأنه شأن باقي الأحزاب والتيارات اللبنانية. قد نتفق معه في ملف ونختلف في ملف آخر، فإذا أصاب نقول له أصبت وإذا أخطأ نقول له أخطأت. وفي الآونة الأخيرة أصبحت العلاقة متباينة جداً نتيجة موقف حزب اللهمن الثورة السورية، فنحن نعيب عليه الانتقائية التي تعامل بها مع هذا الملف، ففي العراق اجتثاث البعث وفي سوريا دعم ومساندة البعث، كيف يمكن لحركة، خلفيتها العقائدية والفكرية أن تنصر المظلوم، أن تتبع الانتقائية في التعامل مع الثورات العربية؟ ففي البحرين مثلاً يتم تضخيم الأمور لمجرد اعتقال ناشط حقوقي في حين أن جرائم النظام في سوريا لا تدان لا بل تصنف الثورة بأنها مؤامرة وإرهاب وغير ذلك من النعوت التي يتبناها نظام بشار الأسد.
ويشير الى أن أننا وخلال الأزمة الداخلية اللبنانية من 2006 إلى 2008 كنا نبذل جهداً كبيراً مع اخواننا في العالم العربي من الاخوان المسلمين وقيادات الحركة الإسلامية لتوضيح مواقفنا، وبأننا مع حزب الله في ملف المقاومة ولكننا نختلف معه في ملفات أخرى، أما اليوم فقد انقلب الموضوع 180 درجة حيث أننا نبذل جهداً لإقناع اخواننا في العالم العربي أنه مهما حصل يبقى حزب الله حزباً مقاوماً ونلتقي معه على هذا العنوان، لقد شوهت صورة حزب الله بالكامل في العالم العربي والإسلامي بعد موقفه الانتقائي من الثورات العربية.
ويكشف المصري عن لقاء خلافي آخر، عقد بعد قطيعة ثلاثة أشهر بناء على رغبة الطرفين، نوقش فيه الملف السوري إضافة الى ملفات أخرى، لكننا لمسنا من جانب الحزب ليونة واضحة وتعديلاً في موقفهم السابق. وقناعتي أن حزب الله لن يصل الى حد الانتحار كرمى لعيون النظام السوري، نحن نعتبر أن حزب الله حزب واقعي ويتعامل مع الأحداث بمنطق. وقد يكون عنده وفاء للنظام السوري لا يمكن إلا أن يرد له الجميل، لأن النظام السوري أعطى الكثير لحزب الله والمقاومة في لبنان. فينطلق من هذا المبدأ، لكن قناعتنا وهذا ما لمسناه أنه يمكن لحزب الله أن يعدل ويغير من مواقفه في حال تغير المشهد السوري.
ويتابع: نحن في الجماعة الإسلامية صحيح أننا ننتمي إلى مدرسة الاخوان المسلمين لكن قراراتنا ومواقفنا نأخذها في مؤسساتنا الداخلية بالكلية، واللقاءات الخارجية لا تتعرض إلا للقضايا الكبرى كمواجهة المشروع الصهيوني والتطبيع، أو دعم الثورات العربية وغير ذلك. إن موقف الشيخ الدكتور يوسف القرضاوي من الحرس الثوري الإيراني ومن حزب الله أعتقد أنه نتاج موقف ودور كليهما في قمع الثورة السورية. نحن كجماعة إسلامية لا نملك الدليل الملموس حول مشاركة حزب الله في قمع الثورة السورية، إنما لدينا معطيات ملموسة حول مشاركة الحرس الثوري الإيراني على المستوى التقني وغير ذلك.
ويوضح أن الداخل اللبناني منقسم حول الملف السوري. من هنا، نحن حريصون على عدم نقل المشكلة السورية الى الداخل اللبناني، نحن ندرس حركتنا بتأنٍ في موضوع الاعتصامات والتظاهرات الداعمة للثورة السورية وحريصون على عدم استفزاز أي فصيل يخالفنا الرأي ونرفض منعنا من التعبير عن قناعتنا طالما نراعي القوانين المرعية الإجراء.
وحول علاقة الجماعة بإيران يقول المصري: لقد تأثرت علاقتنا بإيران نتيجة مواقفها العلنية ضد الثورة السورية ودعمها الكامل للنظام، ولقد رفضنا دعوات وجهت الينا لحضور مؤتمرات عدة في طهران وقاطعناها لهذا السبب. وتأتي هذه المقاطعة من ضمن مقاطعة الاخوان في العالم العربي.
ويأسف المصري للكلام الصادر عن البعض بأن الجماعة الإسلامية لم تكن بالحماسة عينها في مناهضتها لإسرائيل كما هي للنظام السوري، قائلاً إن حركة الاخوان المسلمين معروفة بتاريخها الطويل في صراعها مع العدو الصهوني ومشروعه، والجماعة معروفة بدورها في المقاومة. حزب الله قبل غيره يعرف من هي الجماعة الإسلامية وما هو موقفها من العدو الصهيوني. وكل كلام عكس ذلك هو كلام مضحك. نحن نعتبر أن تحرر الشعوب هو السبيل الوحيد لتحرير فلسطين. ففي سوريا شعارات المقاومة والممانعة رنانة ولكن لم نر طلقة واحدة أطلقت لتحرير الجولان المحتل.
وعن وصول الإسلاميين الى السلطة يختم بالقول: إن التجربة التونسية خير شاهد على حكم الإسلاميين، ولا يمكن الحكم على النيات، نحن ضد المغالاة في كل الأمور ونحن نعاني من بعض الجماعات المتطرفة أكثر مما يعاني الآخرون.
يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.