دار جدل واسع في الأوساط السياسية والاقتصادية بعد صدور قرار مجلس الوزراء في 31 كانون الثاني (يناير) الموافقة على تفويض وزير الاتصالات التوقيع على تشغيل شبكتي الهاتف الخلوي مع شركتي اوراسكوم وام تي سي وفقاً لاقتراح الوزير نقولا صحناوي. فالأخير لم يكتفِ بالانتظار حتى الساعات الأخيرة من نهاية مدة العقد السابق لرفع اقتراحه الى مجلس الوزراء، بل جاء العقد الجديد المقترح من قبله مليئاً بالمخالفات الكبيرة والقطب المخفية.
خبير في قطاع الاتصالات يروي خلفية وأهمية قرارات مجلس الوزراء المتعاقبة في الموافقة على عقود الإدارة مع شركتي الخلوي. فالقرارات هذه تشكل وحدها الإطار الرقابي لعمل وزارة الاتصالات في قطاع الخلوي، وذلك خلافاً لعمل جميع الوزارات الأخرى. إذ إن جميع الإدارات في الدولة اللبنانية، من وزارات ومؤسسات عامة ومديريات عامة، تخضع بشكل مباشر لمراقبة الأجهزة الرقابية السابقة أو اللاحقة من جهة، ويتحمل مسؤولية إداراتها موظفون رسميّون يخضعون لأصول المحاسبة والمراقبة من جهة أخرى. الاستثناء الوحيد في الدولة اللبنانية هو قطاع الخلوي. هذا القطاع ضمن وزارة الاتصالات ـ والذي يدّر وحده ايرادات سنوية تقارب الملياري دولار أميركي ـ لا تخضع إدارته لأصول المراقبة والمحاسبة المعتمدة في الدولة اللبنانية، وتقع مسؤولية إدارته كاملة وحصرياً على وزير الاتصالات ومجموعة صغيرة من الأشخاص غير الموظفين يسميهم الوزير من خارج الإدارة، يطلق عليهم تسمية هيئة المالكين، وهؤلاء لا يخضعون بأعمالهم لأي جهة رقابية رسمية. فالمديريات العامة في وزارة الاتصالات هي خارج نطاق إدارة قطاع الخلوي كلياً. هذا الوضع الشاذ مستمر منذ العام 2002 حين اقترحه في تلك الفترة، ولمدة محدودة، وزير الاتصالات السابق جان لوي قرداحي بعد صدور القانون الرقم 393/2002 الذي ينص على انتقال ملكية الخلوي كاملة الى الدولة اللبنانية بتاريخ 31/08/2002 في حال لم تنجح المزايدة العلنية لخصخصة القطاع.
وبالتالي، فإن جميع مصاريف قطاع الخلوي، من تشغيلية واستثمارية ورقابية، يجب أن تكون واضحة ومحددة وفقاً لمعايير شفافة في عقد الإدارة الذي يوافق عليه مجلس الوزراء. وهو العقد الذي يمّثل الوسيلة الوحيدة لمراقبة وتدقيق المداخيل السنوية للخزينة العامة المتأتية من القطاع. من هنا، فإن المسؤولية الكبرى تقع على مجلس الوزراء في كيفية موافقته على العقد.
وبالفعل، فإن جميع عقود الإدارة المتعاقبة منذ العام 2002 وحتى تاريخه، كانت تتضمن وضوحاً نسبياً وشفافية مقبولة لجهة المصاريف التشغيلية والاستثمارية والرقابية. الاستثناء الوحيد هو عقد الإدارة الجديد الذي وافق عليه مجلس الوزراء في جلسته الشهيرة بتاريخ 31/01/2012 قبل ساعات قليلة من نهاية مدة العقد السابق في منتصف ليل ذلك اليوم. حتى ان الوزير نقولا صحناوي لم يكلف نفسه إرفاق العقد الجديد بكتاب الى مجلس الوزراء يبين فيه التعديلات التي قام بها على العقد الأساسي الموّقع في العام 2009.
وحدد الخبير في قطاع الاتصالات المخالفات ويمكن تلخيصها بالملاحظات الأساسية التالية على عقدي الخلوي:
1- في العقد الجديد، تمّ إلغاء وجوب تقديم خطة العمل Business Plan التي كان من المفترض أن يتقدم بها المشغل إلى الوزارة بداية كل سنة جديدة (تمّ إلغاء تعريف خطة العمل من البند 1.1 والمادة 17 من العقد الجديد). خطة العمل هذه كانت تتضمن المصاريف الاستثمارية والتشغيلية والرقابية. ذهب تحديد هذه المصاريف أدراج الرياح. وبالتالي، وفقاً للعقد الجديد، أصبحت المصاريف الاستثمارية غير خاضعة لمعايير محددة، بل فقط لاستنسابية الوزير. وعليه، ليس في العقد الجديد أي تحديد للمصاريف الاستثمارية Capital Expenditures أو قيمة هذه المصاريف أو حتى تحديد سقف لهذه المصاريف نسبةً للايرادات. إذ أصبح بإمكان وزير الاتصالات وفقاً للعقد الجديد أن يحسم المبالغ التي يستنسبها من ايرادات الخلوي تحت بند المصاريف الاستثمارية، وذلك من دون العودة الى مجلس الوزراء ومن دون وجود أي رقابة مسبقة أو لاحقة من قبل ديوان المحاسبة. علماً أن ديوان المحاسبة كان سبق وأصدر قراره الرقم 636/ ر.م. تاريخ 24/05/2004 رافضاً بموجبه حسم نفقات إدارة وتشغيل شبكتي الهاتف الخلوي من عائدات الاستثمار المحصلة، وذلك حسب قاعدة الشمول والشيوع.
ربّ قائل إن وزير الاتصالات استبدل خطة العمل بما يسمى الأهداف الإدارية للعام 2012 والتي خصص لها ملحقاً للعقد (1.أ) وربط بها أرباح الشركتين. إلا أن هذه الأهداف لا تتضمن بتاتاً قيمة المصاريف الاستثمارية التي سيترتب إنفاقها. إضافة الى الأثر السلبي الكبير الذي ستحدثه هذه الأهداف على جودة الخدمة كون تحقيقها محدد بفترة إلزامية قصيرة، خصوصاً أن العقد لم يطور معايير الأداء الملزمة للشركتين في الملحق (1.ب) بعد طرح خدمات الجيل الثالث خلافاً للقانون أخيراً.
السؤال الكبير المطروح هو، كيف يمكن لمؤسسة ما، صغيرة أو كبيرة، ألا تضع خطة عمل Business Plan؟ كيف بالحري عدم وضع خطة عمل لشركتي الخلوي اللتين تحققان ايرادات سنوية بقيمة ملياري دولار اميركي لمصلحة الخزينة العامة؟ وكيف يوافق مجلس الوزراء على عدم وجود هذه الخطة؟ وكيف يوافق مجلس الوزراء على منح صلاحيات لوزير الاتصالات لجهة صرف أموال كبيرة غير محددة وغير خاضعة بتاتاً لأي رقابة مسبقة أو مؤخرة؟
2- تمّ إلغاء مرجعية مجلس الوزراء لجهة البت في قيمة المصاريف الاستثمارية في حال حصول خلاف بين وزارة الاتصالات والمشغل وذلك من خلال حذف كامل البند 17.3 من العقد الأساسي الموقع في العام 2009 بين الدولة اللبنانية والمشغل. ففي العقد الجديد، وضع وزير الاتصالات نفسه مرجعية للبت في قيمة هذه المصاريف مكان مرجعية مجلس الوزراء. السؤال الكبير المطروح أيضاً وأيضاً، كيف وافق مجلس الوزراء على الغاء دوره في هذا الاطار، وحلول وزير ما مكان مجلس الوزراء مجتمعاً؟
3- أصدر مجلس الوزراء قراره بالموافقة على العقد استناداً الى قانون الاتصالات الرقم 431/2002 وذلك حسب ما ورد في بناءات قرار مجلس الوزراء الرقم 1، تاريخ 31/01/2012. غير أن وزير الاتصالات، وخلافاً لقرار مجلس الوزراء المذكور، ومن دون إعلام مجلس الوزراء أو العودة إليه لتعديل قراره، قام بإلغاء وحذف جميع بنود العقد التي تستند الى القانون 431 من دون استثناء، وكأن لديه ثأراً أو حساباً يصفيه مع هذا القانون/الإطار Loi Cadre الصادر أيام حكومة الرئيس الشهيد رفيق الحريري والذي ينظم قطاع الاتصالات ويطوره ويضع لبنان بمصاف الدول المتقدمة، بما في ذلك أيضاً حذف أي إشارة الى الهيئة المنظمة للاتصالات، لاغيا بذلك أي إمكانية لمراقبة تنفيذ العقد من قبل جهة مستقلة، بما في ذلك الالتزام بجودة الخدمات وحماية المستهلك وتأمين المنافسة العادلة.
وعليه، تم في العقد الجديد إلغاء تعريف القانون 431 والهيئة المنظمة للاتصالات من البند 1.1 خلافاً لما ورد في العقد الأساسي. كما تم استبدال عبارة الهيئة المنظمة للاتصالات بعبارة الجهة المختصة competent authority في البند 7.2.11 (البند 7.2.10 من العقد الأساسي) من دون أي تحديد لهذه الجهة المختصة. كذلك ضمن البند 15.4 تمّ استبدال عبارة guidelines by the Telecommunications Regulatory Authority as per Clause 30 of Law 431 بعبارة guidelines by the Ministry. السؤال الكبير المطروح أيضاً وأيضاً، كيف وافق مجلس الوزراء على الإلغاء التام لمفاعيل قانون الاتصالات في هذا الإطار؟ وما هو دور وموقف المشّرع في هذا الموضوع؟
4- من الملاحظ الزيادة الكبيرة في مخصصات هيئة المالكين في العقد الجديد، إذ ارتفعت من 60 ألف دولار أميركي شهرياً في العقد الأساسي الى نسبة مئوية تقدر بـ(0،1) % من كامل الايرادات المحصلة في العقد الجديد بما في ذلك الضريبة على القيمة المضافة (تعريف الايرادات المحصلة في العقد الجديد قد يحدث نزاعاً بين الشركتين والدولة اللبنانية كون هذا التعريف قابل للجدل ومرتبطة به أرباح الشركتين بنسبة مئوية)، ومن دون تحديد لأي سقف مالي قد تصل إليه هذه النسبة المئوية في حال زيادة الواردات. أي أنه قد تم رفع مخصصات هيئة المالكين من 60 ألف دولار أميركي شهرياً في العقد القديم إلى ما يوازي 180 ألف دولار أميركي شهرياً (بعد احتساب النمو الطبيعي للايرادات السنوية للعام 2012) في العقد الجديد. علماً أن مهام هيئة المالكين تنحصر في المراقبة التقنية والمالية والتشغيلية لشركتي الخلوي فقط. خصوصاً وأن هذه المخصصات تحول إلى حساب مصرفي شخصي في مصرف خاص باسم أحد مستشاري الوزير يقوم بتحريكه مباشرة بحسب طلب الوزير من دون أي رقابة أو أي سؤال. أي أن وزير الاتصالات، بناء على هذا التعديل، لديه مخصصات سنوية بتصرفه الشخصي تصل إلى نحو مليوني دولار أميركي. فكيف وافق مجلس الوزراء على قيمة هذه المخصصات للوزير غير الخاضعة لأي رقابة مسبقة أو لاحقة؟
5- إضافة الى الزيادة الكبيرة لمخصصات وزير الاتصالات عبر أتعاب هيئة المالكين، فإنه قد تم أيضاً، وبشكل جديد، تخصيص أعباء مالية إضافية غير محددة لمهام الهيئة المذكورة أعلاه نفسها (أي هيئة المالكين)، ولكن تحت عنوان مبهم وفضفاض خدمات وتجهيزات المراقبة التقنية والمالية والتشغيلية وتأمين استشاري تقني، وذلك من دون تحديد قيمة هذه المصاريف أو حتى من دون تحديد سقف لهذه المصاريف نسبةً للايرادات. إذ إن وزير الاتصالات، وفقاً لهذا العقد الجديد، يستطيع أن يحسم المبالغ التي يستنسبها من ايرادات الخلوي لهذه المصاريف الرقابية، ومن دون العودة الى مجلس الوزراء ومن دون وجود أي رقابة مسبقة أو لاحقة من قبل ديوان المحاسبة. تمّ ذلك من خلال إضافة هذه المصاريف الى تعريف Capital Expenditures في البند 1.1 من العقد الجديد خلافاً للعقد الأساسي. وكذلك استحداث البند 21.2 غير الموجود في العقد الأساسي. فكيف وافق مجلس الوزراء على تخصيص أموال إضافية كبيرة وغير محددة لأعمال رقابية سبق وحدد لها مبالغ مالية كبيرة ضمن هيئة المالكين؟
6- تمّت إضافة المادة الرقم 4 في العقد الجديد مع شركة أوراسكوم. وتنص هذه المادة على تسوية الأمور العالقة بين الشركة والوزارة مع إعطاء صلاحيات واسعة لوزير الاتصالات بالبت في هذه الأمور وحسم الأموال من ايرادات الخلوي لمصلحة الشركة في حال موافقة الوزير فقط، من دون تحديد أي سقف لهذه الأموال أو العودة الى مجلس الوزراء أو ضرورة عرض الأمر على رقابة ديوان المحاسبة المسبقة أو اللاحقة. كما تمّ تأكيد ذلك ضمن الفقرة المستحدثة (e) من تعريف Net Revenues في البند 1.1 من العقد الجديد. وهنا أيضاً السؤال، كيف وافق مجلس الوزراء على إلغاء دوره في هذا الإطار؟
7- خلافاً للعقد الأساسي، تمّ تخصيص وزير الاتصالات مجاناً بمئتي جهاز هاتفي شخصي handsets من قبل شركتي الخلوي وفقاً للفقرة (j) من تعريف Total Opex من البند 1.1 من العقد الجديد، في مقابل إلغاء مدفوعات، بقيمة 300 ألف دولار أميركي تستحق سنوياً على الشركتين لمصلحة خزينة الدولة من جراء استئجار مواقع عائدة لوزارة الاتصالات. إذ تم شطب هذه القيمة من الفقرة (d) من تعريف Total Opex من البند 1.1 من العقد الجديد، خلافاً للعقد الأساسي وخلافاً للأصول المرعية الإجراء. فكيف وافق مجلس الوزراء على إلغاء أموال سنوية مستحقة للخزينة العامة مقابل أجهزة خلوية شخصية توضع بتصرف وزير الاتصالات لتوزيعها على المحاسيب؟
اسئلة كثيرة برسم مجلس الوزراء. والهيئات الرقابية من هذا الهدر الكبير للمال العام؟
يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.