الحصاد الذي عرضته القوى النقابية في 14 آذار، وأعلانها الفوز بـ5 نقباء من 6 يعلن أمرين متممين لبعضهما البعض: الأول يتمثل بحجج النجاح وطبيعته السياسية والنقابية. أما الثاني فينحصر بالمترتبات الناجمة عن ذلك، وهي غاية في الدقة والخطورة إن لم يتم تثميرها بجدية.
في ما خص النجاح وطبيعته، أظهرت النتائج أن قوى 14 آذار عاقدة العزم على استعادة المبادرة في البلد من طريق الفعل السياسي وضمن منطق ديموقراطي. وليس من سبيل أمثل الى ذلك، إلا القطاع النقابي بما هو حجر أساس في المجتمع المدني ونقطة مركزية وجوهرية في إطلاق حيوية سياسية من طبيعة ديموقراطية.
أما في ما عنى النتائج المباشرة لهذا النجاح، فهي تتمثل بحجج المسؤولية الملقاة على عاتق الجميع في 14 آذار لعدم العودة الى الوراء تحت وطأة المحاصصة أو تحت غواية عدد المقاعد لهذا الفريق أو ذاك.
كان بإمكان القوى السيادية أن تمتلك المقاعد الست لولا شطط القراءة الذي رافق الانتخابات في نقابة المحامين في الشمال. والتوقف عند هذه المحطة هدفه استلهام العبر والدروس، واعتبار ما حصل جرس إنذار وتنبيهاً للحيلولة دون تكرار الأمر، ويسع المرء أن يتذكر في هذا السياق قول الفيلسوف كارل ماركس إن التاريخ لا يعيد نفسه مرتين وإن فعل، فعلى شاكلة مأساة أو مهزلة.
لقد شكلت الانتخابات النقابية بحيثياتها المهنية إعلاناً أولياً صادقاً وجاداً حول إمكانية إعادة الزخم للحياة السياسية بطريقة ديموقراطية إنما من ضمن رؤية واضحة تتناول الأمور بدقائقها وتفاصيلها، ولا تتناولها تناولاً عارضاً وتهويمياً.
والصحيح أن تيار المستقبل كان بمثابة بؤرة التوهج في الفعلين السياسي والنقابي وعلامة جمع ـ إذا صح التعبير ـ بين القوى السيادية المتنوعة، إلا أن ما ينبغي التأكيد عليه هو أن ذلك ما كان ليحصل لولا أمرين أساسيين:
الأول: يكمن في ما أرساه الرئيس الشهيد رفيق الحريري من علاقات صادقة وموضوعية مع النقابيين، مقدراً اياهم وتضحياتهم في ميادينهم وعطاءاتهم الحرة من أجل وطنهم، وهي عطاءات جاورت حدود الإبداع.
أما الأمر الآخر، فهو أن حسن الإدارة التي تجلت بإداء قطاع المهن الحرة في التيار كان له أبلغ الأثر في ما وصلنا إليه جميعاً.
ولم يكن لهذا النجاح أن يجد طريقه لولا الإطار والبعد السياسيين اللذين شكلهما رئيس كتلة المستقبل النيابية سعد الحريري بوصفه قائداً سياسياً لحالة شعبية حسمت خياراتها وانتماءاتها الوطنية الاستقلالية.
قد يكون الانتصار ليس جديداً في قطاع المهن الحرة، وهو أمر تحقق في أوج قمع الأجهزة الأمنية للحريات وللعمل النقابي وفي عز الحملة على الرئيس الشهيد، لكن ما ينبغي التوقف عنده هو الانتصار في لحظة يشهد البلد فيها انقساماً عمودياً وأفقياً في آن، وبالتالي ما تحقق هو نجاح منقوص ما لم يستكمل بانتصار في الانتخابات النيابية المقبلة. وهذه لها قصتها ومعطياتها لاحقاً.
يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.