فيما حذرت الأوساط الاقتصادية والتجارية من مغبة عدم الاتفاق في حوار الدوحة في قطر، وانعكاس ذلك على مجمل الأوضاع اللبنانية وخصوصاً على قطاعات الانتاج والمجتمع المدني.
بدأت تتجلى معالم الاعتداء الذي استهدف الاقتصاد الوطني سواء في العاصمة بيروت أو في سائر المناطق اللبنانية الأخرى، ورغم عدم تحديد رقم دقيق للخسائر التي ألحقها الاجتياح الحزبي الالهي وتوابعه على مقدرات البلد، إلا أن الأرقام الأولية تشير الى أنها تناهز مئات ملايين الدولارات، فضلاً عن ضرب الموسم السياحي والذي لا تقل عائداته المتوقعة للعام الجاري عن ثلاثة مليارات دولار.
الأشقر
ولخص رئيس اتحاد النقابات السياحية بيار الأشقر، وضع القطاع السياحي في لبنان عقب النصر والاجتياح الإلهي لبيروت، بأنه كارثي، وقال "العوض بسلامتكم على القطاع"، لافتاً الى أن تحسن القطاع بات مرهوناً بما سيتم الاتفاق عليه في الحوار الدائر في قطر، وما سيطبق من هذا الاتفاق، وأضاف أن القطاع السياحي في لبنان يعتمد بدرجة أولى على السياح العرب وبالتحديد من الدول الخليجية، إلا أن الخطر ما زال محدقاً والسلاح مازال موجوداً وليس من ضمانة لمنع استخدامه مرة أخرى، وقال "من من السياح العرب والأجانب يفكر في أن يأتي الى لبنان، وأن يحجز للإقامة طويلاً في ظل هذا الوضع القاتم، ففي حين يغير رمي قنبلة في شوارع تركيا أو مصر المعطيات السياحية، فكيف بالأحرى عندما يمطرون بيروت بوابل من الحديد والنار"، وأضاف "لقد سبق احتلال بيروت حظر أوروبي وعربي من دول عدة لعدم المجيء الى لبنان، وقد شهدنا مغادرة الكثيرين منهم قبل تفجر الوضع بوقت كبير، فكيف هو الحال اليوم".
واعتبر أن ما حصل للقطاع السياحي اليوم هو أسوأ مما حصل خلال عدوان تموز (يوليو) 2006، إذ إنه بعد العدوان كانت هناك استباحة للوسط التجاري رغم أن الحوار كان دائراً.
وعن أوضاع المؤسسات السياحية، لا سيما الفنادق أكد الأشقر أن الحرب الإلهية الجديدة شكلت الضربة القاضية لما تبقى من أمل تتطلع إليه كل المؤسسات السياحية وخصوصاً الفنادق بعد ثلاث سنوات من المعاناة الكبيرة التي ألحقت خسائر فادحة لا يمكن تعويضها في القريب العاجل، وقال "إذا لم يكن هناك حل نهائي وجذري لكل المشكلات والمسائل المطروحة فلا أعتقد أن هناك قطاعاً وفندقياً ممكن أن يقف على رجليه بعد الآن".
عاصي
من جهته، قال رئيس جمعية تجار بيروت نديم عاصي، إن احتلال بيروت عسكرياً ونحن على مشارف موسم الصيف قد أدى الى ضرب الأسواق والقطاعات الاقتصادية برمتها، مشيراً الى أضرار كبيرة مباشرة قد لحقت بعدد كبير من المؤسسات التجارية والمخازن التي تم تدميرها وإحراقها.
ولفت الى أن هذا العمل المدان لا يمكن حصر تداعياته داخل لبنان فقط، إنما قد أضر كثيراً بسمعة بلدنا في الخارج وأثر سلباً على ثقة الأشقاء العرب والأصدقاء الأجانب لبلدنا.
وأكد عاصي ضرورة إنجاز حل متكامل ونهائي للأزمة اللبنانية "لعل في ذلك إمكانية لتعويض بعض الخسائر وإلا فإن الجميع ذاهب نحو الهاوية"، وقال "لم يعد بمقدور القطاع التجاري تحمل أي خضة خصوصاً أن التزاماته تجاه الدولة كبيرة جداً، وأطلق عاصي صرخة الى جميع الفرقاء ألا يعودوا الى الوطن إلا بعد التوصل الى اتفاق رحمة بالشعب اللبناني والاقتصاد الوطني، وأشاد بالتحرك الأخير لرئيس كتلة المستقبل النيابية النائب سعد الحريري، للوصول الى تفاهم حول القضايا الأساسية وتجنيب البلاد مزيداً من النزف.
الهبري
أما نائب رئيس جمعية تجار بيروت غسان الهبري، فقال لم يبق لدينا أي شيء لنقول إننا في
المستقبل يمكن أن نعوض خسائرنا، وأضاف أن الحرب التي تشن على لبنان من جهات عدة، لها وجوه عدة، ابرزها الحرب الاقتصادية وهذا ما كان بارزاً بشكل واضح منذ اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري، حيث كان الاقتصاد بكل قطاعاته هدفاً رئيسياً، وقد ظهر ذلك جلياً من خلال استهداف الأسواق بالمتفجرات المتنقلة وباحتلال وسط بيروت ومن ثم العودة الى ضرب الأسواق مجدداً فضلاً عن حرب تموز الإلهية وحرب البارد على الدولة.
وتابع الهبري أن الأزمة التي يعانيها القطاع التجاري والضربة الأخيرة التي تلقاها باجتياح بيروت لن تنحصر تداعياتها على القطاع فقط، إنما ستطال كل القطاعات الاقتصادية وفي مقدمها القطاع المصرفي وخصوصاً أن ديون التجار تفاقمت بشكل كبير ولم يعد هناك من إمكان لسدادها.
وكشف الهبري عن موجة إفلاسات بالجملة ستظهر قريباً في وسط المؤسسات التجارية ومن بينها مؤسسات كبيرة وعريقة لا يتخيل أحد أنها ستصل الى هذا الحال، ولفت الى أن خسائر الاقتصاد هي بالمليارات، مؤكداً أن ذلك يطال كل المناطق اللبنانية، باستثناء الضاحية الجنوبية والجنوب، فهناك لهم اقتصادهم المستقل وأموالهم النظيفة، أما نحن فمؤسساتنا مستهدفة والمطلوب إقفالها.
ترشيشي
وفي القطاع الزراعي، تجاوزت الخسائر 10 ملايين دولار نتيجة إقفال المرافق الحيوية ولا سيما مطار رفيق الحريري الدولي واستلحاقاً معبر المصنع، فيما تكدست المنتجات الزراعية في الأسواق نتيجة الحذر خلال مرحلة الحرب والأيام السوداء التي شهدتها بيروت وبعض المناطق. وقال رئيس نقابة الفلاحين والمزارعين في البقاع ابراهيم ترشيشي لقد أثر الوضع السياسي المتفجر بخسارة القطاع بشكل مباشر نحو 4.5 ملايين دولار، وإذا ما احتسبت الكميات الزراعية التي لم تصدر بالإضافة جمود الأسواق ولجوء الناس الى ترشيد الاستهلاك وفي بعض الأحيان التقليل نتيجة التحوط لأيام أشد سوءاً، فإن الخسائر يمكن إعطاؤها رقماً يلامس 10 ملايين دولار.
وأضاف أن الأمور ستذهب الى الأسوأ في حال لم يتم الاتفاق بين القادة السياسيين في الدوحة، وعليه فإن القطاع الزراعي يدور من حلقة معاناة الى أخرى، ودعا ترشيشي الى اعادة العمل ببرنامج "اكسبورت بلاس" لتصدير المنتجات الزراعية الى الخارج والتي باتت تشكو من الكساد، نتيجة الأزمات السياسية المتتالية وعدم قدرة لبنان على التصريف في أسواقه المحلية.
صوما
وحذر رئيس جمعية منشئي وتجار الأبنية في لبنان ايلي صوما من مغبة استمرار الوضع الراهن على القطاع العقاري، مؤكداً أن نمو هذا القطاع يتطلب استقراراً ناجزاً على المستويات كافة، لا سيما السياسية والأمنية، وقال صوما "عقب عدوان تموز (يوليو) 2006 عاد القطاع العقاري الى تحقيق نمو مقبول، لأن العدوان أبقى بيروت بعيدة عن مرمى النيران، ولكن اليوم وبعد احتلال بيروت فإن إعادة الحركة الى هذا القطاع واستقطاب الاستثمارات من الخارج لم يعد بالأمر السهل، إنما قرارات مصيرية تعطي ضمانات نهائية بعدم التعرض للأملاك العامة والخاصة".
ولفت الى أن العرب والأجانب الذين يتمنون الاستثمار في لبنان سيفكرون ألف مرة قبل الاقدام على هكذا قرار.
ورأى أن استتباب الوضع نهائياً سيتيح فرصة حقيقية وكبيرة لتحقيق نمو القطاع في ظل إرادة عربية للاستثمار في لبنان.
الاتصالات والكهرباء
وبعكس قطاع الاتصالات الذي بلغت أضراره نحو 500 ألف دولار، نتيجة الممارسات الوحشية ضد الاقتصاد الوطني، فإن قطاع الكهرباء لم يلحق به أذى كبيراً، وقال مصدر مطلع في مؤسسة كهرباء لبنان، إن الأضرار تبقى بالحد المقبول، مشيراً الى أن الكميات الموجودة من الفيول والديزل أويل كافية.
يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.