8 آذار 2019 | 00:00

أرشيف

الحراك الشيعي: هموم الوحدة الإسلامية وهواجس المسيحيين

تشهد الساحة الشيعية في لبنان حراكاً متواصلاً هذه الايام، على المستوى الداخلي لهذه الساحة، وكذلك في التواصل المكثف مع الجهات الدينية والسياسية خارجها. ويأخذ هذا الحراك طابعاً علنياً في كثير من الاحيان، وقد يتسم بالبحث الداخلي وغير المعلن في احيان اخرى، بالنظر الى ان ذلك يجري على اساس قراءة تطورات المنطقة وتشعبات الاحداث فيها، او محاكاة لنتائج وتوقعات قد ترتسم في الاشهر او في قادم الايام.
وكان لافتاً طوال المرحلة السابقة، ومنذ رحيل العلامة السيد محمد حسين فضل الله، ان مؤسساته ومدرسته الفكرية والثقافية والدينية، لا تزال تقوم بدورها الاجتماعي والديني، بالوتيرة نفسها التي كانت عليها في حياته، اضافة الى ما تشكله تحركات نجله السيد علي فضل الله ونشاطاته من حركة سياسية وروحية لافتة، تركت انطباعاً مريحاً في الاوساط اللبنانية المختلفة، سواء على المستوى الاسلامي السني، بالنظر الى الاحترام الكبير والتقدير المميز الذي تكنه الاوساط الاسلامية السنية في لبنان لهذه المدرسة التي تميزت ولا تزال بجرأتها، وباصرارها على اعطاء الاولوية الاساسية لوحدة المسلمين عندما يفكر المعنيون برسم السياسات او الاستراتيجيات او ما الى ذلك، وكذلك فان لهذه المدرسة احترامها على المستوى المسيحي، خصوصاً وانها هي التي أصرت على الحوار مع المسيحيين من موقع الثوابت الاسلامية والكلمة السواء، ومن الميدان الشعبي اليومي، الذي لا ينطلق للحوار من ظروف طارئة او مصالح موقتة.
وفي هذا السياق، كان لافتاً حصول لقاءات جديدة كتلك التي حصلت في الايام الاخيرة بين العلامة السيد علي فضل الله وقيادات دينية مسيحية، وزيارته للبطريرك الماروني بشارة بطرس الراعي ولمتروبوليت بيروت وتوابعها للروم الارثوذكس المطران الياس عودة، بحيث جاءت بعد استقباله رجال دين مسيحيين، أثنوا على مواقفه واعتداله، وحرصه على ادانة ما يتعرض له المسيحيون من اعتداءات، ومن بينها التفجيرات التي طاولت عدداً من الكنائس في نيجيريا. كما ان هذه اللقاءات أفسحت في المجال للبحث الجدي بخطوات عملية لتوحيد الموقف الروحي الاسلامي والمسيحي في ظل ما يجري من تطورات في المنطقة.
واشارت مصادر واكبت زيارة فضل الله الى كل من بكركي ومطرانية الروم الارثوذكس في الاشرفية الى جملة من المعطيات ابرزها:
اولاً: ان هذه اللقاءات التي أخذت طابع التهنئة بالاعياد، اضافة الى التداول في الشؤون اللبنانية والاسلامية والمسيحية العامة، جاءت في اعقاب اللقاءات والزيارات الاخرى التي أجراها السيد علي فضل الله ومعاونوه، والتي بدأها من لقاء موسع في طرابلس في منزل مفتي طرابلس والشمال الشيخ مالك الشعار، ومن ثم زياراته للقيادات الاسلامية في صيدا وعلى رأسها المفتي سليم سوسان، اضافة الى الاجتماعات مع الجماعة الاسلامية في بيروت، ما يشير الى اولوية ثابتة في التحرك مفادها ان وحدة الساحة الاسلامية السنية والشيعية هي الاساس لضمان الاستقرار الداخلي، وأن تعزيز هذه الوحدة يصب في مصلحة التقارب مع المسيحيين، وصولاً الى تعزيز نموذج وحدوي لبناني وطني، يعين على مقاربة احداث المنطقة بعين اسلامية ـ مسيحية جامعة.
ثانياً: ان الهواجس التي تعيشها الطوائف في ظل الاشتباك الحاصل في المنطقة بين محاور دولية واقليمية، يمكن معالجتها بمقاربات مشتركة، بصرف النظرعن الهوية الدينية لهذه الشعوب، هذه المكونات التي ينبغي ان تأتلف وتتعاون وتتحاور لتجد ارضية مشتركة في هذه المرحلة بالذات، حتى اذا أزهر الربيع العربي او أينعت ثماره أمكن الاستفادة منه للجميع، بدلاً من التقاتل على عناوينه ورجم معطياته منذ الآن.
ثالثاً: ان اكبر مساهم في طمأنة المسيحيين في الشرق هو وحدة المسلمين السنة والشيعة. هذه الوحدة التي لا تصنعها اللقاءات الدينية والسياسية العليا فحسب، بل يصنعها الخطاب الوحدوي الذي يحترم فيه كل فريق رموز الفريق الآخر، اضافة الى الرموز الاسلامية التاريخية التي تمثل رموزاً مشتركة للسنة والشيعة، سواء اهل البيت الرسول او الصحابة الكرام... وهنا لا بد للخطاب من ان يأخذ الطابع الاسلامي والقرآني ومصلحة المسلمين في المنطقة والعالم، وقضاياهم الكبرى وخصوصاً قضية فلسطين، بدلاً من التركيز على الجانب المذهبي الصرف وخصوصا في المناسبات ذات الطابع الجماهيري.
رابعاً: ان الحاجة تبدو ماسة في مسألة الإعداد للقاء اسلامي ـ مسيحي واسع يجمع أقطاب الساحة اللبنانية وكوادرها الثقافية والجامعية، ويتدرج في ترجمة عناوين الوحدة والعناصر المشتركة ليمثل ذلك نموذجاً مشتركاً يمكن تقديمه لكل من يحتاجه في المنطقة كلها، وما اكثر هؤلاء.

يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.

8 آذار 2019 00:00