8 آذار 2019 | 00:00

أرشيف

الأسد يفقد ثقته حتى بموسكو

المستحيل في السياسة مستحيل. لا شك أنّ سيرغي لافروف وزير خارجية روسيا، الديبلوماسي المخضرم والبارز، يعرف أكثر من غيره هذه القاعدة الذهبية، لذلك لا يمكن التعامل مع تصريحه حول الرئيس بشار الأسد ورحيله من السلطة، وكأنّه يسلّم ببقاء الأسد إلى الأبد. الأسديون ترجموا قوله بأنّ استبعاد الأسد أمر مستحيل تنفيذه بأنّه أمر عمليات صادر عن موسكو بدعم مفتوح وغير محدود للأسد، مهما كانت كلفة هذا التحدّي للشعب الروسي ضخمة. في الواقع، روسيا ليست مومياء محنّطة سياسياً. بالعكس روسيا تتحرّك بقيادة القيصر بوتين بقوّة لاستعادة مواقع لها على المسرح الدولي تعتبرها شرعيّة ومشروعة رغم زوال الاتحاد السوفياتي. الرئيس فلاديمير بوتين يستثمر الحالة السورية بعقله الجليدي حتى آخر دقيقة، إلى جانب ملفّات مهمّة أخرى، في العملية المعقّدة التي خطّط لها منذ ولايته الرئاسية الأولى والتي ينفذها حالياً، من أجل استعادة روسيا لموقعها الطبيعي في صناعة القرارات الدولية إلى جانب الولايات المتحدة الأميركية، كما يرى ويؤمن.
بقاء الأسد وسقوطه، لا يعنيان بوتين أكثر مما يخدمان مصالح روسيا. ما يعزّز قدرة بوتين على المناورة والضغط رحيل الأسد لا يرحّل روسيا ولا يضعفها في مواجهة الولايات المتحدة الأميركية. لدى موسكو العديد من الملفات والمواقع التي يمكنها بها تعزيز مواقعها. خسارة الأسد ليست خسارة استراتيجية لها، أما خسارة روسيا موقعاً لها فإنّها تبقى خسارة محدودة لها سلبياتها لكن لا تغير المعادلات نهائياً. في جميع الأحوال إذا كانت موسكو لن تربح الحرب في سوريا فإنّها لن تخسرها، خصوصاً وأنّها كانت وما زالت تكرّر أن ما يهمّها في سوريا بقاء الدولة والجيش، وفي بقائهما استمرارية لحضورها.
الرئيس بشار الأسد يعلم حدود الموقف الروسي حالياً، خصوصاً بعد أن خسر أكثر من نصف سوريا ولم يعد يمسك بالنصف الآخر فعلياً، وأنّ قواته تتراجع ونظامه ينحسر، في حين أنّ المعارضة المسلّحة صامدة وتتقدّم ببطء ولكن بثبات. عندما تدقّ الساعة، لن يؤخر الكرملين قراره. لذلك اعتمد الأسد مؤخراً مع موسكو الهجوم من موقع الدفاع. فيصل المقداد التقى زميله بوغدانوف في موسكو, قال له: إذا خسرنا تخسرون، وإذا ربحنا تخسرون أكثر. طبعاً بوغدانوف متأكد أنّ خسارة الأسد لا تعني خسارة بلاده، وإمكانية أن يربح الأسد لم تعد مسألة واردة إلاّ في حسابات الأسد القائمة على أنّ الثورة ليست أكثر من فقاعة صابون.
تبقى طهران. من البداية انخرطت الجمهورية الإسلامية في إيران في مواجهة الثورة على أساس أنّها جزء من المؤامرة الأميركية ضدّ محور المقاومة والممانعة، وضدّها مباشرة. طهران تعتبر فعلاً لا قولاً أنّ معركة بقاء الأسد بالنسبة لها أم المعارك. خسارة الأسد وسقوط النظام الأسدي هما واترلو الاستراتيجية الإيرانية. يمكن لطهران أن تقول إنّ لديها خيارات أخرى عديدة تمتد من أفغانستان إلى القوقاز. لكن لا شيء يعادل خسارتها لمحور خطابها الإسلامي في المواجهة مع إسرائيل. بقاء الأسد يبقيها على تماس حدودي مع إسرائيل. حزب الله سيبقى مدخلها إلى هذه الدائرة، لكن بقاء الحزب قوياً يصبح مهمّة صعبة، كلفتها عالية جداً. أمام هذا الواقع تصعّد إيران انخراطها الاقتصادي رغم كل مصاعبها ومشاكلها الاقتصادية والعسكرية إلى جانب النظام الأسدي.
المشكلة بالنسبة لطهران أنّ موقف القيادة الإيرانية بزعامة آية الله علي خامنئي أصبح موضع نقاش داخلي مفتوح ضمن دوائر القرار وبينها. النقاش أصبح علنياً ولم يعد في الدواوين المقفلة. آية الله هاشمي رفسنجاني قلعة النظام في إيران منذ بداية الثورة، يتزعّم حالياً التيار المعارض للانخراط الإيراني في سوريا إلى جانب الأسد. يوماً بعد يوم تكبر حلقة المختلفين مع القيادة حول سوريا. محمد صدر نائب وزير الخارجية السابق ومحمد علي سحباني السفير السابق كتبا رأييهما المعارِض للانخراط مع الأسد في المواقع والصحف الإيرانية، هذا عدا المعارَضة الخضراء المعارِضة لكل مواقف النظام وفي مقدمتها سوريا والكلفة الباهظة التي تسببها للخزينة الإيرانية في وقت يعاني فيه الشعب الإيراني اقتصادياً بسبب انهيار التومان والعقوبات الغربية.
في صلب الخلاف داخل دوائر السلطة في إيران، موقف المرشد آية الله علي خامنئي الذي يتحكّم بالكلمة الأخيرة في السياسة الإيرانية تخطيطاً وتنفيذاً. المرشد خامنئي مع بقاء الأسد إلى الأبد، لأنّه يرى أن بقاءه يشكّل هزيمة مباشرة للمخططات الأميركية. مواجهة إيران للولايات المتحدة الأميركية تدور، برأيه، حالياً في سوريا، علماً أنّ واشنطن لم تحسم موقفها نهائياً من عملية إسقاط الأسد، أيضاً المرشد يرى أنّ من الضروري على الأقل إذا كان لا بد من خسارة معركة الأسد، أن يستمر الأسد في السلطة وفي دمشق إلى ما بعد الانتخابات الرئاسية الإيرانية في منتصف حزيران المقبل. إذا سقط النظام الأسدي ورحل الأسد قبل ذلك، فإنّ ارتدادات هذا الزلزال ستكون قويّة جداً في الانتخابات الرئاسية، وحتى في مسألة الحوار والتفاوض مع الولايات المتحدة الأميركية. سقوط الأسد سيقوّي المعارضة الخضراء. لكن قبل ذلك فإنّ القوى المحافظة المعتدلة وعلى رأسها رفسنجاني ستصبح أقوى وقادرة أكثر على فرض مواقفها حول ضرورة الانفتاح على المعارضة الإيرانية وعلى الانطلاق بقوّة في الحوار مع واشنطن.
لا شك أنّ التطورات الميدانية في سوريا هي التي ستعجّل في صياغة القرار النهائي لموسكو، وفي مراجعة طهران لموقفها أو الذهاب إلى النهاية مهما بلغت كلفة المعركة طالما أنّ الخسارة واقعة.
أما الأسد فإنّه كما يبدو من الرسائل التي وجهها مؤخراً إلى موسكو لم يعد يثق بأحد بكل ما يتعلق به، وهو يكرّر أن لا أحد قادر على تقديم ضمانات حقيقية له حول مستقبله.
[email protected]

يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.

8 آذار 2019 00:00