الاقتصاد اللبناني يمر في أدق أيامه، وحال الجمود يضرب كل القطاعات، ومن ضمنها اسواق ومراكز بيع التجزئة. وإذا كان بالامكان تفادي هذه الازمة عبر مجيء السياح والمغتربين اللبنانيين العاملين في الخارج، الا ان الازمات السياسية والامنية التي يشهدها لبنان حالت دون مجيء الا قليل منهم، هذا ما أكده نائب رئيس غرفة التجارة والصناعة والزراعة في بيروت وجبل لبنان رئيس نقابة السوبر ماركت في لبنان نبيل فهد لـالمستقبل، لافتا الى وجود وضع سياسي مؤذ للبلد، لا سيما في ظل حكومة غير محايدة ما ينعكس قلقا لدى المستثمرين والمستهلكين على حد سواء.
وإذ أكد تراجع حجم المبيعات في اسواق ومراكز بيع التجزئة، قال ليس لدينا احصاءات دقيقة حول هذا الامر، لكن نشعر به بشكل جلي.
فهد اشار الى ان الاقتصاد اللبناني دخل في حلقة تراجعات متتالية على مستويي الاستهلاك والاستثمار، وقال ان الخطر الاكبر هو اننا لا نرى اي حل يلوح في الافق.
واضاف حيال ذلك ليس علينا سوى الانتظار، لعله مع الوقت يحصل ترجيح للمنطق ولمصلحة البلد على مصلحة بعض الافرقاء السياسيين الخاصة، مبديا تخوفه من خطر جدي على الاقتصاد في حال استمرار الاوضاع على ما هي.
وإذ أكد ان لا ارتفاع في أسعار السلع الاستهلاكية، وهذا ما اظهرته ارقام مديرية الاحصاء المركزي، أوضح ان زيادة الرواتب التي تمت بشكل عشوائي، أدت الى رفع اسعار الكثير من الخدمات، وهذا ما جعل المواطن يشعر انه ينفق الكثير وغير قادر على تلبية كل حاجياته، أي انها اضعفت قدرته الشرائية.
أجرت المستقبل حوارا شاملا مع فهد حول انعكاس الازمة السياسية والاحداث الامنية التي يمر فيها لبنان على الوضع الاقتصادي بشكل عام والاسواق بشكل خاص لاسيما بيع التجزئة، بالاضافة الى تطور حركة الاسعار، فضلا عن انعكاس ضرب بعض المواسم الزراعية على اسعار المواد الغذائية.
وهذا نص الحوار:
[ما مدى تأثر اسواق ومراكز بيع التجزئة بالوضع السياسي والامني المتأزم؟
ـالاقتصاد اللبناني يمر الآن في مرحلة دقيقة وحال من الجمود، بدلا من ان ينعم بثلاثة اشهر من الانتعاش والحركة النشطة خلال الصيف جراء قدوم المغتربين اللبنانيين وكذلك اللبنانيين العاملين في الخليج وافريقيا واوروبا واميركا، الذين أتى قسم منهم لكن هناك قسما كبيرا قرر ألا يأتي.
اللبنانيون العاملون في الخارج يُعتبرون محركا اساسيا للاستهلاك، لأنهم يذهبون ويأتون بشكل دائم خصوصا في فصل الصيف، وخلال الفصل الحالي عدد لا يستهان منهم لم يأت، فضلا عن عدم مجيء السياح الخليجيين.
[ماذا تلمسون على ارض الواقع؟
ـفي المنطقة التي نعمل فيها، اي جونيه وكسروان، تعتبر سياحية، الكثير من الخليجيين لديهم شقق في هذه المنطقة، وكانوا يأتون لتمضية فترة طويلة خلال الصيف، الآن لا نراهم وشققهم لا تزال مقفلة وفارغة، وهذا سبب اساسي ايضا في تراجع الاستهلاك.
[هل لديكم ارقام محددة عن حجم التراجع؟
ـليس لدينا احصاءات دقيقة حول هذا الامر، لكن نشعر به بشكل جلي. فعندما يكون السوق على تراجع والتكاليف مرتفعة فإن ذلك ينعكس سلبا على الارباح، وبالتالي على الاستثمار. إذاً الآن الاقتصاد يدخل في حلقة تراجعات متتالية على مستويي الاستهلاك والاستثمار، وبالتالي عدم خلق فرص عمل وارتفاع معدل البطالة، وفقدان السيولة لدى الناس، ومن جديد فقدان القدرة الشرائية وتراجع الاستهلاك.. ويعني ذلك ان الدورة الاقتصادية برمتها على تراجع وهذا هو حالنا اليوم.
[برأيك ما هي الاسباب الحقيقية وراء ذلك؟
ـهناك وضع سياسي مؤذ للبلد، لا يوجد أي وعي وقبول لدى أهل السلطة بفكرة ان الوضع السياسي الحالي لن يتمكّن من تحقيق نمو اقتصادي، في حين انه بالرغم من كل الاحداث التي تدور من حولنا، كان بالامكان تحقيق معدلات نمو مرتفعة، شرط حصول توافق سياسي، او تشكيل حكومة انقاذية لا يكون لديها اجندة سياسية لتحقيق مصالح فئوية.
[ماذا عن الحكومة الحالية؟
ـ لا حياد لدى الحكومة الحالية، فالناس تحكم في هذا الاطار على الافعال وليس على الاقوال، وافعال الحكومة تظهر انها لا تنأى بنفسها، وهذا الامر ينعكس قلقا لدى المستثمرين والمستهلكين على حد سواء.
[إزاء هذا الواقع هل لديكم اي خطط للخروج من هذا المأزق أو لتجاوز الازمة؟
ـ الآن السائح الخليجي غير موجود، وكثير من السياح الاردنيين والعراقيين لا يأتون لأن الطريق البري مقفل، في حين ان النازحين السوريين يخلقون بعض الحركة في المناطق لكن هذا لا يكفي لتحريك العجلة، كما ان رجل الاعمال لا يمكنه ان يبني خططه الاستثمارية أو التطويرية على موضوع النازحين لأنه قصير الاجل.
لا احد يمكنه القول انه سيضع خطة تسويقية او خطة توسعية مبنية على فكرة وجود نازحين، فالمطلوب في هذا الاطار قبل كل شيء تسجيل نمو ملموس في عدد السياح لوضع الخطط على اختلافها.
[منذ متى لم تمر مراكز بيع التجزئة بمثل هذا الوضع؟
ـهذا الوضع الصعب لم نمر به على الاطلاق. خلال المدة الماضية سجل معدلات نمو مرتفعة كنا نلمسه كل شهر وكل سنة، في حين ان هذا الوضع تبدل خلال العام الجاري، حيث لمسنا جمودا قويا مسيطرا على الاسواق، والاخطر من ذلك اننا لا نرى اي حل في الافق، او أي باب لتحقيق النمو الذي ننتظره كي نتمكن من اتخاذ خطوات توسعية.
المشكلة الاساسية التي ساعدت في ضرب المؤسسات خلال هذه الفترة هي زيادة الرواتب، التي كان من المفترض لها ان تخلق كتلة نقدية في الاسواق وزيادة في القدرة الشرائية لدى الناس وبالتالي زيادة في الطلب على السلع خصوصا الاستهلاكية اي زيادة في الاستهلاك، وهذا الامر لم نره.
عادة تأثر القطاع التجاري بزيادة الرواتب يكون أقل من القطاع الصناعي، لأن جزءاً من هذه الزيادة تعود اليه عبر زيادة الاستهلاك، لكن هذه المرة لم يستفد القطاع التجاري من هذه الزيادة، فيما جاء تأثر القطاع الصناعي أكثر شدة بسبب ارتفاع تكاليف الانتاج وانعكاسها على قدرته التنافسية، وعدم تصريف الانتاج بسبب تراجع الطلب.
لقد شعرنا بهذا التأثير السلبي الكبير جراء زيادة الاجور لأنها أتت اكبر بكثير مما يمكن ان يستوعبه الاقتصاد ومختلف قطاعاته الاقتصادية.
[إذا استمرت الامور على هذا الشكل، برأيك الى اين الاوضاع متجهة؟
ـ الحل الوحيد برأيي كان حصول استقرار سياسي وأمني، الذي يفسح المجال امام قدوم عدد أكبر من السياح والمغتربين واللبنانيين العاملين في الخارج، والذي يترافق عادة مع انفاق الاموال في الاسواق. اما الآن فما علينا الا الانتظار، لعله مع الوقت يحصل ترجيح للمنطق ولمصلحة البلد قبل مصلحة بعض الافرقاء السياسيين الخاصة، وأنا اتخوف من خطر جدي على الاقتصاد في حال استمر الوضع على هذا الحال، خصوصا اننا لا نرى اي ايجابيات من كل النواحي النقدية والاقتصادية، انما كل شيء الى تراجع.
[الناس تشتكي من ارتفاع كبير في اسعار السلع، ما هي نسب الارتفاع التي طرأت على الاسعار؟
ـفي هذا الاطار، اعتمد بشكل دائم على الاحصاءات التي تصدرها مديرية الاحصاء المركزي، لأنها المرجعية العلمية الوحيدة التي تعمل بشكل علمي ولديها أمكانية من اعطاء صورة واضحة عن تطور الاسعار في لبنان، والاحصاءات الاخيرة تظهر ان اسعار المواد الغذائية تراجعت في حزيران نسبة لأيار، كذلك فإن نمو الاسعار الى تراجع. وإذا اخذنا النصف الاول من العام 2012 نرى ان التضخم التراكمي لا يتجاوز الربع في المئة، وهو وصل في سنوات سابقة الى 2 في المئة أو 1،75 في المئة، وهذا يدل على ان التضخم كل فترة العام 2012 لن يتجاوز الـ2،5 في المئة. وهذا ناتج عن انخفاض اسعار البترول في الفترة السابقة وتراجع الاسعار نتيجة المنافسة الشديدة في الاسواق. كما ان هناك كميات كبيرة من الخضر التي لم يتمكن المزارعون من تصديرها بقيت في الاسواق الداخلية وهي ايضا ضغطت على الاسعار.
[ما سبب احساس الناس بوجود ارتفاع كبير في الاسعار؟
ـ ضعف القدرة الشرائية. لقد تم زيادة الرواتب بطريقة عشوائية، ورغم تأكيد الجميع ومن ضمنهم وزير العمل ان نسبة الغلاء التراكمية بين 2008 و2011 هي 17 في المئة، قرروا في النهاية زيادة بنسبة 35 في المئة أي ضعفها، لذلك فإن الاقتصاد لم يتمكن من استيعاب هذه الزيادة، خصوصا ان الكثير من الخدمات ارتفعت اسعارها بشكل كبير وترافق ذلك مع ارتفاع اسعار البنزين، وبالتالي فان المواطن يشعر انه ينفق الكثير ولا يتمكن من تلبية كل حاجياته.
[ هناك حديث عن ان مواسم زراعية قد ضربت في الولايات المتحدة بسبب الجفاف، ما تأثير ذلك في اسعار المواد الغذائية؟
ـهناك نوعان من المنتجات الزراعية ممكن ان يتأثرا بالجفاف، الذرة وحبوب الصويا، الا انه حتى الآن لا يوجد تأكيد أن الموسم ضرب 100 في المئة، لكن مع الحديث عن امكانية حدوث ذلك فقد ارتفعت اسعار هذين المنتجين، لكنهما لن يؤثرا بشكل قوي في السلة الغذائية، انما يؤثران الى درجة معينة في اسعار الاعلاف.
[ ماذا عن مشتقات الحليب؟
ـ حتى الآن لا تزال جميعها على السعر ذاته. لكن في الوقت نفسه هناك أسباب اخرى تؤثر في اسعار المواد الغذائية، ابرزها الشروط التي تضعها وزراة الزراعة على بعض المنتجات المستوردة لجهة التخزين والتوضيب وغير ذلك، ما يرفع من التكلفة وهذا ينعكس على المستهلك. من جهتنا نرى ضرورة ان يكون هناك توازن بين الشروط وانعكاسها على الاكلاف.
يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.