ابداع جديد حققه لبنان بفوزه باستضافة مركز اتحاد المهندسين العرب في بيروت، لتكتمل حلقة الاتحادات الموجودة فيه بعد اتحاد المصارف واتحاد الغرف العربية وليثبت أنه ما زال رائداً في محيطه ومتميزاً بعراقة حريته وديموقراطيته.
ولا يمكن لأحد أن يغفو عن الأدمغة اللبنانية التي أبدعت وحلقت في المشغلات والنقابات العالمية، وأحد هؤلاء المبدعين رئيس اتحاد المهندسين العرب النقيب سمير ضومط، الذي لم ينفك عن العمل لإبراز دور لبنان، وإعادته الى الخريطة الهندسية العالمية، وحصد بذلك مركزين أساسيين هما رئاسة اتحاد المهندسين العرب ونائب رئيس الفيدرالية الهندسية العالمية بعدما مارس دوره كنقيب للمهندسين في بيروت لدورة كاملة مستمدة من خبرة عمرها أكثر من عقدين من الزمن، قضاها كعضو في النقابة. وخاض ضومط أشرس المعارك لإيصال هذا البلد الصغير الى مصاف الدول المتقدمة.
***
"المستقبل" التقت النقيب ضومط وحاورته عن انتقال مركز الاتحاد الى بيروت فقال:
" تأسس اتحاد المهندسين العرب وكان مركزه القاهرة من 6 هيئات هندسية عربية كان لبنان من ضمنها، ولعب هذا البلد الصغير بحجمه والكبير بفعاليته دوراً ريادياً، لأن عمل ومهنة الهندسة فيه لها تاريخ عريق في بيروت. فالجامعات اللبنانية هي من أولى، الجامعات في الشرق الأوسط، التي خرجت المهندسين وضختهم للعالم العربي عمراً وقيمة ومستوى، فمنذ الثلاثينات تخرّج الجامعات في بيروت المهندسين (الجامعة الأميركية واليسوعية ومن ثم اللبنانية والعربية) في الوقت الذي كان فيه العالم العربي يفتقر الى وجود كليات للهندسة. فنهضة الخليج العمرانية تميّز بها المهندس اللبناني وكان رائداً في هذه الحركة. وكانت الشركات اللبنانية هي السباقة في حقل التنفيذ والدروس. والمهندس اللبناني مهندس متميز في محيطه العربي منذ تأسيس هذا الاتحاد بمستواه الهندسي والنقابي، الأمر الذي أدى الى خلق نوع من الثقة والراحة لدى المهندس العربي سواء كان في هيئاته التمثيلية أو فردياً".
أضاف: "عندما تعثر عمل الاتحاد نتيجة الظروف التي حدثت في السبعينات نتيجة توقيع اتفاق كامب ديفيد انتقل مركز الاتحاد من القاهرة الى بغداد. وحدث ما حدث في ما بعد في بغداد أي حرب الخليج الأولى والثانية والحصار المفروض على العراق. فهذا الانتقال من القاهرة الى بغداد لم يكن موفقاً لأنه لم تتوافر له الديناميكية المطلوبة لمركز أمانة الاتحاد في بغداد كما كانت في القاهرة. وحصل جدال كبير بين الهيئات الهندسية العربية على مدى 7 سنوات ولم تحسم الى أن حدث الاحتلال الأميركي للعراق، فأصبح من المستحيل أن تمارس الأمانة العامة نشاطها من بلد المقر في بغداد، فتقدمت مصر بطلب استعادة مقر الاتحاد اليها كذلك طلبت الكويت وسوريا والأردن. لكن كان هناك في كواليس النقاشات أن الكل لديه الرغبة في أن تكون بيروت مقراً للاتحاد نظراً لما تتمتع به من رفعة في مستوى الهندسة ومن رفعة في مستوى التعليم الهندسي في لبنان فضلاً عن الدور الريادي الذي تلعبه الهيئة الهندسية اللبنانية في تأسيس ومسيرة الاتحاد، إضافة الى مناخ الحريات المتوافر في لبنان، فضلاً عن شعور عند الاخوان العرب أن لبنان لا يزال يتمتع بمناخ من الحريات وسهولة الوصول وحداثة التطوير في البنية التحتية والتواصل وعملية الدخول والخروج أسهل من كثير من البلدان العربية، سيما وأن نقابته تمارس العمل النقابي ضمن إطار ديمقراطي من حيث الانتخابات التي تجري وغيرها.
وتابع قائلاً: "إن نقل الاتحاد الى بيروت ليس لكون مناخ لبنان جميل وموقعه الجغرافي مميز، وأنه بلد ديموقراطي فقط، بل للديناميكية التي يمتاز بها المهندسون اللبنانيون وهناك أمثلة حية أمام كل العرب مثل كارلوس غصن الذي يدير شركة "نيسان" العالمية وجاك نصر الذي يدير شركة "فورد"، وكلود قمير الذي يدير شركة "ننتندو" وعبد الله عيتاني الذي يدير "جنرال الكتريك" وعمر الحسن المسؤول الكبير في شركة "مايكروسوفت". كلهم لبنانيون أداروا كبريات الشركات باقتصاديات تبلغ مليارات الدولارات".
أضاف: "من هنا كان هناك تمنٍ عند الهيئات الهندسية العربية أن تبدي الهيئات الهندسية اللبنانية رغبتها في استضافة مركز الاتحاد في بيروت وحدث ذلك. وعندما بحثنا في تونس موضوع نقل الأمانة العامة من بغداد نتيجة الظروف حصل بعض التشنجات حيث أصر المصريون أن يعاد مركز الاتحاد الى القاهرة، لكن الهيئات الهندسية العربية الأخرى تنازلت لمصلحة لبنان بالتتالي، وحصل شبه اجماع عربي على نقل المركز الى بيروت. وبقيت مصر متحفظة، وتم تسوية الوضع مع مصر، وبإمكاننا أن نعتبر أن اتحاد المهندسين العرب أصبح في بيروت طبعاً نتيجة الدعم المعنوي الذي قدمته الدولة اللبنانية لأنه قبل أن نذهب للمطالبة باعتماد لبنان مركزاً للاتحاد كنا قد أجرينا الاتصالات الأولية، وزرنا رئيس الجمهورية ورحب بذلك، والرئيس الحريري فاتح وفد الاتحاد الذي زاره "لماذا لا يكون مركز الاتحاد في بيروت؟". فقبل الاجماع العربي جاء الدعم الأساسي من السلطات اللبنانية التي أعطت الضوء الأخضر أن تكون بيروت عاصمة المهندسين العرب. ونعتبر أن هناك تطلعات ومراهنات على الدور الذي يجب أن تلعبه بيروت في هذا الإطار".
ما هي المراحل التي مرت بها عمليه انتقال مركز الاتحاد من بغداد الى بيروت؟
ـ لقد طالبت الهيئة الهندسية المصرية بإعادة مركز الاتحاد اليها، وتقدمت الهيئة الأردنية بطلب أن تستضيف الأمانة العامة ريثما يحل الوضع في العراق. بدورها الكويت تقدمت بمشروع متكامل وهي على استعداد لتقديم دعم مادي كبير لذلك. أما الاخوان في سوريا فقد أبدوا استعدادهم أن يكون المركز في دمشق. وبدأت في الكواليس اتصالات جانبية، لعب لبنان دوراً مميزاً بها كوني رئيساً لاتحاد المهندسين العرب.
وكان موقف الاخوان السوريين متقدماً جداً، حيث اعتبروا مركز الأمانة العامة في بيروت كما لو أنه في دمشق وتنازلوا للبنان وقالوا بالحرف الواحد: "نحن نريد الأمانة العامة عندنا ولكن قبلنا أن تكون في لبنان" . والموقف المشرف والملفت كان الموقف الليبي الذي قال مندوبه في الاتحاد: "إن الميزة التي تمتاز بها بيروت لا توجد في أي بلد من العالم العربي، لذلك نحن نوافق أن يكون المركز في بيروت". وعلى سبيل النكتة قال الوفد الأردني: "إننا ننسحب للكويت" فقال رئيس الوفد الكويتي: "ونحن بدورنا ننسحب للبنان إذ لو اعتمدت الكويت كمركز للاتحاد فإنها ستذهب الى لبنان خمسة أشهر للاصطياف".
ولا ننسى الدور الكبير الذي لعبه الاخوان الفلسطينيين ورئيس الوفد مروان عبد الحميد حيث شكلت النواة الأولى لدعم لبنان، والمؤلفة من البحرين، تونس وفلسطين وانضمت اليهم ليبيا وشكلوا حركة الانطلاق لدعم لبنان. وطبعاً في ما بعد سوريا وغيرها.
متى يبنى في بيروت بيت للمهندس العربي؟
ـ كل الهيئات التي تقدمت لاستضافة مركز الاتحاد عرضت مشروع المركز وتجهيزاته وتفاصيله وكوادره. نحن في الهيئة الهندسية اللبنانية بدأنا بتأمين المركز. وعندما اجتمعت مع رئيس الجمهورية قبل السفر وكان برفقتي نقيب المهندسين في بيروت صبحي البساط تحدثنا عن أن هناك مبنى لنقابة المهندسين ملاصق لمبنى النقابة تشغله كلية الإعلام والتوثيق (الفرع الأول) ونريد تحريره خصوصاً أن مباني الجامعة شارفت على الانتهاء، لأن الايجار الذي يدفع للنقابة مقابل هذا المبلغ تستطيع الجامعة اللبنانية أن تستأجر به مبنى مماثلاً وبسعر أقل. وفوراً أوعز الرئيس الى المديرية العامة للقصر الجمهوري إعداد تقرير مفصل عن هذا الشيء ليؤخد قرار سريع في مجلس الوزراء. وستشغل الأمانة العامة موقتاً في مركز نقابة المهندسين.
ماذا عن اجراءات الانتقال؟
ـ بدأت نقابة المهندسين في بيروت التحضير، وقد وصلتني اليوم رسالة من الأمانة العامة والمكتب التنفيذي يجب أن يتم الانتقال والأمين العام سيأتي خلال 15 يوماً، وهو اليوم في بغداد يوضب الأرشيف. وفي شهر كانون الأول سيعقد رؤساء الهيئات الهندسية العربية اجتماعاً استثنائياً في بيروت، وسيكون هناك مجلس أعلى قادم في بيروت، وستتلاحق الاجتماعات اللوجستية التي ستؤدي الى نقل المركز الى بيروت. لبنان ليس لديه لا نفط ولا الماس إنما لديه ثروة العقول، وهذا ما جعله متقدماً على مستوى العالم، فالجسم اللبناني المنتشر في العالم هو الذي اخترع العالم لما نخشى العالم ويصدق قول جبران "لو كان للقمر طريق لكان اول الواصلين اليه لبنانيان لبناني يحمل ريشة وآخر يحمل كشة" أي العلم والتجارة وهذه ليست متوافرة عند الكثير من الدول. نحن نتعامل مع الوجه الحضاري للعولمة وليس مع الوجه القبيح الذي تمارسه الولايات المتحدة من خلال العسكرتاريا. فبيروت لديها كل المواصفات الجيدة. لدينا الكثير من الفرص للعب دور كبير كما كنا في الخمسينات والستينات.
أضاف: "الثقة التي أتت الى بيروت أتت مضاعفة أبرزها نقل مركز مؤتمر اتحاد المهندسين العالمي، وتأسست هيئة اقليمية ذات طابع ثقافي اسمها الهيئات الهندسية للدول الفرنكوفونية سيكون مركزها في بيروت. هذا دليل ثقة دولية ذات طابع ثقافي وثقة عربية بطابع علمي. كل المؤشرات تدل أن بيروت أصبحث محط ثقة العرب والعالم. وهنا أناشد زملائي المهندسين في لبنان أن يكونوا متأطرين حول نقابتهم ويعرفوا معنى هذه الرسائل. وأناشد مجلس نقابة المهندسين في هيئاته في بيروت وطرابلس تقدير ما حدث، فهو كبير جداً، وليكونوا بمستوى ما يراه العالم الذي يراهن عليكم".
فانتقال مركز الاتحاد الى لبنان يجعله عاصمة الفكر الهندسي العربي، فهذه مسؤولية تقع على نقابة المهندسين في لبنان أن تستوعب هذه التطلعات لدور ريادي جديد، أي أن تصبح بيروت مركزاً للمؤتمرات والمعرفة والخبرات ومراكز التدريب والدورات والتنمية المستدامة ومراكز البحث العلمي. وهذا ما هو مطلوب من النقابة في بيروت، لأننا النقابة الأكثر عراقة وديموقراطية.
يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.