حوادث السير وفوضى تطبيق القانون، قضية معقدة ومتشعبة، لا سيما أن القانون المتّبع حالياً، يعود الى أيام الانتداب الفرنسي ولم تطرأ عليه الا بعض التعديلات البسيطة في تسعينات القرن الماضي.
فهل من حل لمشكلة حوادث السير في لبنان؟
للوقوف على كيفية معالجة هذه القضية الشائكة التقت "المستقبل" رئيس هيئة تحديث القوانين النائب السابق أوغست باخوس، ونقيب خبراء السير في لبنان عفيف عبود، ورئيس تجمع الشباب للتوعية الاجتماعية "يازا" زياد عقل.
باخوس
أشار باخوس الى وجود خلل في تطبيق قانون السير فقال "يجب على لبنان اعتماد نظام السير المعتمد في كل انحاء العالم وتشديد العقوبات بحق المخالفين والمراقبة بالرادارات وتشغيلها بالشكل المطلوب وليس لممرات معدودة قليلة ومن ثم توقفها".
وأضاف: "درسنا في "هيئة التحديث" موضوع السير وحضّرنا اقتراحاً أرسل الى رئاسة المجلس التي حولته بدورها على لجنة الادارة، أي اننا عالجنا الموضوع من ناحيتنا ورفعناه الى الجهات المختصة".
وتابع: لكننا نغرق حالياً بما يقارب ثلاثين مشروعاً وجميعها تتضمن معالجة". موضحاً أن "لجنة تحديث القوانين منشغلة في الوقت الحاضر بتحديث قوانين عدة بينها قانونا العمل والعقوبات والمناقصات، والقوانين التي لا يقدر المجلس النيابي تحمل اعبائها بمفرده بسبب عدم امكان التفرغ لها من جهة وبسبب تقلّص عدد رجال القانون فيه عن السابق من جهة أخرى".
وشدّد باخوس على "ضرورة التشدد في مخالفة قانون السير خصوصاً لجهة سحب الرخصة من السائق المخالف كما هو الحال في دول العالم"، ولفت الى "ضرورة تطبيق القانون بجدية على الطرق، من خلال ردم مختلف الحفر التي تسبب الحوادث وإعادة وتنظيم الأوتوسترادات التي اطلق عليها في مرحلة سابقة أوتوسترادات الموت".
ورأى ان الحل يتطلب زيادة عدد دوريات المراقبة الجوالة لافتاً الى انه من يقصد طريق عام بيروت طرابلس على سبيل المثال لا يلتقي بمنظم للسير ولا يرى اطلاقاً قامعا للمخالفة وكذلك الأمر بالنسبة الى مختلف المناطق.
وختم مشيراً الى ضرورة تحديث قانون السير والمباشرة بتطبيقه في أقرب وقت ممكن.
النقابة
عزا نقيب خبراء السير في لبنان عفيف عبود أسباب وقوع حوادث السير الى السرعة والقيادة في حالات السكر وجهل قانون السير وسهولة الحصول على اجازة السوق وتدهور حالة الطرق. وأشار الى ان أغلب الحوادث التي تسببها السرعة يذهب ضحيتها الشبّان، وشدّد على ضرورة عدم التهاون في مسألة الحصول على رخصة القيادة خصوصاً ان العديد من اللبنانيين حازوا عليها بسهولة وباتوا غير مؤهلين للقيادة على الاوتوسترادات والطرق العامة رغم ما تقوم به الجهات المختصة من أجل تطوير هذه المناورات الميدانية إلا انه يصنّف بالمحاولات الخجولة.
وانتقد العتمة التي تلف الاوتوسترادات والحفر المفخخة والاشارات الكهربائية التي تعمل حيناً وتتوقف أحياناً اخرى إضافة الى حالة الاسفلت المزرية والتي تشكل جميعها عوامل تؤدي الى وقوع حوادث قاتلة.
وشدّد عبود على ضرورة تطبيق القانون قائلاً "لو كان اللبناني ملمّاً ولو قليلاً بهذا القانون لعرف انه ينهيه عن السرعة، ويدعوه الى احترام تعليمات إشارات السير والى إفساح مجال المرور للسيارات القادمة عن يمينه وبالتالي تنخفض نسبة الحوادث بمعدل 60 في المئة على الأقل.
وحمل على قانون السير مشيراً الى انه يعود الى أيام الانتداب الفرنسي، وقال "انه يشبه الى حد ما القانون الفرنسي إلا ان هذا الأخير عدّل مرات عدة وطرأت عليه تغييرات كثيرة حتى بات يماشي روح العصر، أما شبيهه اللبناني فبقي يراوح مكانه محنطّاً في ثلاجة".
ولفت الى ضرورة إعادة النظر بجميع مواده كي يتماشى مع روح العصر.
وعن كيفية معاينة الحادث، أوضح عبود ان ذلك يتم على الأرض، مشيراً الى بعض الشوائب التي تعتريه والتي تعمل النقابة جاهدة لإزالتها.
ونوّه بالأسلوب المعتمد في لبنان لناحية معاينة الحوادث فقال "نفتخر بأننا نقوم بأهم المعاينات التي تحصل أقله في العالم العربي والشرق الأوسط".
وشرح "يطمئن الخبير فور وصوله على حالة المتصادمين ومن ثم يبدأ بكشفه الفني فيصوّر الآثار المتروكة على الطريق من فرامل وزجاج متناثر وتراب يستدل منها على نقطة التصادم.
ثم يقوم بتصوير السيارات المتصادمة فيتمكن من خلال تفحصه وتمعنه في هذه الصور من معرفة السيارة الصادمة، أو المنحرفة، أو المسببة للحادث، ومن بعدها يعود فيستمع الى افادة السائقين ويدوّن الإفادات مع الوثائق الأخرى ليرفع بعدها الى المراجع المختصة تقريراً مفصلاً متضمناً ما ورد مبدياً رأيه الفني الذي يساعد في حل الخلاف".
وكشف عبود عن تقديرات عدد حوادث السير في لبنان وقال انها تقارب 15 في المئة من عدد السيارات العاملة في لبنان والتي تقدر بمليون ونصف مليون سيارة.
وأشار الى ان عدد الوفيات الناجمة عن حوادث السير للعام 2003 المنصرم يقدر بنحو 334 وعدد الجرحى بنحو 2145.
ووصف عبود هذه الارقام بالمخيفة خصوصا لجهة خسارة الارواح والتي قدر نسبتها واسبابها كالآتي: 58.61 في المئة بسبب السرعة والقيادة في حالة السكر، و22.39 في المئة بسبب جهل القانون و19 في المئة بسبب حالة الطرق والاعطال الميكانيكية.
وأكد ان وقت وقوع معظم هذه الحوادث ينحصر ما بين ساعات الظهيرة والخامسة عصراً.
وختم مشيراً الى ما تقوم به لجنة تحديث قانون السير برئاسة مفوض النقابة لدى شركات الضمان عبدالله الحاج وبالتعاون مع المستشار القانوني للنقابة المحامي جورج سالم، من درس المشروع لتحديث بنوده وتطويرها.
ولفت الى ان ثمة لجنة انشئت برئاسة امين سر النقابة نجيب شوفاني تقوم حالياً بمهمتها في توعية المجتمع اللبناني بالتنسيق والتعاون مع جميع الهيئات الاهلية وأبرزها (يازا).
"يازا"
يعد تجمع الشباب للتوعية الاجتماعية (يازا) الجمعية الوحيدة تقريباً في لبنان التي تهتم بالوقاية من حوادث السير، من خلال تنظيم الندوات والحلقات النقاشية في المدارس والجامعات وتنظيم المناورات الحية بالتعاون مع الدفاع المدني وغيرها من النشاطات.
ربط رئيس التجمع زياد عقل اسباب معظم حوادث السير في لبنان، واستناداً الى دراسات اعدتها الجمعية في هذا الشأن، الى النقص في التوعية وضعف التنسيق بين الوزارات المعنية وعدم التشدد في تطبيق قانون السير وانتشار "الثغرات السوداء" في الطرق الناجمة عن اخطاء هندسية وغياب جسور المشاة.
وختم مشدداً على ضرورة وضع سياسة شاملة من قبل الدولة للعمل السريع لخفض عدد حوادث السير لا سيما وأن الاحصاءات الاخيرة التي اعدتها الجمعية بالتعاون مع مؤسسة الأبحاث العلمية تشير إلى ان ما بين 450 و500 قتيل وأكثر من 6000 جريح يقعون ضحايا السير في لبنان كل سنة.
يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.