هناك الكثير الذي يمكن قوله عن جاك شيراك الذي غادر عالمنا قبل ايّام عن ستّة وثمانين عاما قضى منها 12 عاما عشر عاما رئيسا للجمهورية الفرنسية. من السهل القول ان شيراك كان آخر كبار الرؤساء الفرنسيين، خصوصا انّ الذين خلفوه، في مقدّمهم نيكولا ساركوزي، كانوا مجرّد اقزام في السياسة بالمقارنة مع ما كان يمثله ذلك الرجل الذي تربّي في ظل جورج بومبيدو، خليفة شارل ديغول.
عرف بومبيدو كيف المحافظة على ارث شارل ديغول في الايام الصعبة التي مرّت فيها الديغولية التي كانت مدرسة بحدّ ذاتها. كانت تعني اوّل ما تعني الايمان بعظمة فرنسا وبفكر مستنير يرفض أي تبعية عمياء للولايات المتحدة.
بعد خروج شيراك من الرئاسة في العام 2007، لم تعد فرنسا وحدها في حال يرثى لها، خصوصا بعدما تبيّن ان ساركوزي كان مستعدا لمساومات وصفقات مع النظام السوري الذي يرأسه بشّار الأسد الذي تعرف فرنسا تماما دوره في تغطية اغتيال رفيق الحريري.
مع رحيل جاك شيراك من عالمنا، نجد انّ ليس الشرق الاوسط وحده الذي يتغيّر، بل ان أوروبا أيضا بدأت تتغيّر في غياب رجال كبار عرفوا كيف يعيدون للقارة القديمة امجادها وإعادة بنائها بعد كلّ ما دمّرته الحرب العالمية الثانية. استطاع هؤلاء التعايش مع الحرب الباردة ومع التهديد الذي كان يمثّله الاتحاد السوفياتي وفكره التوتاليتاري. ليس في أوروبا هذه الايّام زعيم واحد يستطيع ان يسأل، حتّى، الى اين يأخذ دونالد ترامب العالم او هل يمكن وضع حدّ للسياسات الايرانية التي لا حدود لتهوّرها ولتلك السياسات التي يمارسها فلاديمير بوتين الهارب الدائم من الأزمات الداخلية لروسيا الى مناطق مختلفة في العالم مثل أوكرانيا او سوريا؟
ليس في الإمكان تجاهل ان جاك شيراك حاول انقاذ ما يمكن إنقاذه، اكان ذلك في سوريا او لبنان، وقبل ذلك في العراق وفلسطين حيث اصطدم في اثناء زيارته للقدس في 1996 بالشرطة الإسرائيلية وقوات الجيش التي ارادت منعه من الاتصال بالفلسطينيين، اهل المدينة المقدّسة الحقيقيين والاصيلين. امتلك جاك شيراك شجاعة قول الأشياء كما هي مدافعا عن حقوق الشعب الفلسطيني وعن ارض فلسطين ومن القدس بالذات... وذرف دمعة على ياسر عرفات.
من الصعب استعادة جاك شيراك الذي امضى ما يزيد على أربعة عقود في السياسة. كان رئيسا لبلدية باريس طوال 18عاما. كان وزيرا. كان رئيسا للوزراء، حتّى في ظل رئيس اشتراكي هو فرنسوا ميتران، وجد نفسه مضطرا لـ"مساكنة" الديغوليين. جاء ذلك تمهيدا لوصوله الى قصر الاليزيه في العام 1995 ليغادره في 2007 تاركا فراغا ليس بعده فراغ.
يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.