كما في جميع الأسواق اللبنانية، كذلك حال سوق كورنيش المزرعة، التي تشهد تراجعاً كبيراً في حركتها منذ 14 شباط الماضي تاريخ اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري، مما يهدد استمرارية عدد كبير من المؤسسات التجارية العاملة في هذه السوق، لا سيما تلك التي اقترضت من المصارف لتوسيع أعمالها أو لإنشاء استثمارات جديدة.
وشكا عدد من تجار شارع كورنيش المزرعة من تراجع كبير في مبيعاتهم تراوح بين 70 في المئة و80 في المئة، محذرين من استمرار التأزم السياسي الذي تعيشه البلاد لا سيما لجهة انعكاساته السلبية على الوضعين الاقتصادي والاجتماعي.
وفي هذا الإطار قال نائب رئيس جمعية تجار كورنيش المزرعة محمد الرفاعي (صاحب محمصة الرفاعي) لـ"المستقبل" "بعد 14 شباط الماضي تاريخ جريمة اغتيال الرئيس الحريري والأسواق التجارية في حالة تردٍ وانكماش بسبب الأوضاع النفسية التي يعيشها الناس وفقدان الثقة بالأوضاع العامة في البلاد، حيث بقيت الأمور على حالها بعد مرور 39 يوماً على استشهاد الرئيس الحريري، على الرغم من دخولنا في فترة الأعياد".
وتخوف الرفاعي من حصول خسائر كبيرة لدى القطاع التجاري، لا سيما أن جميع التجار قد اشتروا كميات كبيرة من البضائع تحضيراً للأعياد والى الآن لا تزال الحركة خفيفة للغاية لأن الناس لا يقبلون على الشراء، معتبراً أن استمرار التأزم السياسي يهدد الاقتصاد.
وأضاف "فضلاً عن ضخامة الجريمة وانعكاساتها السلبية على الاقتصاد الوطني، فإن الأحداث الأمنية التي يشهدها لبنان خلال الفترة القريبة الماضية لا سيما استهداف سوق نيو جديدة وسوق الكسليك سيكون لها آثار سلبية كبيرة ليس فقط في هذين السوقين إنما في القطاع التجاري برمته والاقتصاد الوطني ككل"، مشيراً الى "أن المواطنين باتوا يخافون الذهاب الى الأسواق وأجلوا كل أمورهم الى حين عودة الهدوء الى البلاد".
وتساءل الرفاعي "هل اغتيال الرئيس الحريري ثم استهداف الأسواق التجارية هي خطة مدبرة ومبرمجة لضرب الاقتصاد اللبناني بكل مقوماته؟".
وعن سوق كورنيش المزرعة، قال الرفاعي "إن جمعية تجار الكورنيش خسرت باغتيال الرئيس الحريري أباً وأخاً وصديقاً لا يمكن لها أن تعوضه، حيث كنا على تنسيق دائم معه، وكان يعطينا الأمل بالمستقبل، والثقة بالاقتصاد اللبناني. وقد تمكنت الجمعية برعاية الرئيس الشهيد من تطوير شارع الكورنيش على كافة المستويات، حيث عمل مجلس الإنماء والإعمار على تحديث وتطوير البنى التحتية في الشارع من أرصفة وإنارة وكهرباء وغيرها، وكذلك نفذت الجمعية مشروعاً لتشجير وسط الطريق على طول الشارع بأشجار النخيل، وهذا ما أعطى دفعاً كبيراً للجمعية وللسوق".
وأشار الرفاعي الى أن مجلس إدارة الجمعية عقد ثلاثة اجتماعات بعد جريمة الاغتيال لمناقشة أوضاع التجار الصعبة، وتم الاتفاق على عدد من الإجراءات لإعادة الحركة الى السوق، "لكنني أعتقد أن كل جهودنا في هذا الإطار ستذهب سدى إذا بقيت الأوضاع السياسية في البلاد على ما هي عليه من تأزم".
وأوضح أن وضع السوق ما زال في حالة تراجع، لا سيما أن الحوادث الأمنية المتنقلة زادت في تفاقم الأوضاع على كل المستويات.
وناشد الرفاعي كل المعنيين العمل على معالجة الأزمة قبل فوات الأوان "خصوصاً أننا أصبحنا كمؤسسات تجارية في مرحلة الخطر".
وبالنسبة لمؤسسة "محمصة الرفاعي" التي تعتبر معلماً مهماً في كورنيش المزرعة، فقد أشار الى تراجع مبيعاتها بنسبة تراوح بين 40 و50 في المئة، وقال "عندما أتى الرئيس الشهيد رفيق الحريري الى لبنان وتولى رئاسة الحكومة أعطى جميع رجال الأعمال الثقة بمستقبل الاقتصاد اللبناني، لذلك عملنا خلال هذه السنوات على توسيع أعمالنا بتشجيع مباشر من الرئيس الحريري، حيث فتحنا 28 فرعاً في كل المحافظات اللبنانية ومن بينها المنطقة الحرة في مطار بيروت الدولي. فضلاً عن إنشاء مصنع لنا في كورنيش المزرعة مجهز بأحدث الآلات للتصنيع والتعليب، وهذا كله كان يصب في الرؤية التي كان يحملها الرئيس الحريري لمستقبل لبنان ودوره في المنطقة".
وأضاف "إن هذه الرؤية لم تكن تخيلات بل كانت حقيقة، وتجسدت في النتائج الاقتصادية التي شهدناها في العام الماضي حيث سجل النمو نسبة 5 في المئة، ووصل عدد السياح الى نحو مليون ونصف المليون سائح".
وأشار الى أن مؤسسته كانت تتوقع نسبة نمو في أعمالها خلال هذا العام تصل الى 17 في المئة، لكن، بعد جريمة الاغتيال أصبح ذلك من الأحلام".
وقال "إن أي مؤسسة كبيرة مثل مؤسستنا لا يمكنها أن تستمر وقتاً طويلاً في ظل هذه الظروف الصعبة، خصوصاً أن لدينا 240 موظفاً وتكاليف كبيرة جراء أعباء الإجارات والتمويل وغير ذلك".
ودعا الرفاعي الى معالجة الأزمة السياسية من خلال حكومة توحي بالثقة، وإجراء الانتخابات النيابية بشكل ديموقراطي والعمل بجدية لكشف حقيقة من اغتال الرئيس الحريري لإعادة الثقة بالبلاد.
من جهته، دعا أمين العلاقات العامة في جمعية تجار كورنيش المزرعة صاحب محلات حمدان للأدوات المنزلية يوسف حمدان الى معالجة التأزم السياسي الحاد في البلاد من خلال تشكيل حكومة تحظى بالثقة وإجراء انتخابات نيابية والعمل على كشف الحقيقة في جريمة اغتيال الرئيس الحريري، مشيراً الى أن استمرار التوتر السياسي في البلاد سيؤدي الى مزيد من الركود والشلل التجاري في الأسواق التجارية.
ولفت حمدان الى تراجع المبيعات في سوق كورنيش المزرعة بشكل كبير، "إذ انخفضت المبيعات أكثر من 90 في المئة مباشرة بعد اغتيال الرئيس الحريري، واليوم بقيت منخفضة بنسبة 85 في المئة لا سيما بالنسبة للأدوات المنزلية".
وقال "حتى أيام الحرب لم يمر علينا مثل هذا الوضع الصعب، وهذا يدل على أهمية الرئيس الشهيد على المستويات كافة ودوره الوطني والعربي والدولي وما يمثله في ضمير الشعب اللبناني من ضمانة للاستقرار السياسي والاقتصادي والاجتماعي".
وحذّر من أن استمرار التأزم السياسي يهدد الاقتصاد، لا سيما المؤسسات التجارية التي تعاني أصلاً مشاكل كبيرة موروثة من أيام الحرب الأهلية، مشيراً الى أن مؤسسات صرفت عمالها، "وهذا مؤشر سلبي يجب العمل سريعاً على معالجته، وإعادة الثقة بالبلد".
ولفت حمدان الى أن جمعية تجار كورنيش المزرعة ستدعو جمعيات تجار بيروت وضواحيها لمناقشة أوضاع الأسواق الصعبة واتخاذ الإجراءات المطلوبة لتحريكها.
وقال حمدان "نحن كجمعية كنا على تواصل دائم مع الرئيس رفيق الحريري، وكان يشجعنا ويعطينا الأمل بمستقبل لبنان واقتصاده، وانطلاقاً من ثقتنا به قمنا بمشاريع استثمارية عديدة ووسعنا أعمالنا، لكن الآن، وبعد هذه الفاجعة نرى أن هناك خوفاً كبيراً على هذه المشاريع والاستثمارات".
وأضاف "إن قطاعي السياحة والتجارة يشكلان النواة الاقتصادية للبنان، وهما اليوم الأكثر تضرراً بين القطاعات، لذلك من الضروري العمل على إنقاذها إنقاذاً للبنان واقتصاده"، كاشفاً عن اتفاق بين جمعية تجار كورنيش المزرعة وجمعية تجار بيروت لتوجيه نداء الى الموالاة والمعارضة لتخفيف الاحتقان السياسي "لإنقاذ البلد الذي أحبه وبناه رفيق الحريري".
صاحب محلات الزعيم لبيع قطع السيارات بسام الزعيم قال لـ"المستقبل"، "نحن أساساً مكسورين، وأتتنا هذه الضربة لتزيد السوء سوءاً".
وأضاف "البلد يعيش أصلاً وضعاً اقتصادياً صعباً، وهذا كان يظهر من أوضاع قطاعاته الاقتصادية لا سيما الصناعة والتجارة. لذلك فإن أي هزة تؤثر فيه، فكيف إذا كانت هذه الهزة بحجم جريمة اغتيال الرئيس الحريري، والتي تعتبر بمثابة زلزال ضرب لبنان".
وتابع "بعد مرور نحو 40 يوماً على الجريمة لا يزال الناس والتجار يعيشون في حالة إحباط، وهذا ما يفسر استمرار تراجع الحركة التجارية التي ظهرت في تراجع المبيعات بنسبة وسطية وصلت الى نحو 70 في المئة".
وأشار الى أن أجواء الفتنة والتحريض الذي ظهرت أخيراً في البلاد، دفعت بالأوضاع الاقتصادية الى التراجع والانكماش.
ودعا الزعيم الى "تشكيل حكومة ترضي الشعب وتحوز ثقة جميع الأطراف، وتنفيس الأجواء من خلال تبني مطلب كشف حقيقة من اغتال الرئيس الحريري وإجراء انتخابات نيابية بشكل ديموقراطي".
وقال "الرئيس الحريري خسارة كبيرة لكل اللبنانيين بكل انتماءاتهم وطوائفهم ومناطقهم، لذلك فإن الخسارة كبيرة ولا يمكن تعويضها".
ورأى الزعيم أن استمرار الأوضاع السياسية في البلاد على ما هي عليه ستؤدي الى ضرب القطاع التجاري، "وسنشهد تعثر مؤسسات وصرف عمال وإقفالات بالجملة".
المهندس أمير قطرنجي صاحب محلات قطرنجي للإلكترونيات قال لـ"المستقبل"، "الوضع سيئ جداً والأسوأ أننا لا نعرف أين ذاهبون، خصوصاً بعد الاضطرابات الأمنية التي شهدتها البلاد خلال الأيام الأخيرة، والتي خلقت أجواء صعبة، وجعلت الأسواق شبه خالية من الناس"، مشيراً الى تراجع سوق الإلكترونيات بنسبة راوحت بين 60 في المئة و70 في المئة.
ورأى قطرنجي ضرورة توافق جميع الأطراف، وإخراج البلاد من المأزق السياسي، الذي يؤثر بشكل مباشر في الوضعين الاقتصادي والاجتماعي لا سيما أن مؤسسات الأعمال تعاني أوضاعاً صعبة، ولا يمكنها الاستمرار في ظل الظروف الراهنة.
وأشار الى أن عدداً كبيراً من المؤسسات التجارية تدرس الآن خفض عدد عمالها لخفض نفقاتها، بعد تراجع وارداتها بشكل كبير.
وقال قطرنجي "ان المشاكل الكبيرة هي الآن لدى المؤسسات التي اقترضت من المصارف لتوسيع أعمالها، والتي لا يمكنها في ظل الأوضاع الراهنة سداد المستحقات المتوجبة عليها للبنوك، وهذا ما يضعها أمام واقع جديد لم تكن تتوقعه، فاغتيال الرئيس الحريري قلب الطاولة على رؤوس الجميع".
ودعا الجميع الى "العمل للخروج من المأزق السياسي، وتشكيل حكومة جديدة تحظى بثقة الجميع، ويكون من أولوياتها العمل على معرفة حقيقة من اغتال الرئيس الحريري".
يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.