في غمرة الاحداث المتصاعدة في لبنان والمنطقة وفي ظل العلاقة المتشنجة بين الولايات المتحدة الاميركية وبعض الدول الاسلامية، عقدت جلسة حوار "لطيفة" بين المرجع العلامة السيّد محمد حسين فضل الله وديبلوماسي اميركي مخضرم كان عضواً في الكونغرس الاميركي لأكثر من عشرين سنة وسفيراً لمحاربة الجوع والفقر، ومسؤولاً عن ملف انساني كلفه به الرئيس الاميركي جورج بوش وناشطاً للسلام بين الولايات المتحدة والعالم العربي.
ويبدو أن الجلسة حاولت ان تقبض على ناصية المشكلة المتفاقمة في المنطقة من زاوية الفقر والجوع بالاضافة الى العنوان الذي ركز عليه المرجع فضل الله في تأكيده أنّ الادارة الاميركية لا تتحمّل فقط مسؤولية ما يجري من حروب وما يحدث من فتن في المنطقة بل تتحمل ايضا مسؤولية "إفقار المنطقة".
في بداية الجلسة رحب "السيّد" بدور المسؤول الاميركي، مشيراً الى ان هذا الدور يلتقي بطريقة وبأخرى مع دور "جمعية المبرات الخيرية الاسلامية" وعملها لمساعدة الفقراء والمنكوبين والمرضى والايتام.
وقال: "نحن نعتقد ان مشكلة الفقر هي التي تؤدي الى الانهيار في الواقع السياسي والامني وكلما حاربنا الفقر اكثر فتحنا ابواب السلام اكثر، كما ان محاربة الارهاب تفترض معالجته بدراسة المشاكل الحقيقة للشعوب المستضعفة والفقيرة ولا سيما في افريقيا، فالارهاب لا يحارب بالقوة بل بالعمل على دراسة اسبابه ومقدماته، لأن الارهاب تمثّله جماعات صغيرة هنا وهناك ولا يمكن محاربتها بالجيوش النظامية، بل لا بد من دراسة تأخذ في الاعتبار الاسباب الاجتماعية التي تنعكس على الواقع السياسي، كما تأخذ بعين الاعتبار المشاكل الامنية والسياسية وانعكاسها اجتماعياً، ولذلك لاحظنا ان الاحتلال في العراق خلّص العراقيين من صدام حسين لكنه جعل العراق ساحة رئيسية للارهاب".
أُطرب الضيف الاميركي لسماع كلمات متدافعة من "السيّد" وهو يحدثه عن خطر الامراض في افريقيا خصوصاً مرض نقص المناعة المكتسبة "الايدز" وعن الفوضى والفقر وأثرهما على الواقع السياسي، مشيراً الى الواقع الفلسطيني والى مسؤولية اميركا في إفقار الفلسطينيين من خلال تغطيتها للحصار الاسرائيلي.
وقال فضل الله "لا يمكن حل الفوضى التي تنطلق في فلسطين الى جانب العنف الذي يمارس ضد الفلسطينيين الا من خلال خطة اقتصادية يشعر فيها الانسان الفلسطيني انه قادر على العيش بكرامة وسلام وهنا نسأل عن دور منظمات حقوق الانسان وغيرها".
واضاف موجهاً كلامه الى الديبلوماسي الاميركي ان "خطأ ادارتكم هو انها اعتبرت المسألة الفلسطينية مسألة أمنية مع العلم أنها مسألة سياسية بإمتياز، ثم ان الحديث عن الاعتراف باسرائيل هو امر غير واقعي بصرف النظر عن الموقف الشرعي. والسؤال هل تعترف اسرائيل بالشعب الفلسطيني وهل تمارس اميركا دورها في هذا المجال. المشكلة ان السياسة الاميركية حتى سياسة الكونغرس ليست واقعية ومنحازة تماما لاسرائيل ولا تلاحظ حتى الظروف الاجتماعية الصعبة للشعب الفلسطيني مع ان الجميع يعرفون أنه اذا لم تحل القضية الفلسطينية بشكل عادل ومستقل فسوف تبقى المنطقة كلها في حالة اهتزاز امني وسياسي وسوف تخسر اميركا الشارع العربي والاسلامي حتى لو ربحت على مستوى الانظمة، إنكم تتحدثون عن الديمقراطيات ونحن نسأل ايٌ من هذه الانظمة جاء بطريقة ديمقراطية؟".
وأثار مع الديبلوماسي الحديث الاميركي المتكرّر الذي يأتي تحت عنوان "لماذا يكرهوننا؟". وقال فضل الله: "إن العرب والمسلمين لا يكرهون الشعب الاميركي، نحن لا نحب سياستكم ولذلك عليكم ان تعملوا ضمن اجندة جديدة قبل ان تتفاقم الامور اكثر وتتعقد العلاقة اكثر".
وأثيرت في الجلسة مسألة الحوار بين الاديان فأكد السيد فضل الله "اننا ندعو الى لقاء الاديان خصوصا المسيحية والاسلام حتى اليهودية فنحن كمسلمين نعترف بالسيد المسيح فهو نبي الله ونقدّس امه العذراء مريم ونحترم الانجيل ونقدّسه كما نحترم القرآن ونحترم النبي موسى ونقدّس التوراة وندعو الى الحوار بين الاديان على اساس ان تلتقي في ما تتفق فيه من القيم الروحية والاخلاقية والانسانية وتتحاور في ما تختلف فيه في الامور العقدية وغيرها. فمن الناحية الدينية لا توجد مشكلة بيننا وبين المسيحيين واليهود، مشكلتنا مع اسرائيل هي مشكلة سياسية والذين اضطهدوا اليهود هم الغربيون، امّا في البلاد المسلمة لم يتعرض اليهود لاي اضطهاد البتة".
وختم فضل الله قائلاً "ندعو الى سلام العالم على اساس القيّم الانسانية التي تلتقي عليها الشعوب".
وقبل ان ينفضّ الاجتماع، طلب الديبلوماسي الاميركي من السيّد فضل الله السماح له بتلاوة دعاء اقتبسه من حبه للسيد المسيح وفيه: "اللهم بارك هذا الرجل العظيم وبارك شعبه وساعدنا كي نتعاون معه ونعمل لحل المشاكل بيننا".
يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.