"العمل البلدي في الولايات المتحدة متطور جدا وتتمتع المجالس بصلاحيات واسعة، اداريا وماليا، استطاعت البلديات تجاوز الروتين الاداري وتمكنت من تقديم خدمات اشمل واسرع الى المواطنين بغية تلبية حاجات تتلاءم وتحديات العصر".
بهذا الانطباع الاولي خرج رئيس بلدية بيروت عبد المنعم العريس بعد زيارة قام بها وعدد من رؤساء البلديات الكبرى الى الولايات المتحدة الاميركية وضمنها العاصمة واشنطن.
تقديمات من الولايات الى البلديات، واخرى من الحكومة الفدرالية الى المجالس تبدأ بإنشاء طرق سريعة وجسور وانفاق ووسائل نقل جماعي، وتمر على دعم التعليم والامن وتبلغ حد تنفيذ برامج للخدمات الاجتماعية.. هذه المشاريع وغيرها اثارت اعجاب رئيس بلدية بيروت، خصوصا ان تأثيراتها انعكست ايجابا على السكان والمجالس في آن واحد. وقد "خبر" وزملاؤه، هذه التجارب في جولات دامت نحو اسبوعين بدعوة من الوكالة الاميركية للتنمية الدولية DIASU وجامعة ولاية نيويورك في الباني. صحيح ان المشروع اندرج ضمن سلسلة برامج تنفذها الوكالة والجامعة في لبنان منذ اعوام، تهدف الى دعم العمل البلدي، الذي يمثل حجر الزاوية على مستوى اعادة بناء النظام الديموقراطي، الا ان التجربة وفرت اطلاعا ميدانيا على آلية عمل انظمة جديدة وافسحت المجال امام اختبار تشريعات واجهزة، فضلا عن الافادة من عناصر وموارد بشرية متطورة غير متوافرة لدى المجالس محليا. وتزامنت طبعا مع مجموعة خطوات بدأت الوكالة والجامعة في تنفيذها منذ فترة، تحديدا في بيروت. وتكفي الاشارة في هذا الاطار، الى معطيات رقمية على المستوى المالي، تظهر التطور الملموس الذي شهدته بلدية العاصمة بعد تنفيذ هذه الخطوات، اذ ارتفعت ايراداتها المباشرة من58 مليارا و338 مليون و916 ليرة عام 2002 الى 61 مليارا و350 مليونا في العام التالي وصولا الى 95 مليارا و709 ملايين ليرة عام 2004 . بذلك، قاربت الزيادة الخمسة في المئة كمرحلة اولى وصولا الى 56 في المئة في المرحلة الاخيرة.
يمكن ان تستفيد بلدية بيروت من مشاريع تعقب توقيع اتفاقيات تعاون مع البلديات الاميركية، التي يقترب عدد سكانها من عدد سكان بيروت، على ان تشمل هذه الاتفاقات المجالات التي تحتاجها العاصمة كتطوير وسائل النقل الجماعي، وتنظيم اماكن وقوف السيارات وتحديث القوانين والتشريعات البلدية ما يتلاءم وحاجات المدينة. هكذا، في رأي العريس يمكن ترجمة نتائج الزيارة الى مشاريع ملموسة. ويتطلب ذلك، على قوله، الشروع في اتصالات مع البلديات الاميركية المعنية والجاليات العربية واللبنانية في المدن الاميركية والمتحدرة من اصل لبناني. كما يبدو مفيدا في رأيه الاتصال بالنواب الذين يمثلون هذه البلديات. ويقترح مثلا ان يبدأ هذا التعاون بتحديث التشريعات وقانون البلديات ومكننة عدد من المصالح وخصوصا تلك التي تتولى الرسوم والتكليف وتسجيل عقود الايجارات وتحديث آليات فوج الاطفاء، وتدريبه وتنسيق الحدائق وصيانة الاملاك العامة من طرق وارصفة وانارة.
ويعدد العريس مجموعة اوجه تقارب بين المجالس هنا وهناك. تقارب يبدأ بالانتماءات الوطنية والرؤى التنموية لرؤساء البلديات عموما، تتخلله فروق: "الفرق بيننا وبينهم هو اننا اقرب الى مواطنينا ونتفهم مشاكلهم في شكل اسرع، ربما لان مدننا اصغر جغرافيا ولأن في بيئتنا خصوصية مميزة نظرا الى العلاقات الاجتماعية والعائلية الاكثر تماسكا. لذلك، نرى ان تحديث قانون البلديات، سيؤدي الى تسهيل الاعمال الخدماتية على ان تظهر نتائجها سريعا، وتترجم تقدما وانماء وفرص عمل في كل المناطق". ويقوده كل ذلك الى المطالبة بتعديلات على مستوى التشريعات والتقنيات والعناصر البشرية تشمل مثلا: اعادة صوغ قانون البلديات الحالي للوصول الى قانون مرن واضح تعطى بموجبه البلديات اوسع صلاحيات، مكننة العمل البلدي والخدمات، استعمال احدث التقنيات في اعمال الصيانة والتأهيل تترافق مع اعداد دورات تدريب للكوادر والعناصر البشرية، كي تأتي الاعمال على مستوى الطموحات. ويوضح: "مشاكلنا تختلف عن مشكلات البلديات الاميركية بعض الشيء لان الكثير من الاعمال التي تنفذها المجالس الاميركية، تبدو في لبنان على عاتق الدولة مثل التعليم والامن، القضاء، الصحة العامة، التقديمات الاجتماعية، السجون. ويمكن توظيف ذلك من خلال التركيز على خدمات اخرى مناطة بالبلديات، بعد اقرار قانون البلديات الجديد طبعا".
وشملت زيارة رؤساء البلديات الاميركية سلسلة لقاءات في مقر البنك الدولي تناولت كيفية تمويل مشاريع انمائية، خصوصا ان لدى بيروت اولويات على هذا المستوى. وقد لاحظ العريس تفهما واضحا لمشاكل البلديات اللبنانية بعدما بدا له انهم (اي مسؤولو البنك الدولي) "على بينة من مشاكلنا ومعوقات العمل البلدي لدينا، علما ان مساعدات البنك وتقديماته، تمر بمعظمها عبر الحكومة المركزية. وقد تؤثر السياسة المحلية فيها". يقول رئيس بلدية بيروت ان المؤسسة الدولية طورت آلية تعاونها مع البلديات في شكل يمكنها من التنسيق مباشرة مع المجالس: "وهذا يناسبنا لاننا نحتاج الى تنفيذ مشاريع يضفي عليها البنك الدولي طابع الجدية والشفافية وحسن التنفيذ الى المتابعة الحثيثة لما يقوم به البنك، سواء على مستوى تحضير الخرائط والتنفيذ والتمويل". ويعدد في هذا المجال مشاريع كثيرة تود بلدية العاصمة تنفيذها بطريقة الـ T.O.B وخصوصا ان البنك الدولي ابدى استعدادا للمساهمة كشريك في نسبة منها على غرار مشاريع تأهيل الواجهة البحرية وتجميلها، وقد ارسلت البلدية المشروع الى البنك الدولي لدرسه، تنفيذ جسور وانفاق، مشروع نقل جماعي وطرق سريعة، تركيب عدادات لمواقف السيارات واشارات ضوئية، استكمال فصل مياه المجاري عن مياه الامطار والسيول، تأهيل حدائق عامة ووسطيات.
رئيس بلدية بيروت الذي عانى طويلا تداخل الصلاحيات مع المحافظة، يأمل مجددا في "توحيد السلطة في المدينة في شخص الرئيس بدلا من التشرذم الحاصل بين سلطة تقريرية ممثلة برئيس البلدية وسلطة تنفيذية ممثلة بمحافظ بيروت7-7-. ولا يفوته التنويه بالجهد "الجيد والدقيق" الذي بذلته الوكالة والجامعة و"هو جهد لمسنا نتائجه بسرعة بعدما قامت الجامعة بتحديث المصلحة المالية ومكننتها علما انها تتولى راهنا مكننة مصلحة الهندسة".
وفي استعادة للبرامج المشتركة في البلدية مع الوكالة والجامعة، يبرز مشروع إعادة تصميم الاعمال المالية وتنظيمها بدءا من إعداد الموازنة وتنفيذها وصولاً الى تنظيم الواردات وتحققها وتحصيلها. وقد ادى ذلك الى تفعيل تنفيذ الموازنة وتعزيز الشفافية في اعدادها. الى ذلك، أعدت الجامعة نماذج موحدة لمعاملات المواطنين، وطورت أنظمة معلوماتية شملت تنظيم تحقق رسوم البلدية وتحصيلها، وإعداد الموازنة وتنفيذها، وإعتماد أنظمة المحاسبة على أساس القيد المزدوج وتنظيم ملفات الموظفين والمتعاقدين والاجراء وأصول الرواتب والتعويضات. وفي تنظيم الاعمال المالية، برمجة لدوائر التحقق والتحصيل والتصفية والصرفيات والخزينة وربطها من خلال الأنظمة المعلوماتية عبر قواعد بيانات مركزية، فضلا عن تجهيز المصلحة المالية بشبكة المعلوماتية وتدريب الموظفين بالتزامن مع إطلاق موقع الكتروني للبلدية. كما طلبت البلدية إعداد دراسة تفصيلية خاصة بمصلحة الهندسة ومصالح اخرى، وذلك بعد نجاح التجربة في المصلحة المالية. وتتضمن الدراسة مجموعة خطوات تهدف الى تحديث العمل وتحسين الاداء الوظيفي في المصلحة وتوحيد أساليب العمل فيها وصولا الى تسهيل عمل الموظفين الفنيين ومساعدة البلدية في التخطيط الحديث.
في اي حال، يرى مدير مركز التنمية التشريعية في جامعة ولاية نيويورك في بيروت محمود البتلوني ان "نجاح تجربة المساعدة المقدمة الى بلدية بيروت، له اثر واضح في تطوير الاداء الاداري ليس فقط على الصعيد البلدي انما على صعيد الادارة العامة ايضا". ويقوده ذلك الى التذكير مجددا "بأهمية اعادة بناء الديموقراطية، من قاعدة الهرم، من خلال تفعيل اداء المجالس المحلية".
يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.