يلاحظ المتابع لحركة تيار الوعي أو التيار الحركي الإسلامي وغيرها من التسميات التي تتصل بمؤسسات المرجع السيد محمد حسين فضل الله، والحلقة المثقفة التي تشكلت وتتشكل من حولها، أن غياب المرجع فضل الله لم يدفع بهؤلاء إلى الجمود والتراجع بل إلى الاندفاع الذي يبرز على مستويين:
- منزل السيد فضل الله الذي يشعر الداخل إليه بأن الحركة فيه مع العلامة السيد علي فضل الله تتواصل على الطريقة التي كانت أيام والده، استقبالات للأحزاب والتيارات والشخصيات السياسية من الاتجاهات كافة، إضافةً إلى المراجعين في الشؤون الشرعية والاجتماعية والتربوية وغيرها.
- المؤسسات والتي من بينها المركز الإسلامي الثقافي ومركز الدراسات الذي يحمل اسم مؤسسات الفكر الإسلامي المعاصر والتي نظمت الكثير من المؤتمرات التي قاربت أكثر الأمور تعقيداً، في السنوات الأخيرة من مؤتمر الفلك الذي أسس للأرضية العلمية الشرعية في اعتماد الحسابات الفلكية مع بدايات الشهور وخصوصاً شهور رمضان، إلى المؤتمر الذي عالج أسباب الأزمة الاقتصادية العالمية، إلى ما يتصل بشؤون المرأة، وصولاً إلى الربيع العربي، وأخيراً المؤتمر المغلق الذي ضم النخب الإسلامية الشيعية من لبنان وخارجه والتي بحثت في ما يتصل بالموقف الإسلامي الشيعي من مجمل التحديات الراهنة على الساحتين العربية والإسلامية.
لا يبدو الأمر غريباً على مؤسسات كان مرجعها يدعو الى محاورة السلفيين وغيرهم، وقد دفع ثمن دعوته للوحدة الإسلامية بين السنة والشيعة أثماناً كبيرة.. ليس غريباً أن تندفع نخبه وكوادره لتلمس الطرق الأفضل في رسم خريطة مستقبلٍ زاهر للوطن، للأمة، للعالم الإسلامي.
بدأ الحراك الفكري يتبلور وسط الساحة الإسلامية الشيعية بعدما كثر الكلام عن مستقبل التشيّع في العالم وسط الثورات العربية، وتنطلق مجموعة من المثقفين والباحثين اللبنانيين والعرب وعلماء الدين، في إبراز منطق التعاطي مع الدين وليس مع المذهب عبر التركيز على مسألة الدعوة إلى الإسلام لا الدعوة إلى المذهب، فضلا عن النقد الذاتي وحرية الرأي، واعطاء أولوية للوحدة بين المسلمين، ونقد الخطاب الطائفي المتعصب وكل دعوات الإقصاء، ورفع الغطاء الديني عن كل الممارسات الطائفية التي تغذي نزعة الكراهية والعداء بين المسلمين وإعادة النظر بالموروث الثقافي المسيء الى المذهب.
ولبلورة الصورة الحركية الجديدة التي انطلقت من مؤتمر عقد الاسبوع الماضي في مطعم الساحة بيروت، افتتحه العلامة السيد علي فضل الله الذي رأى أن التشيع هو امتدادٌ لنهج النبوة الرسالي، وبوصلته إسلام القرآن، كما طرح بعض الاولويات الضرورية لتحسين الواقع الشيعي، تمحورت حول تعزيز مفهوم المواطنة والتنمية الفعلية للداخل الإسلامي، وتأمين حالة من الحراك الفكري بالإضافة إلى تحديد المسافات التي نقف عليها مع الآخر ومراجعتها باستمرار بما يعزز التوافق مع المذاهب الاخرى، وينزع فتائل التفجير المصطنعة التي يغذيها ويستفيد منها المتربصون شراً بالأمة الإسلامية سنّة وشيعة، داعياً إلى تأكيد أولويات الوحدة الإسلامية وممارسة الشعائر بحكمة.
يشير مدير مركز الدراسات في مؤسسة الفكر الإسلامي المعاصر الدكتور نجيب نور الدين إلى أن الرؤية العامة حيال ما تتداول به المؤسسة هي من صياغة المرجع السيد محمد حسين فضل الله، فهو الذي صاغ الرؤية ووضع المنهج لما تقوم به المؤسسة التي تضم نخبة من المتخصصين والمستشارين والإعلاميين، وعندما يتطرق نور الدين إلى المؤتمر الأخير الذي عالج في جلساته البحثية المغلقة علاقة المسلمين الشيعة بمحيطهم يقول: انه في السنوات العشر الماضية بدأ الشيعة بحراك واسع في مختلف الاقطار العربية، وأصبح لهم حضور سواء في الدول التي يشكلون فيها الأكثرية أم الأقلية. إن هذا الحراك هو ابن بيئته وهو ليس خارج السياق. وكي لا يفهم الشيعة على نحو خاطئ من اخوانهم واشقائهم الذين يشكلون واياهم اغلبية الأمة الإسلامية، ووسط التساؤلات التي تطرح عن خلفية هذا الحراك، ارتأينا كمثقفين شيعة أن نتناقش وسط الآراء المتناقضة من الحراك القائم حيث ان هناك من يؤيد وهناك من يتحسب أو يتخوف منه، خصوصا بعد الكلام عن المشروع الشيعي الخاص الخ.
ويتابع: أردنا ـ من جهتنا ـ توضيح الصورة والرؤية إلى كل من يرغب أن نجيب على أسئلته كيف يفكر الشيعة وخصوصاً المثقفين منهم وكيف يفكرون لمستقبلهم؟. نحن محكومون بخلفية رؤية المرجع السيد محمد حسين فضل الله التي يقول فيها انه ليس عند الشيعة مشروع خاص، الشيعة جزء من هذه الأمة، وهم والسنة يشكلون قوة هذه الأمة وحصانتها ومنعتها، وقضاياهم واحدة كما وأن دينهم وقرآنهم ونبيهم واحد. والقضايا الاساسية هي قضايا واحدة، ومستقبلهم هو مستقبل كل المسلمين في هذه المنطقة وأنه لا مستقبل خاصاً لهم، وكان سماحة السيد يعتبر أن الحراك الشيعي ينبغي أن ينطلق من ضمن البيئة التي ينتمي إليها وأن لا يكون موجهاً ضد أحد، فهو ليس موجهاً ضد مذهب آخر أو ضد عرق معين. إن الهاجس الأكبر هو الدخول الأجنبي على خط المنطقة على قاعدة العمل في كل ما يفرق بين السنة والشيعة، والحؤول دون التقريب بينهما، لأنهما المكونان الأساسيان في المنطقة العربية، وبالتالي الحؤول دون اقترابهما، مما يفسح في المجال أن يبقى الصراع بين الطائفتين وبالتأكيد يضعف القوتين الأساسيتين، ويفسح المجال للتدخلات الأجنبية في شؤونها. في حين أن الوحدة هي القوة المانعة والتي تحصن هذه الأمة من أي ضرر، لان هذه الأمة ليس لها غنى عن العالم، فهي تعيش على هذه الكرة الارضية على اختلافها وتنوعها، لكن هناك فرقاً في ان تدير شؤونها بنفسها وباستقلالية تامة وتقيم علاقات متكافئة ومتوازنة وتبادل مصالح مع كل دول العالم، وبين أن تكون تابعة أو مستتبعة.
ويوضح نور الدين: نحن كمسلمين شيعة ومن منطلق هذه الخلفية السياسية عملنا للتأسيس عليها، فجمعنا النخب لكوننا نعجز عن جمع رؤساء الدول ورؤساء الأحزاب، وهي تشكل عينة تمثيلية للقوى الشيعية الموجودة في المنطقة وكان هناك شبه إجماع على أن الشيعة ليس لديهم مشروع خاص في المنطقة، وأي حراك فكري أو غير فكري ليس موجها ضد احد وخصوصا ليس موجهاً ضد الطائفة السنية، بالعكس هناك هاجس عن الشيعة وقياداتهم كيف نطمئن اخواننا في المذهب السني إلى أن حراكنا السياسي أو غيره هو حراك يتكامل معهم وليس موجهاً ضدهم؟ خصوصاً بعد الأقوال عن هلال شيعي أو ارتباط شيعة العرب بإيران، كل ما يريده الشيعة، هو أن يكونوا مواطنين كغيرهم وأن يتساووا مع الآخرين في الحقوق والواجبات، وأن يعطى كل ذي حق حقه.
ويؤكد أن الغلو والتطرف ضمن الساحة الإسلامية يدمر كل المشروع الإسلامي الوحدوي ويجذر الخلافات، وينبغي الوقوف في وجه التيارات المغالية والخرافية بصرف النظر عن هويتها المذهبية، ليس بالسلاح طبعاً إنما بالفكر والرؤية والإعلام، والحد من موجات التطرف التي تريد أن تفرض رأيها على الجميع، سواء أكانت تدري أو لا تدري أنها تخدم مشروع الانقسام الذي يعمل الآخرون عليه.
يجب أن نعيد النظر في الكثير من الموروث وأن ننقي الشوائب، كما دعا المرجع فضل الله في حياته، لنقدم خطابنا بطريقة غير استفزازية خصوصاً في المناسبات الدينية التي قد تشكل استفزازاً للآخر، لنفتح المدى للتواصل بين الحركات الإسلامية السنية والشيعية الرسالية التي قد تشكل صمام أمان لأنها تمثل طلائع المجتمع التي يمكن أن تتحرك سريعاً لمواجهة أية مشكلة طارئة.
وتابع: كما أكدنا على الحرية وقضية فلسطين، لأننا جزء من هذا الحراك، لأن خلاص المنطقة هو، في أن تعبر كل مكوناتها عن قناعاتها بحرية وتكون حقوق المواطن المسلم والعربي على قدر المساواة بصرف النظر عن هويته المذهبية أو ما إلى ذلك، مشيراً الى ان أصل الفكرة كانت في العمل للقاء سني شيعي موسّع، لكن فكّرنا في أن نعمل في البداية على بلورة الفكرة الشيعية من الحراك القائم ومن ثم تتوسع الحلقة باتجاه أخواننا من أهل السنة لنصل إلى التكامل في الرؤية والتعاطي الإيجابي مع كل الملفات المطروحة على قاعدة احترام الآخر، فنخرج بخلاصات إسلامية عامة.
ويختم بالقول: إن هذا الحراك ليس ضد احد وليس مع أحد، انطلق من التحسس من مستوى المخاطر المحدقة بالمنطقة، على ضوء الفتن التي تحاك، وليس منطلقاً للتأسيس لأي كيانية جديدة تضاف إلى الكيانات الأخرى، وهو حالة فكرية ثقافية دعوية متنورة يهمها التعاطف مع قضايا المسلمين سنة وشيعة ويهمهما تشخيص الداء ووضع اليد على المشكلات الأساسية وأن يعمل لإضاءتها ومعالجتها من خلال أهل الشأن، ويمكن أن نكون واسطة خير لتنفيذها. وأن نقدم الفكرة في إطار كيف يمكن أن يفكر المثقفون الشيعة.
وقد ركزت التوصيات التي صدرت على نقد الخطاب الطائفي العصبوي والتطرف واحترام الخصوصية للمكونات السياسية وتطوير الوعي والعمل على تقليص الهوّة بين القيادات الشيعية والقاعدة الشعبية والعمل على إصلاح ما خرُب من المنبر الحسيني والمراسم العاشورائية بشكل علمي ودون انفعال أو مواقف ارتجالية وغيرها من البنود الاصلاحية التي يحتاجها المجتمع الشيعي.
يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.