بيّن تقريران رفعهما أصحاب العمل والاتحاد العمالي العام الى لجنة مؤشر الغلاء، التي عقدت اجتماعها الثاني أمس في وزارة العمل، وجود فارق كبير بين أرقام الطرفين حول نسبة ارتفاع مؤشر الأسعار، إذ قدّر أصحاب العمل هذه النسبة بين أعوام 1997 و2003 بـ4.03 في المئة فيما قدّر تقرير الاتحاد هذه النسبة بـ46.6 في المئة بين أعوام 1995 و2003، كما أشارت الدراسة التي قدمتها إدارة الإحصاء المركزي الى أن نسبة ارتفاع أسعار الاستهلاك في بيروت بين أعوام 1998 و2003 بلغت 8.6 في المئة.
ولفتت اللجنة في بيان بعد اجتماعها أمس الى تشكيل لجنة تقنية مصغرة لاستعراض الدراسات المقدمة، ووضع تقرير بنتيجتها في مهلة لا تتجاوز الثلاثة أسابيع، "على أن تستعين هذه اللجنة بمن تشاء من الخبراء لإنجاز هذه المهمة".
وأشار البيان الى أن لجنة المؤشر ستجتمع الأسبوع الأول من الشهر المقبل لاستعراض التقرير الذي ستعده اللجنة التقنية لاتخاذ القرارات المناسبة.
وفي هذا الإطار، شكك ممثل جمعية الصناعيين في لجنة المؤشر شارل عربيد في صحة الأرقام الواردة في دراسة الاتحاد العمالي، معتبراً أنها لا تعكس حقيقة غلاء الأسعار والمعيشة في لبنان، خصوصاً أنها احتسبت الزيادة الطارئة على الأسعار في عام 1995 و1996".
وقال عربيد لـ"المستقبل"، "صحيح أن هناك غبناً في الأجور، إلا أن وضع المؤسسات الخاصة والمصانع ليس أفضل إذ أن هناك غبناً كبيراً يلحق بهم نتيجة ارتفاع تكلفة الإنتاج، والتي أدت الى إقفال عدد كبير من المؤسسات والمصانع".
وفي الوقت الذي أكد فيه حرصه على العمال "وضرورة توفير كل الخدمات اللازمة من طبابة وتعليم وغيرها، أبدى عربيد خشيته من أن تؤدي أي زيادة في الأجور الى نتائج سلبية في النمو الاقتصادي والتضخم والقدرة التنافسية للاقتصاد الوطني. ورأى أن زيادة الأجور لا ترتبط فقط بمؤشر الغلاء أنما بعوامل أخرى وأهمها إنتاجية الاقتصاد وقدرته التنافسية".
وختم عربيد قائلاً "لا نستطيع أن نرفع الأجور لأننا لا نستطيع أن نتحمّل".
من الجهة المقابلة، طالب نائب رئيس الاتحاد العمالي وممثل الاتحاد في لجنة مؤشر الغلاء بسام طليس بزيادة الأجور بما يتناسب مع الأرقام الواردة في دراسة الاتحاد العمالي، لكي تتلاءم مع الحد الأدنى للمتطلبات المعيشية والحياتية للعمال وذوي الدخل المحدود".
وقال طليس لـ"المستقبل"، "ان رفع الأجور هو قرار سياسي، ولم يكن نتيجة لدراسات تقنية"، مشيراً الى "أن صدور قرار إحياء لجنة مؤشر الغلاء هو دليل قناعة لدى رئيس مجلس الوزراء رفيق الحريري والمسؤولين بضرورة زيادة الأجور".
وأوضح "ان رأي لجنة مؤشر الغلاء لم يكن تاريخياً ومنذ أنشائها لتحديد الحد الأدنى أو تصحيح الأجور، خصوصاً أنها لم تقم بهذه المهمة ولا مرة، بالإضافة الى أن أصحاب العمل والعمال لم يتفقوا يوماً على هذا الموضوع".
وعن سبب الفارق الكبير بين أرقام الاتحاد وأصحاب العمل، أوضح طليس "ان دراسة أصحاب العمل لم تأخذ في الاعتبار بعض الأمور الأساسية مثل المواد الغذائية والسكن والألبسة، في حين أن مؤشر الأسعار يجب أن يستند الى أمور أساسية أخرى مثل الرسوم والضرائب وخدمات الهاتف والمياه والكهرباء التي تؤثر بشكل مباشر في الحد الأدنى".
واعتبرت دراسة الاتحاد العمالي أن الوضع الاقتصادي شهد خلال السنوات العشر الأخيرة تحولات واسعة ارتبطت بالعديد من المتغيرات السياسية والاقتصادية في لبنان، وقد كان لكل من هذه التحولات تأثيرات سلبية في كل القطاعات الحياتية والاجتماعية.
وقالت "إن الأزمة المعيشية تفاقمت منذ مطلع العام 1996 من خلال التراجع المستمر في الطلب على الاستهلاك، وهذا ما أدى الى تراجع في الأداء الاقتصادي في العديد من قطاعات الإنتاج. وجنباً الى جنب مع هذا الانكماش أظهر مؤشر أسعار الاستهلاك ارتفاعات متفاوتة سنوياً".
وأضافت "وفي ظل المعاناة الحالية التي يشهدها الوضع الاقتصادي العام في لبنان من جمود في العديد من المؤسسات الإنتاجية والتجارية نتيجة تدني القدرة الشرائية للأجور والمداخيل لدى الشرائح العمالية وذوي الدخل المحدود، أتى الاتفاق المتزايد على بعض الأبواب الرئيسية من تعليم وطبابة ونقل وسكن واتصال وأسعار خدمات في سلّم الأولويات لدى هذه الفئات وهذا ما أدى الى تراجع كبير لدى المواطن في تخصيص نسب معيّنة من دخله لشراء العديد من السلع الضرورية والكمالية الأخرى. وقد انعكس ذلك تراجعاً موازياً ملحوظاً في الطلب على العديد من السلع الاستهلاكية.
وقد ساهم الارتفاع الكبير لمستوى أسعار السلع الاستهلاكية والخدمات في تضخيم موازنة الأسرة.
وتابعت "إن متابعة موازنة الأسرة تشير الى أن نسبة ما تخصصه الأسر ذات الدخل المتدني للإنفاق على التعليم والصحة والنقل والخدمات تبلغ نحو 55 في المئة من دخلها. من هنا تبرز أهمية بلورة سياسة اجتماعية متطورة تؤدي الى نمو متوازن في كل القطاعات الاقتصادية والاجتماعية في اتجاه إعادة توزيع عادلة لأبواب الإنفاق"
وأوضحت أن نسبة التضخم بلغت 11.4% في العام 1995 و9.3% في العام 1996 و8.2% في العام 1997 و5.1% في العام 1998 و1.3% في العام 1999 و1% في العام 2000 و2.3% في العام 2001 و4.8% في العام 2002 و3.2% في العام 2003. وبلغ مجموع التراكمات خلال هذه السنوات 46.6%.
أما دراسة أصحاب العمل فقد بيّنت أن مؤشر الأسعار ارتفع في الفترة ما بين 1997 و2003 بنسبة 4.03% نتيجة نسب ارتفاع وانخفاض سنوية وكانت 1.62% في العام 1997، و0.37 في العام 1998، و0.60% في العام 1999، و3.42% في العام 2000، و0.47% في العام 2001، و3.51% في العام 2002، و4.63% في العام 2003.
واعتمدت دراسة أصحاب العمل في تحديد تطور مؤشر الأسعار على أسعار أبواب الإنفاق الرئيسية مثل المواد الغذائية، والثياب والبياضات، والسكن ولوازمه، ومصاريف أخرى، كل سنة على حدة.
ومثلاً في العام 2003 عزت الدراسة ارتفاع مؤشر الأسعار الى ثلاثة عوامل رئيسية هي ارتفاع سعر صرف اليورو مقابل الدولار وفرض ضريبة القيمة المضافة على المؤسسات التي يزيد حجم أعمالها على 150 مليون ليرة سنوياً، والحرب على العراق، مشيرة الى أن دعم الصادرات الزراعية والجهود لتحسين جودة المنتجات اللبنانية وتغيير أساليب التعبئة والتوضيب دفعت أيضاً في الاتجاه عينه.
يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.