في مثل هذا اليوم من السنة الماضية تسلّم الرئيس الشهيد رفيق الحريري جائزة الشرف الخاصة لبرنامج الأمم المتحدة للمستوطنات البشرية "إعادة إعمار لبنان" خلال انعقاد المنتدى الحضري العالمي الثاني. في حضور شخصيات عالمية من أكثر من مئتي دولة إضافة الى عائلته وشخصيات لبنانية.
وقررت الأمم المتحدة منح الرئيس الحريري لقباً رفيعاً ونادراً وهو التنويه الخاص لوسام الشرف للإسكان للأمم المتحدة للعام 2004، اعترافاً بقيادته البارزة ذات الرؤية السديدة في إعادة بناء لبنان بعد فترة النزاع. وبعد الإطلاع على مستند (LEBANON REBUILT) وهو كتاب يُقدِّم نظرة شاملة ومفصّلة للجوانب العمرانية والإدارية والاقتصادية والمالية لجهود دامت عقداً كاملاً من الزمن في إعادة تعمير البنية التحتية الاجتماعية في البلاد.
وكانت الأمين التنفيذي للجنة الأمم المتحدة الاقتصادية والاجتماعية لغربي آسيا (إسكوا) ميرفت تلاوي رفعت هذا الكتاب رسمياً الى الموئل (UN-HABITAT) في تشرين الثاني 2003.
وعلى الأثر تألفت لجنة خاصة تضم خمسة خبراء دوليين اجتمعت في دبي في 16 حزيران 2004، ورفعت توصياتها للمدير التنفيذي في الموئل (UN-HABITAT) بغية الموافقة عليه.
وقال بيان للأمم المتحدة "إن اللجنة الخاصة التي تعمل بإشراف اللجنة، لاحظت أن إعادة إعمار لبنان لم يراع فقط أفضل المعايير ذات الوقع الملموس على تحسين مستوى العيش، والشركات العامة، وقطاعي الشركات الخاص والعام، بل إن إعمار لبنان قد تفوّق على هذه المعايير جميعها. ولاحظ الخبراء، باهتمام خاص، السرعة التي أنجزت فيها "إعادة إعمار لبنان". كما نوّهوا باستخدام موارد الاستثمار المحلية والخارجية، وعزوا السرعة والشمولية في نطاق إعادة البناء الى قيادة مستنيرة وسديدة الرؤية".
وأضاف البيان "تقدم إعادة إعمار لبنان رؤية إيجابية لكيفية استخدام موارد بشرية ومالية وتقنية وخبرات في سبيل تلبية حاجات أساسية وتوفير بنى تحتية وإحياء عملية تنموية اقتصادية محلية".
وتابع البيان "ولفت الخبراء أيضاً أن عملية إعادة الإعمار شملت لبنان بأكمله ولم تقتصر على مدينة كالعاصمة".
إعلان الفوز بالجائزة في بيروت
وفي 3 أيلول، نظمت اللجنة الاقتصادية والاجتماعية لغربي آسيا في الأمم المتحدة (إسكوا) حفلاً خاصاً بهذه المناسبة في بيت الأمم المتحدة في بيروت، حضره ممثل الرئيس الحريري حينذاك الرئيس فؤاد السنيورة، ووكيل الأمين العام للمنظمة الدولية الأمين التنفيذي لـ"إسكوا" ميرفت تلاوي، التي أعلنت فوز لبنان، ممثلاً برئيس الحكومة رفيق الحريري، بجائزة الأمم المتحدة للإسكان لعام 2004 عن تجربة إعادة البناء والإعمار ما بعد الحرب (1975 ـ 1990)، نظراً "لما قامت به الحكومة اللبنانية من وضع رؤية وخطة واضحة المعالم من أجل إعادة الإعمار، ما أدى الى هذه النتائج الباهرة وجعل لبنان ناجحاً ومميزاً لإدارة الإنسان في تحويل آثار الدمار الى قبلة يؤمها الجميع".
وإذ هنأت الرئيس الحريري على نيله هذه الجائزة، لفتت تلاوي الى "إن برنامج الأمم المتحدة للمستوطنات البشرية (UN-HABITAT) شريك إسكوا الأساسي والمحوري في مجال تحقيق التنمية المستدامة، اختار الرئيس الحريري بسبب وضع حكوماته المتعاقبة رؤية وخطة واضحة المعالم من أجل إعادة الإعمار".
"إن هذه الجائزة هي تقدير لما قام به الرئيس رفيق الحريري من جهد في إعادة إعمار لبنان، وهي اعتراف من المجتمع الدولي ممثلاً بالأمم المتحدة بخبرة لبنان عالمياً في قضايا الإعمار، فيصبح نموذجاً يحتذى في إعادة إعمار البلاد التي تعرّضت للخراب خلال الحروب العالمية والأهلية".
وألقى السنيورة كلمة في الاحتفال قال فيها "نحن اليوم ننعم بما قمنا به من جهود ومن تضحيات وما زال أمامنا درب طويل علينا أن نقوم به لنحفظ نتائج هذه التضحيات والجهود، وهذه الجائزة التي تمنح للبنان اليوم من الأمم المتحدة هي في الواقع اعتراف بجهد اللبنانيين وتضحياتهم واعتراف بإرادتهم في الحياة وإرادتهم في التغلب على معضلات الحرب، والعودة لأن يكونوا قادرين على المواكبة في هذه المسيرة مع العالم، ومع ركب التحضّر والتقدّم".
حفل التسليم في برشلونة
وفي 13 أيلول 2004 تسلّم الرئيس الحريري في برشلونة، جائزة الشرف الخاصة لبرنامج الأمم المتحدة للمستوطنات البشرية خلال انعقاد "المنتدى الحضري العالمي الثاني".
وتلقى الرئيس الحريري مساء اليوم نفسه اتصالاً من الأمين العام للأمم المتحدة كوفي أنان هنأه بنيله الجائزة، وقال له "إن الأمم المتحدة تكرّم بهذه الجائزة تضحيات الشعب اللبناني الذي تجرأ على أن يحلم بإعادة بناء نفسه على الرغم من كل الصعوبات". وشدد أنان على أن "لبنان سيبقى دائماً البلد المشرّع على الديموقراطية والحرية، ويجب الحفاظ عليه".
وتسلّم الرئيس الحريري الجائزة في حفل خاص بحضور شخصيات عالمية من أكثر من مئتي دولة من بينها الرئيس الروسي الأسبق ميخائيل غوربتشوف، رئيس فنلندا السابق مارتي استيساري، وزير المدن البرازيلية أوليفير دوترا، المديرة التنفيذية لبرنامج الأمم المتحدة لشؤون المستوطنات البشرية آنا تيبايا جوكا، الأمين العام التنفيذي لبرنامج الأمم المتحدة لبرنامج الأمم المتحدة الاقتصادي والاجتماعي لغرب آسيا "إسكوا" ميرفت تلاوي، المدير العام التنفيذي للأمم المتحدة لشؤون البيئة كلاوس توبفر، رئيس المنتدى للعام 2004 رئيس بلدية برشلونة جون كلوس، عقيلة الرئيس الحريري السيدة نازك وأفراد العائلة والرئيس السنيورة، والوزير السابق بهيج طبارة، ورئيس مجلس الإنماء والإعمار السابق جمال عيتاني، والمديرة العامة لوزارة السياحة ندى السردوك، مستشار الرئيس الحريري للشؤون الأوروبية المحامي بازيل يارد مستشار الرئيس الحريري فادي فواز ونحو ثلاثة آلاف مدعو.
وتحدث في المنتدى كل من غورباتشيف واستيساري ودوترا وكلوس وتوبفر، ووزيرة الإسكان السابقة في جنوب إفريقيا سامكي دماتمبي، ووزير الإسكان والبيئة في هولندا بيتر فان جيل ووزيرة التنمية ومكافحة الفقر في الهند كوماري سالجا، والنائب الخاص للأمين العام في الأمم المتحدة جيفري د. ساتاس.
وألقت تيبايا جوكا كلمة قالت فيها "ممن مارس بشكل مثالي مهمة الأمم المتحدة في العالم التي تدعو الى السلام والازدهار، أخص بالذكر رئيس مجلس الوزراء اللبناني رفيق الحريري، الحائز على الجائزة الخاصة لبرنامج الأمم المتحدة للمستوطنات البشرية، وأهنئه على قيادته البارزة ورؤيته السديدة لإعادة إعمار لبنان بعد الحرب، كما أهنئ الشعب اللبناني، الذي لولاه لما كان هذا النجاح قد تحقق".
وأضافت: "لقد كانت الحرب الأهلية اللبنانية، التي أدت الى خسائر بشرية واقتصادية هائلة، أحد أطول النزاعات في النصف الثاني من القرن العشرين، وبعد سنوات من الدمار المادي والبشري كانت عملية إعادة بناء البلاد وإعادة تأهيلها، بحاجة الى زعيم بارز يتمتع برؤية استثنائية، نعم زعيم يشعر بالحب والالتزام لرفاهية كل شعبه وصمم على القيام بالتضحيات اللازمة لإعادة توحيد مجتمع ممزق، وتعزيز ثقافة السلام والازدهار، وهي رسالة الأمم المتحدة نفسها. إن لبنان مثال يحتذى به، وآمل أن تتعلم مجتمعات أخرى تعيش حالة نزاع من تجربة لبنان الفضلى.
وبعدما انتهت تبيايا جوكا من كلمتها، سلمت الرئيس الحريري جائزة الأمم المتحدة لإعادة الاعمار وسط تصفيق الحضور.
وألقت تلاوي كلمة الأمين العام للأمم المتحدة كوفي أنان قالت فيها: "إن "إسكوا" تشعر بالفخر لحصول لبنان على هذه الجائزة، وهي تشكل اعترافاً بدوره في جهود إعادة الاعمار والتأهيل".
وأضافت: "إنها قصة الاستثمار في السلام والمعالجة السياسية والتنمية، التي يقف وراءها الرجل الذي تمكن من تحويل الدمار الى مدينة حديثة، باتت مركزاً يقصده الجميع، انه الرئيس رفيق الحريري الذي نوجه له التهاني ونتمنى له كامل النجاح في جهوده المستمرة".
الحريري
وألقى الرئيس الحريري كلمة أبرز ما جاء فيها "أشعر بالفخر والاعتزاز اليوم للوقوف أمام هذا الجمهور الكريم الذي يمثل الأمم المتحدة، هذه المنظمة التي تمثل طموحات العالم مجتمعاً بالسلام والأمن والتعاون. اني مسرور بوجودي هنا وبتسلم هذه الجائزة لأسباب عدة:
أولاً: لأن هذه الجائزة هي جائزة للشعب اللبناني وجميع مسؤوليه، والأمم المتحدة تكرّم بهذه الجائزة تضحيات وتصميم الشعب اللبناني الذي تجرأ على أن يحلم بإعادة بناء نفسه وتحقيق حلمه على الرغم من كل الصعاب.
ثانياً: انني أفتخر بأنه تم اختيار برشلونة لمنح هذه الجائزة نظراً لما تمثله هذه المدينة من رمز للشراكة بين دول المتوسط، وخصوصاً نحن في الشرق الأوسط مع أوروبا، عبر العملية التي تحمل اسمها عملية برشلونة.
ثالثاً: اسمحوا لي بأن أشكر كل عائلتي، وخصوصاً زوجتي نازك لأنهم شاركوني هذه الفرحة بعدما شاركوني في تحمل الصعوبات والتحديات والتضحيات خلال هذه السنوات الطويلة من العمل الرسمي والعام، ان دعم عائلتي وتشجيعها، والأهم محبتها الدائمة ساهم الى حد كبير في تصميمي واستمراري في العمل حتى عندما كنت أشعر بالاحباط في مواجهة ما اعتبره مستحيلاً".
وأضاف "عندما بدأنا عملية الإعمار كانت التحديات كبيرة، ولكن تصميمنا وارادتنا كانا أكبر. كانت هناك خيارات عدة للأسلوب الذي سيتبع في إعادة الإعمار. ونحن اخترنا ان نعيد بناء كل شيء في وقت واحد وبالسرعة نفسها، فلا نعطي أولوية لقطاع على قطاع. فكل شيء كان اولوية من الماء إلى الكهرباء والمستشفيات والمدارس والطرقات وحياة الناس.
ولكن يمكن تحديد إعادة إعمار لبنان بمرحلتين:
المرحلة الأولى: شهدت بداية عملية المصالحة وانتهت بالتوصل الى اتفاق الطائف الذي لا يزال لبنان حتى اليوم ينعم بنتائجه السياسية.
المرحلة الثانية: بدأت في سنة 1993 عندما شكلنا حكومتنا الأولى وكانت عملية بناء وسط بيروت في مرحلة الانطلاق، بيد أن التحدي وقتها تمثل في القيام بعمليات الاعمار الشامل للبلاد كلها وسط مصاعب أخرى أكبر، فقد نصت وثيقة الوفاق الوطني في الطائف على الانماء المتوازن. وهكذا فقد كان علينا ان ننهض بعبء إعادة بناء المرافق الأساسية وتحضيرها للتحديات المستقبلية وإعادة بناء القطاعات الخاصة للمشاركة في الاعمار والنهوض، وكسب ثقة المؤسسات الاقليمية والدولية بمستقبل البلاد، وأيضاً بالتوافق والتوازي مع حشد اللبنانيين إرادة وأملاً من أجل نظامهم ودولتهم ومستقبل اجيالهم.
والحقيقة أننا نجحنا في تحقيق الأهداف الأساسية للخطة. ولكن القول إننا نجحنا لا يعني ان مهمتنا اكتملت فلا يزال أمامنا الكثير لجعل الانماء المتوازن متوازناً بكل معني الكلمة. فبالرغم من كل جهودنا، لا تزال هناك مناطق في لبنان تعاني عدم تكافؤ الفرص في التربية وفي الصحة والكثير من الخدمات الأخرى من طرق ومياه وخلافه.
وتوجه إلى مؤسسة الأمم المتحدة للاسكان بالقول: "لقد اخترتم تجربة لبنان الاعمارية للاحتفاء بها كحل مثالي لبلدان عانت وتعلمت الدرس، وأرادت بناء المستقبل بسواعد أبنائها فنجحت في ذلك. وأريد أمام هذه النخبة المتميزة من رسميي العالم ومثقفيه، وفي هذا البلد الزاهر الصديق للعرب والمسلمين، أن اشكر لكم هذا التقدير وأن أوجه باسمكم نداء لانقاذ حضارات القدس وبيت لحم ورام الله وغزة وبغداد والموصل والنجف".
يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.