حقّق النظام الأسدي في الأسابيع القليلة الماضية، بعض النقاط في المواجهات ضدّ الثورة في سوريا فاستأسد، حتّى توعّد الرئيس بشار الاسد بالنصر المبين، فبدا الوضع وكأنّ أيام الثورة وليست أيامه في السلطة، أصبحت معدودة. أمّا الواقع فيؤشّر إلى أنّ تمديداً لربع الساعة الأخير للنظام الأسدي قد وقع بقرار ضمني من واشنطن وتل أبيب وبالتضامن والتكافل مع قوى اقليمية لأسباب مختلفة، في ظلّ ارتفاع غير مسبوق للدعم الإيراني والروسي للنظام.
فعلياً، الوضع الميداني ما زال على حاله. حرب الطرق والمعابر والمطارات مستمرة. النظام الأسدي متفوّق جواً وبسلاح المدرّعات والمدفعية والصواريخ، أمّا الثوار فإنّهم متفوّقون بأعدادهم وتصميمهم على القتال، لأنّه ليس لديهم خيار سوى الانتصار، أو الموت في المعركة أو تحت التعذيب وفي أحسن الأحوال بالاعدام الميداني.
قوّة الأسد من قوّة حلفائه. وضعف الثوار من ضعف حلفائهم. إيران تخوض مع الأسد معركة المربع الأخير في المنطقة. سقوطه بعد خروج حركة حماس من تحت التشادور السوري - الإيراني، يعيد خطابها الفلسطيني إلى داخل طهران بعيداً من الحدود مع فلسطين. لكن ايضاً وهو مهم جداً، يفتح الباب على مصراعيه أمام حصول تغيير كبير في العراق لا تتحمّله ولن تتقبّله حتى لو كانت كلفته أكبر من كلفة المحافظة على النظام الأسدي. أمّا موسكو، فإنّ ما قاله رئيس الوزراء ديمتري ميدفيديف، لا يخرج عن الاطار الذي وضعه القيصر بوتين. وإن كانت كلماته مباشرة أكثر. ترجمة كلام ميدفيديف مربوطاً بموقف بوتين، يشكّل رسالة إلى الأسد مختصرها انه فشل في تحقيق الانتصار الذي وعد به، وأنّه حان الوقت للبحث عن حلول أخرى مرسومة في جنيف أساسها تشكيل حكومة وطنية موسّعة وكاملة الصلاحيات. باختصار أن يبقى الاسد رئيساً لا يحكم حتى مطلع 2014، إذا بقي.
مأساة الثورة في سوريا اثنتان في واحدة. الأولى أنّ الثورة بعد عامين على اندلاعها لم تنتج قيادة سياسية بحجم طموحات وتضحيات الشعب السوري. الأسوأ أنّ القيادات الموجودة لم تتعلّم شيئاً بعد كل التجارب القاسية التي مرّت بها، فهي كانت وما زالت محكومة بالفرقة والشخصانية المفرطة واعتقاد كل واحد منها أنّه المخلص في حين أنّ لا أحد منها يملك قماشة الزعامة القادرة على تنفيذ المهمّة الأولى للثورة وهي توحيد قوى الثورة فعلاً لا قولاً. ولو لم يكن الشعب السوري سبّاقاً في صلابته وصموده لكانت إرادته قد انكسرت أمام الوضع المأسوي الذي خلقته هذه القيادات، والتي بواسطتها دخلت القوى والدول عليها مما عمّق انقساماتها وأشاع خطابات العمالة والتخوين، علماً أنّ العديد منها ما زال يحتفظ ببراءته وشفافيته.
أمّا المأساة الثانية، فتعود إلى تضخّم خطابات الدعم الخارجية من عربية واقليمية ودولية وفقر ترجمتها بالمال والسلاح. الأسوأ من ذلك أنّ حصاراً قد فُرض على الثورة والثوار منذ عدة أشهر تبلور في تجفيف المعونات المالية وقطع طرق الإمداد بالسلاح، والحجز على الضباط والعسكريين المحترفين المنشقين وكأنّهم في الاقامة الجبرية، بدلاً من دفعهم للانضمام إلى الثوار في الداخل. أمّا الكذبة الكبيرة التي لجأ إليها البعض، خصوصاً الإدارة الأوبامية فهي حول جنوح الثورة نحو التطرّف وانتشار القوى الإسلامية المتطرّفة، باختصار تمدّد القاعدة إلى قلب الثورة وإمساكها بمفاصلها بحيث أنّ بقاء الأسد والنظام الأسدي يصبح أفضل بكثير من حلول البديل الإسلامي المتطرّف مكانه. إسرائيل وجدت في السلاح الكيميائي حجّة لها لتفضيل بقاء الأسد الذي حافظ عليه في مخازنه على البديل.
أمّا في الواقع، فإنّ الإسلاميين لم يكونوا عندما اشتعلت الثورة سوى بقايا من الاخوان المسلمين المنتشرين خارج سوريا، وبعض المجموعات السلفية التي كان يستخدمها الأسد لتصديرها إلى العراق أو لتسليم بعض عناصرها للمخابرات الغربية حسب عرض الطلب والأسعار. لا شك أنّ الإسلاميين المتشدّدين يزدادون عدداً يوماً بعد يوم لأسباب أصبحت واضحة وجلية. وحدها المجموعات الإسلامية مثل النُصرة أو ما يشبهها تتلقّى الدعم المالي والسلاح من المجموعات والقوى الإسلامية في الخارج. ايضاً انّه كلما شعر السوري المعارض للنظام الأسدي أنّ الجميع تخلّوا عنه، لجأ إلى هذه المجموعات للتعبير عن غضبه وحقده على العالم الذي تعاون وعمل مع قيادات القاعدة في ليبيا وتجاهل الثوار المدنيين في سوريا. رغم كل ما يحصل فإنّ التقديرات الغربية خصوصاً الفرنسية منها تؤكد أنّ هذه القوى التي قطع المال والسلاح عن الثورة لم يكن عدد أفرادها المقاتلين يزيدون على خمسة آلاف مقاتل قبل ستة أشهر، في حين أنّ عددهم الحالي ارتفع إلى خمسة عشر ألف مقاتل وهم الأكثر تنظيماً والتزاماً بين الثوار.
يُقال إنّ التاريخ عندما يعيد نفسه يكون بشكل ملهاة بعد أن كان مأساة. في الحالة السورية يبدو أنّ التاريخ يكرّر نفسه بشكل مأسوي. في عزّ الثورة السورية عام 1925، التهت قياداتها بصراعاتها الشخصية في وقت تضامنت بريطانيا مع فرنسا وتنفيذاً منها لاتفاقية سايكس بيكو في قطع الإمدادات عن الثورة بمشاركة عراقية تحت ضغط الاحتلال البريطاني، فكان أن ربحت فرنسا المعركة وخسرت الثورة وتشتّت الثوار في المنافي، حتى اقتنعت فرنسا أنّها غير قادرة على البقاء.
الفرق بين 1925 و2013، أنّ الاستعمار الفرنسي كان أكثر رأفة بالشعب السوري منه من بشار الأسد، وأنّ الشعب السوري اليوم أكثر تصميماً على الانتصار، لأنّه لم يعد لديه ما يخسره أكثر مما خسر على يد النظام الأسدي.
[email protected]
يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.