تعقد لجنة المؤشر جلسة العاشرة صباح غد الثلاثاء في وزارة العمل، لمناقشة نتائج الدراسات والتقارير التي قدمها الاتحاد العمالي العام والهيئات الاقتصادية والإحصاء المركزي في الجلسة السابقة.
وعلى الرغم من مرور أكثر من عشرين يوماً على الاجتماع السابق، فيبدو أن حدة المواقف لم يكسرها مرور الزمن، إذ أكد أفرقاء الحوار تمسك كل منهم بمواقفه المعلنة لا سيما نسب غلاء المعيشة فقد أعلن رئيس الاتحاد العمالي العام غسان غصن تمسكه بنسبة 46.6 في المئة، فيما أكد رئيس جمعية الصناعيين فادي عبود أن نسبة الغلاء هي 7.5 في المئة، وأشار الى أن العمال يقودون حواراً داخل اللجنة، لا يرتكز الى أسس علمية ومنطقية. ورأى أن مهمة اللجنة محصورة فقط في تعيين نسبة غلاء المعيشة، "وأن معالجة موضوع الأجور يكون بجلسة في مجلس الوزراء؟
وأكد عبود لـ "المستقبل" أن أي دراسة جادة لملف الأجور وتركيبته يجب أن تشمل معالجة وضع الضمان وكل العطاءات التي يقدمها أصحاب العمل من بدلات نقل ومنح مدرسية وتأمين وغير ذلك". وأما غصن فقد شدد في تصريح لـ "المستقبل" على ضرورة معالجة موضوع الأجور معالجة سريعة، "لأن الطبقات العمالية وذوي الدخل المحدود باتوا في وضع صعب معرض للانفجار".
وفيما طلب غصن من الهيئات الاقتصادية الإجابة عن تكلفة ارتفاع سعر المحروقات، لا سيما البنزين والغاز وارتفاع سعر النفط في العالم، فضلاً عن ارتفاع سعر اليورو في مقابل الدولار وأثر ذلك في سعر السلع الاستهلاكية الاساسية وقدرة الأجور الشرائية، طالب بزيادة الحد الأدنى للأجور الى 600 الف ليرة، ورفع متوسط الأجور الى حدود مليون ليرة".
وفي السياق نفسه أبدى الخبير الاقتصادي كمال حمدان رأياً محايداً، إذ رأى ضرورة تصحيح الأجور بنسب مقبولة يمكن للاقتصاد تحملها، لتمكين ذوي الدخل المحدود من تحمل زيادة الضريبة غير المباشرة والتغيير الذي حدث خلال السنوات الثماني الماضية في نمط المعيشة، وهي زيادة فرضت نفسها على موازنة الأسرة". وأكد حمدان لـ "المستقبل" أن هذا التصحيح يجب أن يسبق مؤتمر بيروت لاحتواء الآثار التي ستترتب على تطبيق الاصلاح المقترح لزيادة الأعباء الضريبية وترشيد الإنفاق".
حمدان: إجراء تصحيحات مقبولة استباقاً لمؤتمر بيروت 1
وفي هذا الإطار رأى عبود "أن لجنة الموشر تحولت عن اختصاصها العلمي والتقني في شأن مؤشر الغلاء وتعيين نسبة ارتفاعه بناء على مؤشرات ومعطيات معلومة ومعروفة الى مجموعة أشخاص يتكلمون عن أمور فلسفية واجتماعية واقتصادية فضلاً عن ضرورة زيادة الأجور"، وأكد أن البحث في زيادة الأجور ليس اختصاص اللجنة، فمهمتها فقط قياس غلاء المعيشة، على أن يكون موضوع البحث في الأجور مهمة الحكومة".
وقال عبود: "اليوم هناك ثلاثة أرقام عن نسب غلاء المعيشة قدمتها خلال اجتماع لجنة المؤشر السابق الهيئات الاقتصادية والاتحاد العمالي العام والإحصاء المركزي، مع الإشارة الى أن أرقام الهيئات والإحصاء المركزي متقاربة، فيما أرقام هذين الطرفين بعيدة جداً عن أرقام الاتحاد العمالي العام".
ودعا عبود الاتحاد العمالي العام الى العودة، الى أصول عمل لجنة المؤشر، والابتعاد عن الجدل في زيادة الأجور، لا سيما أن دراسة الهيئة المعنية أي زياد الأجور في ما بعد يجب أن تسبقها تعيين لجنة المؤشر نسبة حقيقية لغلاء المعيشية انطلاقاً من سلة استهلاكية معينة".
ورأى عبود "أن البحث في الأوضاع المعيشية والاجتماعية وإصلاح تركيبة المعاشات الكاملة مرتبط ارتباطاً وثيقاً بإصلاح الضمان، والنظر في التعويض العائلي فضلاً عن العطاءات التي يوفرها أصحاب العمل من منح تعليم وتأمين وتعويض نقل وغيرها".
أما غصن فقال: "إن الأجور بقيت مجمدة عشر سنوات على الرغم من زيادة كبيرة لتكاليف المعيشة، ففقدت الأجور قدرتها الشرائية التي باتت غير قادرة على سد الحاجة الأساسية عند شرائح واسعة من المجتمع اللبناني".
وأضاف يقول: "سيشهد هذا الوضع مزيداً من التردي بعد تطبيق الخطوات المقترحة في الورقة التي ستقدم الى مؤتمر بيروت 1 لزيادة دخل الدولة وتقليص نفقاتها".
وأوضح غصن "أن نسبة التضخم في الدول المتقدمة لا سيما الأوروبي تراوح بين 3 و5 في المئة، لذلك ليس مستغرباً أن تصل نسبة غلاء المعيشة المتراكمة منذ العام 1996 حتى الآن في بلد مستورد مثل لبنان الى نحو 50 في المئة، لا سيما أنه شهد زيادة متتالية لأعباء الضريبة وأسعار عدد من السلع والمواد الاستهلاكية الأساسية مثل المحروقات".
وسأل عن صدق الأرقام التي قدمتها الهيئة الاقتصادية عن نسب غلاء المعيشة وقدرتها بنسبة 7.5 في المئة بين 1996 و2004.
وقال غصن: "لدي بعض الأسئلة سأضعها برسم الهيئات الاقتصادية للاجابة عنها وهي: ما هي تكلفة ارتفاع سعر المحروقات، لا سيما البنزين والغاز منذ العام 1996 على تكلفة المعيشة، وقدرة الأجور؟ ما هو أثر ارتفاع سعر النفط الذي قفز من نحو 22 دولارا البرميل الى نحو 65 دولاراً في تكلفة المعيشة والاستهلاك في لبنان وتكلفة دورة الانتاج. وما هو تأثير ارتفاع سعر اليورو في مقابل الدولار في أسعار السلع والبضائع لا سيما أن الاقتصاد اللبناني مدولر، فضلاً عن أن لبنان يستورد أكثر من 70 في الئة من المواد الاستهلاكية والأولية من الأسواق الأوروبية؟".
وأضاف: "أما كلام الهيئة الاقتصادية عن 7.5 في المئة فهذا استهتار بعقول الناس وبمنطق الحياة، فإذا كان مؤشر غلاء المعيشة لم يرتفع خلال هذه السنوات سوى بهذه النسبة، فهذا يعني أن لبنان بأحسن وضع اقتصادي وإنتاجي ومعيشي وهذا غير صحيح ويعرفه القاصي والداني، والهيئات الاقتصادية تعرفه جيداً وهي تشكو كل يوم من تردي الأوضاع".
وتابع غصن: "نحن في الاتحاد العمالي العام نفهم ان تطالبنا الهيئات الاقتصادية بأن يكون الحوار في نسبة زيادة الأجور انطلاقاً من قدرتها على تحمل نسبة معينة نظراً للأوضاع الاقتصادية الصعبة في البلاد، لكن أن يتشبثوا بالحوار على أساس نسبة غلاء معيشة 7.5 في المئة، فهذا امر معيب وضحك على عقول الناس، لأنه بعيد كل البعد عن المنطق والواقع".
ودعا غصن الى أن تكون الهيئات واقعية أكثر، وتنطلق بالبحث في جلسة لجنة المؤشر غداً الثلاثاء، من الاعتراف بالوضع، للبدء بدراسة الوسيلة المناسبة لتصحيح الأجور ونسبته.
وأكد أن الحد الأدنى للأجور، باعتراف الجميع، لا يناسب الوضع الاقتصادي، وهو مذل للعمال لأنه يسد أبسط حاجتهم الأساسية، لذلك ستتمسك بضرورة زيادة الحد الأدنى الى 600 الف ليرة، انطلاقاً من الدراسة الشاملة التي وصفتها عن تكلفة الحاجة الدنيا. وقد بينت أنها تتطلب 600 الف ليرة لتضع العامل عند حدود الفقر".
وقال: "انطلاقاً من تصحيح الحد الأدنى، لا بد من زيادة الأجور لرفع متوسط الدخل لدى معظم الشرائح الاجتماعية ذات الدخل المتدني الى حدود مليون ليرة".
وقال حمدان: "بمعزل عن موضوع النسب وارتفاع مؤشر غلاء المعيشة، لا سيما الفوارق الكبيرة بين النسب التي قدمها. الاتحاد العمالي العام، وتلك التي قدمتها الهيئات الاقتصادية، فإن تسليط الضوء على موضوع الأجور، يجب أن ينطلق من عدة معطيات أبرزها تحليل الوضع الاقتصادي الشامل في البلاد، خلال السنوات الثماني الماضية".
وأضاف يقول: "لقد كان عاما 1996 و1997 منعطفا لتحول في مسار النمو، لا سيما أن السنوات التي سبقت هذه المرحلة منذ العام 1993 أحرزت نسب نمو مرتفعة راوحت بين 6 في المئة و7 في المئة، فيما كان عاما 1996 و1997 بداية تراجع النمو الذي أصبح سلبياً في العام 2000".
وأوضحح حمدان "أن هذا الاتجاه بينته الدراسة التي وضعتها وزارة الاقتصاد والتجارة وبعض المؤسسات المالية عن تطور المحاسبة الوطنية بين العام 1997 والعام 2000، إذ بينت أن معدل النمو خلال هذه السنوات دون مستوى الحقبة الأولى (1993 ـ 1996) قد راوح بين 1 في المئة و2 في المئة".
وأشار حمدان الى أن الوضع الاقتصادي الشامل حين يكون في حالة تراجع بالنمو، فهذا يعني ان السنوات الثماني الماضية لم تشهد تصحيحاً طوعياً في الأجور في القطاع الخاص، باستثناء بعض الحالات التي تفرضها أنظمة بعض المهن، فيما شهدت هذه الحقبة زيادة استثنائية في الاقتطاع الضريبي غير المباشر، ورافقه إعفاء ضريبي لذوي الدخل المحدود، إلا أنه كان قليلاً ومحصوراً في بعض الفئات".
وقال: "لذلك فإن هناك فئات كبيرة تقدر بنحو 60 في المئة في القوى العاملة باتت تعاني تدني قدرة أجورها الشرائية".
وأضاف: "انطلاقاً من تحليل الوضع العام للتطور الاقتصادي الشامل والتضخم والاقتطاع الضريبي لا بد من تصحيح الأجور بغض النظر عن الوسيلة والنسبة". وأشار الى أن تغييراً حدث في السنوات الثماني الماضية في النمط المعيشي أدى الى دخول بعض أبواب الإنفاق الترفيهية، مثل الخلوي والنرجيلة واقتناء السيارات وغيرها كأبواب أساسية وحاجة اضافية، فرضت نفسها على موازنة الأسرة وهذا أدى أيضاً الى جعل الفئات الوسطى وما دونها تعيش في وضع بالغ التعقيد".
وحذر حمدان من أثر الخطوات التي ستتخذها الحكومة اللبنانية بناء على توصية الورقة التي ستطرح في مؤتمر بيروت1، في الوضع المعيشي لدى الفئات الوسطى وما دونها، ودعا الحكومة الى تصحيح معقول للأجور قبل الشروع في تنفيذ هذا الإصلاح لتمكين هذه الفئات من تحمل الخطوات المرتقبة". وقال حمدان: "إن الإصلاح المقترح في بيروت 1 ويتضمن زيادة العبء الضريبي غير المباشر وترشيد بعض النفقات، سيوازي في آثاره المعيشية السلبية على الطبقات الفقيرة كل نتائج التراكم والتطور الاقتصادي في السنوات الثماني الماضية".
وأضاف يقول: "لذا يجب أن تتخذ الحكومة بعض الخطوات استباقا واحتواء. بمعالجة مسؤولة لملف تصحيح الأجور".
ورأى حمدان أن البلد باستطاعته استيعاب تصحيح الأجور بنسب مقبولة، يمكن من خلالها تعزيز القدرة الشرائية والاستهلاك، وتحريك عجلة الإنتاج، وتحصين هذه الفئات لتمكينها من تحمل آثار الإصلاح".
يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.