دق نقباء المهن الحرة في لبنان ناقوس الخطر إزاء الوضع المتردي في البلاد على الصعد كافة، وتداعى السلف والخلف لما اعتبروه المسؤولية الوطنية الكبرى في التبليغ والتصويب بعدما وصل حال البلد الى ما وصل اليه وبدأت الادمغة المنضوية تحت هذه النقابات بالهجرة الى حيث الامان المكاني والاستقرار النفسي والعملي.
النقباء الذين يمثلون شرائح القوى اللبنانية السياسية والطائفية توحدوا في مؤتمر وطني مركزي في فندق الموفنبيك امس للبحث في الوضع المتردي في البلاد واتخذوا الموقف المناسب الموحد من الاحداث الجارية بلغة سياسية واحدة ودعوا المسؤولين السياسيين الى عقلنة وعلمنة الخطاب السياسي اللبناني والعودة الى الضمير والحس الوطني قبل فوات الاوان.
بداية تحدث رئيس اتحاد نقابات المهن الحرة سمير ضومط فقال: "تداعينا الى هذا اللقاء، حيث اننا لا نملكُ سوى تكرار نداءات التعقل. والجهة المطالبة بالتعقل، اليوم، ليست نحن اصحاب المهن الحرة ولا المواطن اللبناني ولا الشباب الذي نزل الى الشارع والذي يتحول في بعض الأحيان الى محرقة توقد فيها طموحات الزعامات السياسية والطائفية، بل مطالبة بعض الزعامات السياسية بالعودة الى الضمير والحس الوطني والمنابر الإعلامية التابعة التي حركت الغرائز وشحنت الأجواء الطائفية والمذهبية، الى الحد الذي لا أحد يستطيع ضبطها بعد ذلك.
إن سيادة لغة الانكار المتبادل والتخوين جعل الخطاب السياسي والاعلامي يتدنى الى مستوى مخيف من الشحن الطائفي والمذهبي الذي لم يسبق ان عرفه اللبنانيون من قبل وبتنا نعيش مقدمات الحرب الأهلية ونتلمس مظاهرها على الارض، بعدما وصل الانقسام المذهبي الى داخل البيت الواحد والعائلة الواحدة. ولم يعد يفيد اللبنانيين ذلك النوع من التكاذب المشترك حول الوحدة الوطنية.
وعاد الشباب اللبناني هدفاَ للتعبئة لتشكل وقوداَ للحرب، فتحولت الجامعات معاهداَ لتخريج المقاتلين بدل حملة الشهادات العلمية، وهُجّرت الأدمغة والكفاءات على انواعها وأقفلت ابواب الحياة الكريمة امام اصحاب المهن الحرة واستنزف العقل اللبناني بدون فرص للعمل".
اضاف: "لا يمكن اجتناب الذهاب الى الهاوية التي يسير البلد حثيثاَ نحوها من دون العودة الى منطق الحوار والتوافق على تسوية سياسية بين قوى الصراع تبدأ بالاتفاق على تشخيص الأزمة بانها ناجمة بالدرجة الاولى من غياب مفهوم الدولة وتطبيقاته الدستورية والسياسية والاقتصادية والامنية، ومن التوافق تالياَ على ان جوهر المعالجة ومفتاح الاصلاح يكمن في بناء دولة مدنية ديمقراطية قادرة وعادلة.
وتوجه الى جميع الهيئات والفعاليات والشخصيات الاقتصادية والعلمية والثقافية والفنية والمهنية، والى كل الذين تضرروا ويتضررون من استمرار الشحن المذهبي وتأجيج الفتن والتوتير، الى رفع الصوت والضغط، لفرض الحل ووقف الانهيار والاصلاح وتجنيب وطننا وشعبنا البقاء في دوامة الأزمات، لقد أصبح ملحاً فعلاً أن نساعد انفسنا على وقف انهيار لبنان كوطن وإعادة إعماره، في كل المجالات، وأن نسهم في ايجاد الحل خارج أي تدخل أجنبي او ضغوطات. والفكرة المطروحة في هذا المجال من قبل قوى زمنية وروحية لبنانية، يمكن أن تأخذ مكانها في الحل، فتتقدم به بإتجاه طاولة حوار وطني تمكِن اللبنانيين من التوصل، بكل سيادة، الى وفاق سياسي ومؤسسي جديد، وتؤدي الى اعادة تشكل جديدة للسلطات.
وتحدث نقيب المحامين في لبنان بطرس ضومط فقال، من منا اليوم لا يعيش تداعيات المحنة التي يتعرض لها لبنان المحنة السياسية القاسية. من منا لا يخشى الأزمة السياسية وتداعياتها على الوحدة الوطنية. لأننا نخشى على الكيان وعلى تكوين البلد لبنان. لأننا نخشى على السلم الأهلي. لأننا نخشى من الفتنة المذهبية والطائفية والدينية التي بدأت تباشيرها تطل علينا. لأننا نخشى من التدمير الاقتصادي المنهجي الذي يصيب البنى الاقتصادية. لأننا نخشى هجرة أبنائنا، وكأننا أصبحنا نولد الابناء ونعلمهم، نعلم اولادنا، لنصدرهم لاحقاً الى الخارج. من اجل ذلك كله كان هذا اللقاء اليوم، لاننا نحن نقابات المهن الحرة وأصحاب المهن الحرة، لأننا الفئة التي يعّول عليها كثيراً في الرأي العام. ونحن نتميز بالعدد الكبير، إذ ان هناك ما يقارب 80 الف منتسب الى هذه النقابات.
من أجل هذا كله كان هذا اللقاء".
وانطلاقاً من دورنا الوطني ونشدد على الدور الوطني لنقاباتنا ولدورنا، فإننا شئنا لهذا اللقاء ان يكون صرخة مدوية نطلقها عبر موقف ندعو فيه جميع السياسيين والقيادات والمسؤولين الى التعقل نقول لهم "كفى جنون" كفانا، لا نريد ان يذهبوا بنا الى الهاوية. يجب ان يتعقل الجميع، لأنه اذا استمررنا على هذا المنوال وعلى هذا النحو لا شك اننا سائرون الى الهاوية، الى شكل آخر أو اشكال اخرى من اشكال الحرب.
ثم القى نقيب المحررين ملحم كرم كلمة قال فيها: حالة البلد تعرفونها. حالة الانقسام بغية التقاسم حتى يوم لا يبقى شيء نتقاسمه. هذه الحالة.. حان آوان الطلوع منها. ويا ليت الطلوع من حالة البحران والضياع يكون لبنانياً. لَكَم اشتهينا فعلاً كبيراً يحمل لافتة "صُنع في لبنان". يا ليت اللبناني، يستطيع، في حومة المعاناة والتصبُّر، وضع حجر الأساس للقرار اللبناني" الذي لما يزل عصيّاً. تعالوا نكتب صكّ التعايش الحقيقي بيننا. صكّ الثقة. فتكون لنا، إذذاك، حكومة تحكم بالحق.. وتكون لنا، إذذاك، محكمة تقول كلمة العدل في "الحقيقة".
بعده كانت كلمة لنقيب الاطباء في لبنان ماريو عون وجاء فيها: علينا العمل لوقف الفتنة في بلدنا فلتوقف التدخلات الاجنبية في شؤوننا. ليتركونا لنجد الحلول لمشاكلنا. فليعود السفراء لممارسة مهامهم فقط، دون ممارسة وصاية بلدانهم علينا. فلتوقف الحملات الاعلامية من هنا وهناك والتي تشحن النفوس، علينا مسؤولية وطنية كبرى خارج اطار المحاور والانقسامات السياسية والطائفية والمذهبية والمناطقية وبالتالي علينا البدء بممارسة الضغوطات على كافة الافرقاء.
ثم تحدث نقيب الصيادلة في لبنان الدكتور صالح دبيبو فقال: إن الوضع العام الذي يسود اليوم ينذر بكارثة حقيقية على مستوى الوطن. إن الشعور السائد اليوم أن خيطاً رفيعاً يفصلنا عن الانهيار الكامل وأن لا قدّر الله فإن أي خسارة لن تفيد إلا أعداء الوطن. علينا جميعاً بالعمل الحثيث في قطاعاتنا أن نقوم، بالإضافة الى دورنا المهني، بواجباتنا التي تمليها علينا مناقبيتنا وثقافتنا الى توجيه أعضاء نقاباتنا الى الابتعاد عن كل أنواع الشحن الطائفي أو المذهبي أو المناطقي، وأن يكون الحوار الإيجابي عنواناً، علنا ننجح في مسعانا للحفاظ على وطننا.
واستشهد بقول الشهيد الرئيس الحريري ونحن في ذكرى استشهاده: "مش مهم مين بيروح ومين بيبقى المهم يبقى البلد".
والقى نقيب اطباء الاسنان البروفسور انطوان كرم كلمة جاء فيها: ان الازمة الراهنة لم تعد تحتمل انصاف الحلول، والمعالجة برأينا تبدأ باعادة تكوين السلطة ومؤسساتها على اساس عادل وسوي والشروع بعملية اصلاح سياسي شامل يقوم على القبول بالشراكة الكاملة بين جميع اطياف المجتمع اللبناني على اساس ثابت لا يتزحزح وهو وحدة الارض ووحدة المصير، تفعيل الديموقراطية والحفاظ على الدستور والقوانين مع احترام خصوصية التركيبة اللبنانية على ان لا تشعر اي من الفئات او الطوائف بالغبن او بالعزلة، الاصرار على المسائلة، الابتعاد عن التجاذبات الخارجية ورفض الدخول في سياسة المحاور، على كل طائفة او مذهب ان تتنازل عن بعض طموحاتها لانجاح الشراكة في الوطن.
اخيرا علينا حل خلافاتنا بعيدا عن كل اقتتال وتخوين بين ابناء الوطن الواحد.
والقى نقيب المحامين في الشمال عبد الرزاق دبليز كلمة جاء فيها: للخروج من هذا المأزق، لا بد لنا ان نقف امام الامور التالية:
أولاً: ان العنف لا يحل شيئا في لبنان، بل ان اعتماده يزيد الامور تعقيدا.
ثانياً: ان الاستقرار الامني لا يكون ولا يوجد دون الاستقرار السياسي، ولا استقرار سياسيا دون سلطة مستقرة، لذلك لا بد من الحوار الصادق، لان لبنان لا يحكم الا بالتوافق، وان يكون سلاح الجيش هو السلاح الوطني الوحيد.
ثالثاً: يجب ان لا يكون هناك غالب ولا مغلوب بين اللبنانيين، بل يجب ان يكون الوطن هو الغالب والمنتصر.
أضاف، لقد آن الاوان ليتعلم اللبناني، وان يضع مصلحة وطنه فوق كل المصالح والاعتبارات، لان لا محل ولا مكان له عزيزا كريما في كافة دول الارض وكاملها الا في وطنه، وبذلك يكون التحدي الكبير والعظيم امام الجميع، لان البلد ينهار ولا شيء ينقذه من صراع المحاور والمصالح، سوى اعطاء الاولوية للمصلحة الوطنية اللبنانية.
وتحدث نقيب المهندسين في طرابلس عبد المنعم علم الدين فقال: "كلمتي هي نداء الى كل مسؤول في هذا الوطن.
باسم الشباب ادعوكم الى ان لا تمنعوا اريج الياسمين من ان تفوح في الوطن وخارج حدوده، ولا تمنعوا ماء الوطن العذب من ري الشفاه العطشى الى السلام والامان هي كلمة من تحت الحصار لشباب يؤمن بأن الوطن فوق الحصار والاسوار. من مهندسي لبنان صرخة الى سياسيي لبنان، طمئنوا الشباب وقولوا لهم: لا تهاجروا، مزقوا جوازات السفر.. فالوطن ليس حقيبة.. والحلم الذي نحلم به كل يوم، لغد مشرق، يمكن ان يصير حقيقة.
وقال نقيب اطباء الشمال الدكتور غسان رعد، "نجتمع اليوم بشكل استثنائي، وفي خوف استثنائي، وفي خطر استثنائي. فالبلد، كل البلد في مرحلة التفتت. وقد نفيق يوماً على بقايا وطن واشلاء وطن. مزقه أبناؤه بغياب العقل والتعقل. على وتيرة احتقانات وردود فعل ومكابرة وعض الأصابع.
والقى نقيب اطباء الاسنان في الشمال الدكتور فادي كرم كلمة جاء فيها: "تعالوا نناشد هؤلاء القادة، ان يضعوا فقط مصلحة لبنان فوق كل اعتبار وليس مصلحة مشاريع كبرى تطرح من هنا او هناك، وان يعملوا لتأمين الافضل للاجيال القادمة، بوضع اسس اقتصادية واجتماعية، تسهل حياتهم. فلا يحاولون مصادرة المستقبل، وليتركوا لهذه الاجيال الجديدة امكانية التفكير واجتراح الحلول، لا ان تبقى مرهونة بشعارات اطلقوها هم، وسجنوهم فيها".
البيان الختامي
وعقدت الجلسة الثانية حيث جرت المناقشات بين النقباء الحاليين والسابقين وتمت صياغة البيان الختامي الذي تلاه نقيب المحامين في لبنان بطرس ضومط وجاء فيه:
وعياً منا للإخطار المُهّددة الوطنَ اللبناني في عمق وجوده وفي مكونات خصوصيته، ووعياً منا للدور الوطني الذي لا يقبل أبناء المهن الحرة، وهم ركيزة أساس في قطاعات كبيرة من التكوين الوطني، إلا أن يتمرسوا به كاملاً، وإيماناً بأن للكلمة الصادقة العاقلة فعلها في النفسية العامة التي من الحرام أن تتآكل بفعل المعاناة، واعتبار كلمات النقباء وثيقة اساسية من وثائق هذا اللقاء. وحرصاً منا على وقفة وطنية مؤمنة، عقلانية، راسخة، نعلن حرصنا على توطيد المسلمات الوطنية الآتية:
1) دعوة الفرقاء كافة الى التقيد بعقلنة وعلمنة الخطاب السياسي والالتزام بأصول اللياقة والابتعاد عن الشحن المذهبي والطائفي.
2) الحفاظ على الوطن النهائي في ظل تأمين الحقوق لكل من أبنائه وترتيب الواجبات على كل منهم بالتساوي أمام القانون.
3) الحفاظ على المؤسسات وتفعيلها ودستورية القرارات وقدسية النصوص وحماية روحيتها من الافتئات والتجاوز.
4) مع تقديرنا للوساطات الشقيقة والصديقة، فان انتظار ولادة الحلول من الخارج والتخلي عن اجتراح الحلول الداخلية يؤدي الى التخلي التدريجي عن استقلال لبنان.
5) التحذير الرافض كل أسباب الفتنة ورفض الاقتتال بأي شكل من الاشكال. لعّلنا نتعّلم من تجارب تاريخنا، ما يحدونا على التبصّر العاقل، فلا ننساقَ كما جرى في السابق في حُمّيا دفع الخارج الى ما يعمل مصالحه عندنا على حساب مصالح المواطنين والوطن.
6) اعتماد الحوار وسيلة وحيدة لخاتمة أبعد بكثير من عملية كسب الوقت بإضاعة الوقت، وهو ما ندعو السياسيين والقادة الى ضرورة الالتزام به حفاظاً على الوحدة الوطنية والسلم الأهلي.
7) تأكيد المبادئ العناوين التي يقوم عليها لبنان متعافياً: الحرية، الديموقراطية، اللاطائفية، حقوق الإنسان.
8) إقامة عدالة تمسك بالميزان القويم، فتقول الحق، وتُقيم الحقيقة، فيكون، في ظلّها، الثواب والعقاب كما بشّرت بهما قوانين السماء، فترجمتها، قواعدَ وركائز، قوانين الأرض.
9) تأكيد طموحنا الدائم المستمر الى رفعة تتناول الفكر في كل المجالات المهنية، لا سيما في الإعلام الحامل المسؤولية الجسيمة في التصّدي لكل ما يُفرّق وما يخوّن، ونشر ما يقرّب بين المتعارضين من دون أن يتعرّض صدق الخبر ووضاءة الرأي لأي شيء كان ينال منهما.
10) الالتزام باتفاق الطائف نصاً وروحاً لأنه الطريق الأمثل لضمان وحدة لبنان ومنعة كيانه.
11) العمل على وضع حدّ لهجرة الأدمغة التي تعاظمت في إطار نقابات المهن الحرة.
12) كتابة ميثاق شرف نتعّهد جميعاً الالتزام ببنوده مقترحين أن يُستوحى من المسلّمات التي نعلنها اليوم.
13) اعتبار نقباء المهن الحرة لجنة دائمة وترك جلساتها مفتوحة لمتابعة التطورات ووضع برنامج تحرك يعلن عنه في حينه والعمل على تطبيق هذه المُسلّمات والمبادئ ومتابعة توصياتها باستعجال اللقاء مع مختلف القيادات بدءاً بأركان طاولة الحوار الوطني".
يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.