8 آذار 2019 | 00:00

أرشيف

الصحافيان المصري وصفا يعودان الى عائلتيهما

"من له عُمُر لا تقتله شِدة". مثل ينطبق على حال الصحافيين اللبنانيين اللذين يعملان في القناة "العربية" طلال المصري (مصوّر 30 عاما) وعلي صفا (تقنيّ 28 عاما)، اللذين انقطع الاتصال بهما في جنوب صحراء العراق خمسة أيام أثناء قيامهما بمهمة صحافية برفقة زميلهم المراسل وائل عواد (سوري).
ليل أمس وصل المصري وصفا إلى مطار بيروت واستبقاهما الأمن العام ساعتين لعدم حملهما الأوراق الثبوتية التي فقداها في الصحراء. وفي الخارج 76 شخصاً من أهاليهما ورفاقهما من تلفزيون "المستقبل" حيث عمل المصري وصفا عشر سنوات قبل انتقالهما إلى تلفزيون العربية في دبي منذ شهرين تقريباً، ينتظرون بفروغ الصبر انتهاء التحقيق للاطمئنان.
بعد انتهاء الاجراءات اللازمة، خرج طلال وعلي وعلامات التعب والارهاق بادية عليهما جراء ما واجههما في صحراء العراق، وهو أشبه ما يكون بفيلم ecnepsuS طويل، امتد اياما خمسة لا ساعات قليلة كما هو معهود. وقد استقبلهما ذووهما والأصدقاء بعاصفة من التصفيق والهتاف والعناق الحار لدى خروجهما من قاعة الوصول.
يروي طلال ما حدث معه والتأثر باد على وجهه، ويقص الحكاية للمرة الأولى أمام الأهل بصوت خافت فتصدح حناجر النسوة الحاضرات في ما يشبه الندبة "يا ويللي.. يا حفيظ".. على كل فصل من فصول روايته الحقيقية..
يجلس طلال بين والديه وقربه اخوته والأقارب، وهي اللحظة التي حلم بها في فترة التيه والضياع وسط الصحراء. إنها حقيقة لم يكن ليصدقها لولا تدخل "الباري العليّ القدير".
ويقول: "لقد خضعنا كفريق اعلامي من تلفزيون "العربية" لدورة اعلامية مكثفة مع "المارينز"، لأننا فريق سنواكبهم، وكنا مع الفرقة 101، وهي الفرقة الأولى التي تخوض المعارك مع الجيش العراقي على مشارف البصرة والناصرية والزبير".
وعندما حانت ساعة الصفر، أي ساعة الانطلاق، واكبنا سير العمليات حتى وصلنا إلى الأراضي العراقية وقمنا بتصوير مناطق عدة. وفي احدى المرات توجهنا إلى منطقة تبعد عن البصرة نحو 15 كيلومترا مأهولة بالسكان، فطلبنا الاذن من الأميركيين لدخول هذه المنطقة لاجراء تحقيق مفصل عن الوضع المعيشي والحياتي للسكان القاطنين وسط العمليات العسكرية. وبعد الحصول على الاذن دخلنا في طريق فرعية توصل إلى هذه المنطقة فصادفنا حاجزين للقوات البريطانية التي سمحت لنا بإكمال طريقنا وبعد 500 متر من آخر حاجز بريطاني تعرضنا لرمايات أصابت مؤخر السيارة "GNS" التي نستقلها، فأسرعنا للنزول منها خوفاً من التعرض لقذائف مباشرة. وإذ بنا محاصرون من عناصر لحزب البعث العربي الاشتراكي للتحقيق معنا لكوننا نرتدي ثياب مارينز، واقتادونا إلى مدرسة، وسط قصف عنيف تتعرض له المنطقة، وأثناء الليل جاء مسلحون ونقلونا إلى منزل آخر، وما هي إلا لحظات حتى انهمر قصف الطيران على المدرسة التي كنا فيها وأطبقت طبقاتها على بعضها.
وبعدما تثبتوا من اننا صحافيون لبنانيون عرباً عاملونا معاملة جيدة، وأمنوا لنا كل حاجاتنا. وفي ذات ليلة، وهي الليلة الرابعة، التي نقطن فيها في هذا المنزل، انهمر القصف العنيف قرب المنزل فهرعنا إلى الباب وإذ به مشرع من شدة القصف، فركضنا نحو 500 متر حتى وصلنا إلى حاجز بريطاني وكانت المنطقة خالية إلا من بعض المقاومين في الخنادق.
وتحدث صفا عن التجربة التي مرا بها في فترة الأيام التسعة التي أمضياها في الصحراء، فقال: "لا نستطيع التكلم الآن كثيراً، وإنما كل ما بإمكاني قوله هو اننا اعتقلنا في 21 آذار يوم عيد الأم بعدما اتصلنا بأمهاتنا لمعايدتهن. وقد اعتقلنا ونقلنا من مكان الى آخر الى أن لجأنا لأحد شيوخ العشائر وبقينا هناك حتى خروجنا بالتعاون مع بعض العراقيين الذين أوصلونا الى نقطة معينة نقلنا بعدها الى الحدود الكويتية".
سئل: لماذا اعتقلتم ومن الذي اعتقلكم؟ أجاب: كنا نسير مع "المارينز" ونرتدي لباساً خاصاً واقياً من الأسلحة الكيمياوية، فظنوا اننا نعمل معهم، فأوقفونا وبقينا معتقلين تسعة أيام والشعب العراقي قدم لنا كل العون والمساعدة، واستضافونا في احد المنازل، كما عاملنا شيخ القبيلة معاملة ممتازة ونحن نشكره جداً".
سئل: وكيف استطعتم الخروج من مكان وجودكما؟ أجاب: "لقد خرجنا بطريقة أمنية معقدة جداً لا يمكننا الآن التحدث عنها لكي لا نسبب اي أذى للأشخاص الذين ساعدونا".
سئل: هل تبلغتم أية معلومات عن الصحافي اللبناني حسين عثمان الذي ما زال مفقوداً ؟ أجاب: "الواقع لا نعرف اي شيء عنه ونحن نتمنى أن يعود سالماً الى أهله وذويه".
سئل: هل تمكنتم من اجراء أي اتصال مع ذويكم أثناء هذه الفترة؟ أجاب: "لا، لم نجر أي اتصال لأننا منعنا من ذلك".
وقد عبّر والد طلال المصري فوزي المصري عن شعوره بهذه المناسبة، فقال: "شعوري اليوم لا يوصف وهو شعور كل أب يمر بمثل هذه الازمة، وبإمكاني القول ان طلال قد ولد ولادة ثانية وهذا بفضل الله تعالى".
سئل: كيف امضيتم الفترة التي كان فيها طلال غائباً عن المنزل والأهل؟ أجاب: "لا أستطيع وصف تلك الفترة لأنني مهما تكلمت لا أستطيع التعبير عن ذلك، فالحزن كان سائداً في مختلف الأوقات الى أن وصلتنا اخبار عودة طلال سالماً معافى فسادت عندها الفرحة".
سئل: هل تلقيتم اي اتصال منه؟ أجاب: "آخر اتصال تلقيناه منه كان صباح السبت 22 الجاري حيث تحدث مع شقيقه بالهاتف، ثم انقطعت أخباره حتى صباح الجمعة الماضي".

يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.

8 آذار 2019 00:00